يبدو التوسع العمراني في مدينة موسكو مثل «وحش» ضخم لا يرحم، يستعد لالتهام آخر قرية عمرها عدة قرون، ولا تزال موجودة حتى يومنا هذا داخل حدود العاصمة الروسية، على أطراف أضخم مجمع «أعمال وبيزنس» في مركزها، المعروف باسم «موسكو سيتي».
هناك، على بقعة خضراء بالقرب من ناطحات سحاب، يضطر المرء لرفع رأسه مطولاً قبل أن يدرك نظره طوابقها الأخيرة، وعلى بعد أقل من 10 كم عن الكرملين، تنتشر مجموعة من المنازل القروية القديمة، في قرية اسمها تيريخوفو. تائهة في التاريخ. يجهل وجودها كثير من أبناء المدينة، حتى من سكان المناطق المجاورة لها. وربما سمعوا باسمها أول مرة في هذه الأيام من أخبار تحدثت عن مصير مجهول للقرية وقاطنيها، بعد أن قررت بلدية موسكو إزالة القرية، ضمن مشروع توسعة عقد المواصلات في المدينة العملاقة.
يوجد في قرية تيريخوفو حالياً 24 منزلاً، يعيش فيها أقل من 90 نسمة. تقول مصادر تاريخية إن هذه القرية، التي ستبتلعها قريباً حاجة المدينة للتوسع، ظهرت في المنطقة حتى قبل تأسيس مدينة موسكو، ويعيش فيها خلف الروس الذين عاصروا حقبة حكم إيفان الرهيب، الذي توج أول قيصر لروسيا عام 1547. أي أن تاريخ ظهور القرية في هذه المنطقة وفق تلك المصادر يزيد على 500 عام. وتقول مصادر أخرى إن القرية ظهرت في منتصف القرن 17، أو على الأقل ظهر اسمها أول مرة في مؤلفات تاريخية تعود إلى تلك الحقبة.
سكان تيريخوفو وحدهم بين سكان العاصمة الروسية يحملون عنوان إقامة غريب «موسكو - قرية تيريخوفو»، إذ نادراً ما يصادف وجود قرية في مدينة، لا سيما عندما يدور الحديث عن مركز ضخم مثل موسكو. ومع وجودها في قلب المدينة، فإن الحياة فيها لا تختلف عن الحياة في القرى النائية، إذ تصبح شوارعها موحلة بعد تساقط الأمطار، لأن معظمها ترابي حتى الآن. وفي الصباح المبكر يُسمع فيها صياح الديكة، يعمل سكانها في الزراعة، وتربية ما تبقى لهم من مواشٍ. قرية نائية حقيقية، لكن في مركز موسكو، ربما التغيرات الوحيدة التي يمكن ملاحظتها وترتبط بالتطور في المدينة، هي انتشار أجهزة الكومبيوتر في منازلها، واللواقط (الصحون) التلفزيونية على أسطح منازلها. سوى ذلك هي تحصل حتى الآن على الماء من الآبار، وتنتشر فيها مضخات ماء يدوية معدنية قديمة. لم يصل الغاز إلى منازلها، ويستخدم سكانها الأخشاب والفحم للتدفئة. تنتشر في شوارعها التي لا تحمل أسماء عربات تجرها الخيول. ويعيش سكانها منذ سنوات بعيدة «على الحقائب»، لأنهم يستعدون دوماً لترحيلهم، ضمن مشروعات توسعة عمرانية يُعلن عنها من حين لآخر.
يُقال إن تيريخوفو كادت تذهب «ضحية» التنافس الأميركي - السوفياتي، وذلك عندما قرر الزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف إزالتها لبناء حديقة مكانها تشبه، وتنافس في الوقت ذاته، حدائق «ديزني لاند». وحاول الأكاديمي السوفياتي، المهندس والنحات زوراب تسيراتيلي تنفيذ فكرة خروشوف. إلا أن أسباباً حالت دون تنفيذ المشروع حينها ساعدت القرية على البقاء. والآن يبدو أن مصيرها حسمته خطط توسيع عقد النقل والمواصلات التي وضعتها بلدية موسكو، وفي موقع القرية يفترض أن تظهر خلال السنوات المقبلة واحدة من عقد المواصلات تلك، التي باتت ضرورية للمدينة. ويحاول أبناء القرية حالياً الحصول من سلطات المدينة على سكن بديل، ذلك أن بعضهم يواجه صعوبة في هذا الشأن، نتيجة بعض العقبات البيروقراطية المتصلة بقانون الإقامات وقوانين الملكية.
«وحش» التمدن يبتلع قرى موسكو الأخيرة بعد 500 عام على صمودها
تيريخوفو... تأسست في عهد إيفان الرهيب وكاد خروشوف يزيلها لبناء حديقة

يحصل سكان قرية تيريخوفو وسط موسكو على الماء من الآبار كأنهم في قرية نائية في سيبيريا
«وحش» التمدن يبتلع قرى موسكو الأخيرة بعد 500 عام على صمودها

يحصل سكان قرية تيريخوفو وسط موسكو على الماء من الآبار كأنهم في قرية نائية في سيبيريا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة