تصاميم معمارية مستقبلية... جريئة وبيئية

حوار مع المهندس بياركه إنغلز عن مشاريع لـ130 سنة مقبلة

مشروع ملعب لكرة القدم مع مدينة مائية وشاطئ صناعي في واشنطن
مشروع ملعب لكرة القدم مع مدينة مائية وشاطئ صناعي في واشنطن
TT

تصاميم معمارية مستقبلية... جريئة وبيئية

مشروع ملعب لكرة القدم مع مدينة مائية وشاطئ صناعي في واشنطن
مشروع ملعب لكرة القدم مع مدينة مائية وشاطئ صناعي في واشنطن

لم يرتبط اسم بياركه إنغلز (Bjarke Ingels) يوماً بالإنجازات الصغيرة، فقد جذب المهندس المعماري الدنماركي جمهوراً واسعاً في مؤتمر «تيد - TED»، الذي تُناقش فيه جوانب التكنولوجيا والترفيه والتصميم، عندما أطلق شعارات مثل «نعم، تعني المزيد»، و«الاستدامة الممتعة»، وحاز منذ ذلك الوقت 2.3 مليون مشاهدة.
- معمارية المستقبل
ويمثّل هذا المهندس المعماري حالة شاذّة في العالم الرزين للهندسة المعمارية لا يمكن تجاهلها، وتملك مجموعة شركاته التي تحمل اسمه واختصاره «بيغ - BIG» رؤى متقدّمة لآفاق أوسع. وبالإضافة إلى ناطحات السحاب والوحدات السكنية والمتاحف والملاعب الرياضية والمتنزهات في أربع قارّات، تعتزم هذه الشركة رسم خريطة مدروسة شاملة لكوكبنا. وفي واحد من مؤتمري «تيد» أقيما هذا العام، ناقش إنغلز إمكانية البناء على المرّيخ، ولم يكن الأمر مجرّد كلام.
فقد عيّنت شركة «بيغ» أخيراً سكوت مون، عالم صواريخ سابق في شركة «سبيس إكس»، الذي يعمل في مشاريع استكشافية مختلفة على سطح المريخ، وعلى خط «هايبرلوب» يصل أبوظبي بدبي قبل إقامة الإكسبو عام 2020.
يواجه إنغلز الكثير من الانتقادات التي تطال سعيه لبناء مدن كبيرة بـ«مثاليات براغماتية» كما سمّاها. يكره البعض في عالم الهندسة المعمارية ميل «بيغ» لاقتراح تصميمات «مفرطة البرمجة»، أي هندسة أبنية تضمّ مجموعة متنوعة من الميزات غير المتناسقة.
- تصاميم متميزة
تضمّ مشاريع الشركة على سبيل المثال ملعباً لكرة القدم مع مدينة مائية وشاطئ صناعي كمقترح لاستاد «واشنطن ريدسكنز» في واشنطن، أو محطة لتوليد الطاقة بارتفاع مضاعف تضمّ في جزء منها منحدراً للتزلج كمشروع «أماجير باكيه» في كوبنهاغن.
ولكن الأكيد هو أنّ أشدّ منتقدي إنغلز وأقوى منافسيه لا يسعهم النظر إلى ملفّ إنجازات «بيغ» دون الشعور ببعض الحسد والإعجاب. ففي غضون عشر سنوات تقريباً، كبُرت الشركة لتضمّ 550 شخصاً ومكاتبهم في كوبنهاغن ونيويورك وبرشلونة، مع أكثر من 40 مشروعاً مكتملاً ولائحة أطول من المشاريع التي لا تزال قيد التطوير والتي تُعرض اليوم في قسم الشركة الذي افتُتح أخيراً في مركز الهندسة المعمارية الدنماركية في كوبنهاغن المستمر حتى يناير (كانون الثاني) 2020.
يضمّ هذا المعرض المقام تحت عنوان «عطاء الشكل: مستقبل تاريخ هندسي من بيغ بن إلى التفرّد»، والذي يمتدّ على مساحة 14000 قدم مربعة، مجموعة من العروض والنماذج المعمارية، والشاشات، والبوابات الإلكترونية، والمحطات التفاعلية التي تستعرض أفكار «بيغ» حول مستقبل المساكن على الأرض وفي الفضاء.
- حوار المستقبل
وبمناسبة افتتاح معرض «عطاء الشكل»، تحدّث إنغلز لموقع «كوارتز» حول تطوّر شركته، وطموحه في تصميم خريطة للعالم، وعن كيف ساعدته الأبوة في النظر بعيداً في المستقبل أكثر من ذي قبل.
> هل هناك قاسم مشترك يجمع بين مشاريع «بيغ»؟
- بياركه إنغلز: نعم، يمكنكم تسمية نشاطنا ورؤيتنا العالمية بـ«المثالية البراغماتية». نحن كبشر نمتلك قوة تنظيم جميع عناصر عالمنا ومجتمعنا بطريقة اجتماعية وبيئية مثالية. والقوة التي نمتلكها نحن كمهندسين معماريين هي أنه يمكننا القول إننا سنمنحكم كلّ ما طلبتموه وأكثر من ذلك، أي ما لم تطلبوه. الآن، وقد قدمنا هذه الطروحات، سيكون العالم أقلّ قيمة من دونها. ومن الأمثلة النموذجية التي عرضتها في «تيد»: محطة شديدة النظافة لتوليد الطاقة يمكن تحويل سقفها إلى منحدر للتزلج، وممرّ للتنزه، وجدار للتسلّق؛ أو متحف يصلح أيضاً كجسر يمتدّ من إحدى جهات حديقة النحت إلى الأخرى. وفي دار «فانكوفر هاوس»، استخدمنا فنّ الشوارع لتحويل الجهة السفلى الباطنية من الجسر القائم إلى أثر فني شبيه بكنيسة سيستين في الفاتيكان.
> كيف تقنع الزبائن بالذهاب بأفكارهم إلى ما هو أبعد مما قدموه أصلاً؟
- الهندسة المعمارية هي تحويل الخيال إلى حقيقة. إنّ فكرة تجاهل المبتكر - الفنان العنيد للضوابط لعدم تلويث صفاء أفكاره هو أمر مبتذل جداً. وأعتقد أننا وجدنا طريقة تمكّننا من تحويل كلّ فوضى المتطلّبات المتعارضة في مشروع ما إلى قوة محرّكة للتصميم.
بطريقة ما، عندما يُطلب منك كمهندس معماري تصميم مدرسة أو شقّة أو مبنى أو مساحة للعمل، توجد دائماً طريقة معيارية لوضع هذا التصميم. ولكنّ الأهمّ هو أن نبقي في بالنا دائماً أنّ الأمور لا تصبح معيارية إذا كانت سيئة، بل من خلال فاعليتها الكبيرة في تقديم مستوى معيّن من الجودة. لذا، وفي أي وقت نعمل فيه على مشروع ما، نقول لأنفسنا إنّ الطريقة الوحيدة للتفوّق على المعيار هي بتقديم الأفضل، وبحلّ الأمور المهمة التي لم يتمّ تعريفها.
- تعاون المعمار والعلوم
> ا الأدوات والمصادر التي تستخدمها «بيغ» لتحسين هذه المعايير؟ لاحظنا أنكم تستعينون دائماً بمشاريع علمية في مشاريعكم.
- نعم، نحن نتعاون مع الكثير من العلماء. يضمّ فريقنا عالم صواريخ كان يعمل في «سبيس إكس»، ونحن حالياً ندرس فكرة تغيير اسم الشركة من «مجموعة بياركه إنغلز - بيغ» إلى «بيغ ليب». تمثّل كلمة «ليب - LEAP» باللغة الإنجليزية اختصاراً لتعبير «Landscape, Engineering, Architecture and Production»، أي «مشهد، هندسة، عمارة، وإنتاج»، إذ تضمّ شركتنا حالياً مهندسين معماريين للمشهد، ومهندسين ميكانيكيين، ومهندسين هيكليين، ومهندسين بيئيين، وخبراء في زراعة البساتين، ومصممي إنتاج، ومتعاقدين. لتحقيق نجاح حقيقي في العمل كشركة مبدعة اليوم، عليك الانخراط في قلب المنظمة التي تعمل ضمنها وفي كلّ المهارات المتوفّرة فيها.
- المعمار والبيئة
> هل ينطوي عالم الهندسة المعمارية على ضوابط معيّنة؟ وما الذي يجعلكم مهتمين بوضع تصميم للكوكب بالكامل؟
- أعتقد أنّ انحصار النقاش الدائم حول الانهيار المناخي بإعلانات النيات والآراء هو أمر مثير للاهتمام. نحن أمام الكثير من التحذيرات الملحّة ولكننا نفتقر إلى الحلول أو عناصر التحرّك الفعالة والمحددة. وهذا بالطبع، لأن كوكبنا هو عبارة عن كيان واسع يشبه هدفاً هائل الحجم لا يمكن فهمه بشكل تام. دائماً ما أفكّر بعمق «تأثير الرؤية من الأعلى» على رواد الفضاء عندما ينظرون إلى الأرض... لا شكّ أنه يحدث تحول إدراكي في أنفسهم.
أعتقد أنّ هذا الأمر يتغيّر، إذ توجد اليوم شركات كـ«بلانيت» المتخصصة في التقاط صور يومية لجميع أنحاء الكرة الأرضية عبر الأقمار الصناعية، ما يعني أننا نملك معلومات عالية الدقّة لجميع أنواع الصور وليس فقط للأطياف المرئية، بل أيضاً للتدفقات والنشاط الحراري وأشياء أخرى. أظنّ أننا اليوم في زمن نملك فيه الفكر والأدوات والتقنية لابتكار خريطة شاملة ومتعددة الأوجه وقابلة للتطبيق للكوكب تتيح لنا رؤية الأرض كهدف للتصميم. أعتقد أنّ وضع خريطة كبيرة وشاملة لكوكب الأرض هو من الأمور التي أريد حقّاً أن أخصص لها جهوداً حقيقية في السنوات القليلة المقبلة. فكما يمكن للمهندس أن يضع خطة لبناء ما أو لحي أو مدينة أو بلد، يمكنه أن يفعل ذلك للكوكب أيضاً. يمكننا تحقيق هذا الهدف بطريقة بسيطة ومقبولة، حتى نتمكّن من البدء بالتوافق على مقاربة كاملة.
- «كوارتز»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية
TT

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«جراح آلي» بذكاء اصطناعي دُرّب على مشاهدة فيديوهات طبية

«تخيل أنك بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في غضون بضع دقائق لأنك قد لا تنجو... لا يوجد جراحون في الجوار ولكن يوجد روبوت جراحي مستقل متاح يمكنه إجراء هذا الإجراء باحتمالية عالية جداً للنجاح، هل ستغتنم الفرصة؟» هذا ما أجابني به طالب ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز عبر البريد الإلكتروني، لدى سؤالي عن التطوير الجديد.

تعليم الروبوت بمقاطع فيديو للجراحة

لأول مرة في التاريخ، تمكن كيم وزملاؤه من تعليم الذكاء الاصطناعي استخدام آلة جراحة آلية لأداء مهام جراحية دقيقة، من خلال جعلها تشاهد آلاف الساعات من الإجراءات الفعلية التي تحدث في ردهات جراحية حقيقية. ويقول فريق البحث إنه تطور رائد يتجاوز حدوداً طبية محددة ويفتح الطريق لعصر جديد في الرعاية الصحية.

وفقاً لورقتهم البحثية المنشورة حديثاً، يقول الباحثون إن الذكاء الاصطناعي تمكن من تحقيق مستوى أداء مماثل لجراحي البشر دون برمجة مسبقة.

جراحة بتوظيف الروبوت

تدريب على العروض بدلاً من البرمجة

وبدلاً من محاولة برمجة الروبوت بشق الأنفس للعمل -وهو ما تقول ورقة البحث إنه فشل دائماً في الماضي- قاموا بتدريب هذا الذكاء الاصطناعي من خلال شيء يسمى التعلم بالتقليد، وهو فرع من الذكاء الاصطناعي حيث تراقب الآلة وتكرر الأفعال البشرية. سمح هذا للذكاء الاصطناعي بتعلم التسلسلات المعقدة للأفعال المطلوبة لإكمال المهام الجراحية عن طريق تقسيمها إلى مكونات حركية. وتترجم هذه المكونات إلى أفعال أبسط -مثل زوايا المفاصل ومواضعها ومساراتها- والتي يسهل فهمها وتكرارها وتكييفها أثناء الجراحة.

توظيف روبوت «دافنشي» للتدريب

استخدم كيم وزملاؤه نظام دافنشي الجراحي كأيدٍ وعيون لهذا الذكاء الاصطناعي. ولكن قبل استخدام المنصة الروبوتية الراسخة (التي يستخدمها الجراحون حالياً لإجراء عمليات دقيقة محلياً وعن بُعد) لإثبات نجاح الذكاء الاصطناعي الجديد، قاموا أيضاً بتشغيل محاكاة افتراضية. وقد سمح هذا بتكرار أسرع وتحقق من السلامة قبل تطبيق الإجراءات التي تم تعلمها على الأجهزة الفعلية.

«كل ما نحتاجه هو إدخال الصورة، ثم يجد نظام الذكاء الاصطناعي هذا الإجراء الصحيح»، كما يقول كيم. كانت روبوتات دافنشي أيضاً مصدر مقاطع الفيديو التي حللها الذكاء الاصطناعي، باستخدام أكثر من 10000 تسجيل تم التقاطها بواسطة كاميرات المعصم أثناء العمليات الجراحية التي يقودها الإنسان.

تعلّم 3 مهام جراحية

وكان الهدف تعلم ثلاث مهام جراحية: التعامل مع إبرة جراحية وتحديد موضعها، ورفع الأنسجة والتلاعب بها بعناية، والخياطة -كلها مهام معقدة تتطلب تحكماً دقيقاً وحساساً للغاية.

مكنت مجموعة البيانات واسعة النطاق هذه الذكاء الاصطناعي من تعلم الاختلافات الدقيقة بين الإجراءات الجراحية المتشابهة، مثل شدة التوتر المناسب اللازم للتعامل مع الأنسجة دون التسبب في ضرر.

تعد مقاطع الفيديو التدريبية هذه جزءاً صغيراً جداً من مستودع واسع النطاق للبيانات الجراحية. مع ما يقرب من 7000 روبوت دافنشي قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم، هناك مكتبة ضخمة من العروض الجراحية للمراقبة والتعلم منها، والتي يستخدمها فريق البحث الآن لتوسيع ذخيرة الذكاء الاصطناعي الجراحية لدراسة جديدة لم تُنشر بعد.

«في عملنا المتابع، والذي سنصدره قريباً، ندرس ما إذا كانت هذه النماذج يمكن أن تعمل في الإجراءات الجراحية طويلة المدى التي تنطوي على هياكل تشريحية غير مرئية»، يكتب كيم، في إشارة إلى الإجراءات الجراحية المعقدة التي تتطلب التكيف مع حالة المريض في أي وقت معين، مثل إجراء عملية جراحية على جرح داخلي خطير.

التحقق من صحة النموذج المطور

أثناء التطوير، عمل الفريق عن كثب مع الجراحين الممارسين لتقييم أداء النموذج وتقديم ملاحظات حاسمة (خاصة فيما يتعلق بالتعامل الدقيق مع الأنسجة)، والتي قام الروبوت بدمجها في عملية التعلم الخاصة به.

أخيراً، للتحقق من صحة النموذج، استخدموا مجموعة بيانات منفصلة غير مدرجة في التدريب الأولي لإنشاء محاكاة افتراضية، ما يضمن قدرة الذكاء الاصطناعي على التكيف مع السيناريوهات الجراحية الجديدة وغير المرئية قبل الشروع في اختبارها في الإجراءات المادية. أكد هذا التحقق المتبادل قدرة الروبوت على التعميم بدلاً من مجرد حفظ الإجراءات، وهو أمر بالغ الأهمية بالطبع نظراً للعدد المجهول المحتمل الذي قد ينشأ في غرفة العمليات.

جراح آلي «ذو خبرة»

كل شيء سار بشكل جميل إذ تعلم نموذج الروبوت هذه المهام إلى مستوى الجراحين ذوي الخبرة. يقول أكسل كريغر، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان عبر البريد الإلكتروني: «إنه لأمر سحري حقاً أن يكون لدينا هذا النموذج حيث كل ما نقوم به هو تلقيمه مدخلات الكاميرا، ويمكنه التنبؤ بالحركات الروبوتية اللازمة للجراحة». «نعتقد أن هذا يمثل خطوة مهمة إلى الأمام نحو أفق جديد في مجال الروبوتات الطبية».

تطوير رائد

إن أحد مفاتيح هذا النجاح هو استخدام الحركات النسبية بدلاً من التعليمات المطلقة. ففي نظام دافنشي قد لا تنتهي الأذرع الآلية إلى حيث هي مقصودة تماماً بسبب التناقضات الطفيفة في حركة المفصل التي تتراكم على مدار عدة حركات ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى أخطاء كبيرة -خاصة في بيئة حساسة مثل الجراحة. كان على الفريق إيجاد حل، لذا بدلاً من الاعتماد على هذه القياسات، قام بتدريب النموذج على التحرك بناءً على ما يلاحظه في الوقت الفعلي أثناء إجراء العملية.

لكن الابتكار الرئيسي هنا هو أن التعلم بالتقليد يزيل الحاجة إلى البرمجة اليدوية للحركات الفردية. قبل هذا الاختراق، كانت برمجة الروبوت للخياطة تتطلب ترميزاً يدوياً لكل حركة بالتفصيل. يقول كيم إن هذه الطريقة كانت أيضاً عرضة للخطأ وتشكل قيداً رئيسياً في تقدم الجراحة الروبوتية. إذ إنها حدت مما يمكن للروبوت فعله بسبب جهود التطوير، والافتقار إلى المرونة التي جعلت من الصعب للغاية على الروبوتات القيام بمهام جديدة.

ومع ذلك، يسمح التعلم بالتقليد للروبوت بالتكيف بسرعة مع أي شيء يمكن مشاهدته، والتعلم على غرار طالب الجراحة. «(نحن) نحتاج فقط إلى جمع بيانات التعلم التقليدي لإجراءات مختلفة، ويمكننا تدريب الروبوت على تعلمها في غضون يومين»، كما يقول كريغر. «هذا يسمح لنا بالتعجيل نحو هدف الاستقلالية مع تقليل الأخطاء الطبية وتحقيق جراحة أكثر دقة».

تقييم مدى النجاح

لقياس مدى نجاح الذكاء الاصطناعي، حدد الباحثون مقاييس الأداء الرئيسية، مثل الدقة في وضع الإبرة والاتساق في التلاعب بالأنسجة باستخدام مجموعة من البيئات الجراحية الوهمية المادية، والتي تضمنت محاكيات الأنسجة الاصطناعية والدمى الجراحية. وكانت النتائج مذهلة. يقول كريغر: «النموذج جيد جداً في تعلم الأشياء التي لم نعلمه إياها. على سبيل المثال، إذا أسقط الإبرة، فسوف يلتقطها تلقائياً ويستمر».

لا تعد هذه القدرة على التكيف مهمة فقط لمواصلة تعلم مهارات جديدة ولكنها أيضاً ضرورية للتعامل مع الأحداث غير المتوقعة في الجراحات الحية، مثل تمزق الشريان أو تغير العلامات الحيوية للمريض فجأة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر النموذج كفاءة زمنية محسنة، ما أدى إلى تقليل وقت الانتهاء للمهام الجراحية القياسية مثل الخياطة بنحو 30 في المائة، وهو أمر واعد بشكل خاص للعمليات الحرجة من حيث الوقت.

ويتصور العلماء سيناريو حيث تساعد هذه الروبوتات الجراحين في المواقف عالية الضغط، وتعزيز قدراتهم وتقليل الخطأ البشري. سيؤثر جراحو الذكاء الاصطناعي المستقبليون بشكل كبير على توفر الرعاية الجراحية، مما يجعل التدخلات الطبية عالية الجودة متاحة لعدد أكبر.

اللوائح التنظيمية وأخلاقيات الطب

هناك أيضاً تحديات أخلاقية وتنظيمية يجب معالجتها قبل نشر مثل هذا الذكاء الاصطناعي في بيئات جراحية حقيقية دون إشراف بشري. فالقفزة نحو الروبوتات الجراحية المستقلة تثير مخاوف أخلاقية جديدة.

هناك قضية المساءلة: من سيكون مسؤولاً إذا حدثت مشكلة؟ الشركة التي صنعت الجراح الذكي؟ المهنيون الطبيون الذين يشرفون عليه (إذا كان هناك أي إشراف)؟ هناك أيضاً مسألة موافقة المريض، والتي ستتطلب تثقيف كل من الشخص الذي يخضع للجراحة والأشخاص المحيطين به حول ماهية هذا الذكاء الاصطناعي، وما الذي يمكنهم فعله بالضبط، وما هي المخاطر التي تشكلها الروبوتات مقارنة بالجراحين البشر.

يعترف كيم بأن المستقبل الآن في منطقة رمادية حيث يمكن للجميع مجرد التكهن بما يجب أن يحدث أو سيحدث. ستكون أيدي السلطات التنظيمية مشغولة، من معالجة المساءلة والمخاوف الأخلاقية عند السماح لجراحي الذكاء الاصطناعي بالعمل بشكل مستقل، إلى وضع معايير للحصول على موافقة مستنيرة من المرضى.

ولكن عند الاختيار بين إجراء عملية جراحية طارئة منقذة للحياة بواسطة جراح مستقل أو عدم تلقي العلاج لأن الجراح البشري غير متاح (مثلاً في مكان بعيد أو منطقة متخلفة)، يزعم كيم أن الخيار الأفضل واضح. يمكنني بسهولة أن أتخيل مستقبلاً قريباً حيث يبدأ الناس في اختيار روبوتات الذكاء الاصطناعي على نظرائهم من البشر - في ظل وجود دليل إحصائي على أن جراحي الذكاء الاصطناعي يعملون بأمان.

وبعيداً عن التحديات الأخلاقية والقانونية، هناك حاجة إلى المزيد من العمل لتمكين التنفيذ العملي. ستحتاج المستشفيات إلى الاستثمار في البنية الأساسية التي تدعم جراحة الروبوتات بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الأجهزة المادية والخبرة الفنية للتشغيل والصيانة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون تدريب الفرق الطبية على إدارة العملية أمراً بالغ الأهمية. فالأطباء سيحتاجون إلى فهم الآلة ومتى يكون التدخل ضرورياً، وفي النهاية تحويل الجراحين البشريين من المهام الجراحية المباشرة إلى أدوار تركز على الإشراف والسلامة.

جراحات بسيطة أولاً

على المستوى العملي، يتصور الباحثون تقدماً تدريجياً، بدءاً بجراحات أبسط وأقل خطورة مثل إصلاح الفتق والتقدم تدريجياً إلى عمليات أكثر تعقيداً. سيساعد النهج التدريجي في التحقق من موثوقية الروبوت مع معالجة المخاوف التنظيمية والأخلاقية بمرور الوقت، فضلاً عن مساعدة السكان على الثقة في الذكاء الاصطناعي لإجراء العمليات الحرجة للحياة.

يقول كريغر: «ما زلنا في المراحل الأولى من فهم ما يمكن أن تحققه هذه الآلات حقاً. الهدف النهائي هو الحصول على أنظمة جراحية مستقلة تماماً وموثوقة وقابلة للتكيف وقادرة على إجراء العمليات الجراحية التي تتطلب حالياً اختصاصياً مدرباً تدريباً عالياً».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً