أوربان يقود في شرق القارة تمرداً ضد الاتحاد الأوروبي

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان
TT

أوربان يقود في شرق القارة تمرداً ضد الاتحاد الأوروبي

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان

تتسع صفوف الكتلة «المتمردة» على الاتحاد الأوروبي في شرق القارة، وينضم إلى صفوفها رئيس وزراء الجمهورية التشيكية أندريه بابيس، فيما يظل عرابها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المنتقل إلى المسيحية الأوروبية بعد رحلة قادته من الليبرالية الديمقراطية إلى الشعبوية و«الديمقراطية غير الليبرالية».
آخر إنجازات هذه الكتلة، التي تضم رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيسكي، إلى جانب أوربان وبابيس، كان الحيلولة دون انتخاب السياسي الاشتراكي الهولندي فرانك تيمرمانس لمنصب رئيس المفوضية الأوروبية بسبب توجهه لمحاسبة الدول الأعضاء على انتهاكاتها لمواثيق الاتحاد. في المقابل، ساندت الحكومات الثلاث التي يسيطر اليمين المتطرف عليها المرشحة الألمانية أورسولا فون دير لاين التي تعهدت «بعدم تقسيم أوروبا»، في إشارة إلى أنها ستحافظ على الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن الاعتراضات على السياسات الداخلية لأعضائه. أوربان وبابيس اعتبرا موقف فون دير لاين، التي ستتسلم مهمات منصبها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تراجعاً عن طرح نقاش قضايا الهجرة على منبر الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتيح لتلك الحكومات الاستمرار في نهجها المعادي للأجانب المتشدد في رفض المهاجرين.
هذه القضية بمثابة عينة عن تمدد نفوذ قوى اليمين المتطرف الشعبوي في المؤسسات الأوروبية التي بكر أوربان في تحديها. فمنذ وصوله إلى السلطة، في انتصار تاريخي سنة 2010، بعد الفضيحة التي أطاحت بمصداقية الحزب الاشتراكي، لم يكن يقيم وزناً لـ«القيم الأوروبية»، ومنها فصل السلطات واحترام الحريات واستقلال الإعلام، وما شابه، لكنه في الوقت ذاته لم يكن يرغب في خسارة الفوائد الاقتصادية التي توفرها عضوية الاتحاد.
وتتعدد تفسيرات المسار نحو التطرف الذي ساره أوربان. فقد بدأ حياته السياسة أواخر الثمانينات، عندما كان طالباً في كلية الحقوق، ناشطاً ضد الحكم الشيوعي للمجر، وشارك في تأسيس «فيديز» أو «تحالف الشباب الديمقراطي» الذي اتخذ مواقف مؤيدة للديمقراطية، وللتوجه نحو الغرب الليبرالي. التحول نحو اليمين التقليدي وقع في التسعينات، عندما مني «فيديز» بهزيمة في انتخابات 1994. وبعد سنوات، انسحب من «الأممية الليبرالية»، وأعلن تبنيه خطاً منسجماً مع سياسات حزب «الشعوب» الأوروبي المحافظ.
منذ ذلك الحين، تصاعدت ميول أوربان اليمينية المتشددة، من خلال تأكيده على رفض سياسات الهجرة إلى أوروبا، ثم عبر تفكيكه للقضاء، وتعيين موالين له في المناصب المهمة في كل الهيئات القضائية، ثم في استيلاء حلفائه على وسائل الإعلام الرئيسية، وإخضاعها لإشراف مباشر من مؤيدي «فيديز». مضمون المواقف المناهضة للأجانب تجسد في حملة قاسية على البليونير اليهودي الأميركي (من أصل مجري) جورج سوروس الذي صاغ أوربان حوله وحول نشاط المنظمة غير الحكومية التابعة له «المجتمع المفتوح» نظرية تآمرية تقول بانغماس سوروس ومنظمته في مخطط لتهجير المجريين من بلادهم، وجلب مستوطنين مسلمين من الشرق الأوسط للحلول مكانهم. واتخذت هذه الحملة بعداً معادياً للسامية، واتسعت خصوصاً عندما أضاف «فيديز» إلى قائمة أهدافه الفيلسوفة اليهودية أغنيس هيللر التي توفيت في التاسع عشر من الشهر الحالي، والتي لم تبخل بالانتقادات الموجهة لأوربان وحكومته وسياسته. وقد أثارت هذه الحملة احتجاج السفير الإسرائيلي في بودابست، الذي وجه احتجاجاً شديد اللهجة ضدها، بيد أن المفاجأة كانت عندما تدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدفاع عن أوربان الذي زار إسرائيل في وقت لاحق، ما اعتبر علامة إضافية على تعاضد مجموعة «الرجال الأقوياء»، التي تشمل رؤساء من قارات ومن مشارب مختلفة، لكنها تتبنى نهج اليمين المتطرف والشعبوية، وتضم أشخاصاً مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والتي انضم إليها أخيراً رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
ومن أبرز الأسباب التي حملت أوربان على التبدلات المذكورة ما يحكى عن ولعه بالسلطة ورموزها، واستعداده للسير في أي مسار آيديولوجي، إذا كان ذلك يؤمن له البقاء في الحكم. ومنحه الامتيازات المالية لأصدقائه وأقاربه، وتعزيز مواقع الموالين الشخصيين له، أمور تؤيد هذا التفسير. وقبل أيام، نشرت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية تحقيقاً عن استخدام أوربان للتدين المسيحي وسيلة لتعزيز قبضته على السلطة. وبحسب عدد من المشاركين في التحقيق، ترجع كل المشكلات الحالية في أوروبا إلى تجاهلها أصولها المسيحية، وقبولها بهوية تتعارض مع إيمانها المسيحي الأصيل الحقيقي. ويتجسد هذا الإيمان، بحسب «فيديز»، بتعزيز قيم العائلة، ورفع نسبة المواليد، ومقاطعة الأفكار الغريبة. لكن تحقيق «الأوبزرفر» يلاحظ أن «القيم المسيحية» التي تزعم حكومة أوربان تبنيها لم تمنع البرلمان من تجريم التشرد، ومنع تزويد مخيمات طالبي اللجوء والمهاجرين بالغذاء، وهو ما اعتبرت إحدى منظمات حقوق الإنسان (لجنة هلسنكي المجرية) أنه «انتهاك غير مسبوق في أوروبا في القرن الحادي والعشرين».



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم