استفاقت إيطاليا، أمس (الجمعة)، على أنباء وإشاعات متضاربة حول استقالة رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي في ذروة احتدام الخلافات والمواجهات داخل الحكومة حول معظم الملفات الرئيسية في العقد الموقع بين «حركة النجوم الخمس» و«حزب الرابطة» لتشكيل الحكومة الائتلافية. لكن بعد ساعات من ظهور هذه الإشاعات، التي تداولتها معظم وسائل الإعلام الإيطالية، مع التحفظ بشأن تأكيدها، كان كونتي ما زال يمارس مهامه من مقر رئاسة الحكومة في وسط روما، لكن من غير أن يصدر عنه، أو عن مقربين منه، أي تكذيب أو تأكيد لما أشيع عن استقالته.
بعض الجهات تؤكد أن كونتي أبلغ رئيس الجمهورية سرجيو ماتاريلا «عزمه» أو «رغبته» في الاستقالة بعد أن «بلغت الخلافات بين الحلفاء درجة أصبحت تعيق عمل الحكومة بشكل طبيعي». وتذهب جهات أخرى حد التأكيد أن كونتي سلّم ماتاريلا كتاب استقالته، لكن رئيس الجمهورية طلب منه التريث «حتى إنجاز قانون الموازنة» الذي أصبح أيضاً من النقاط الخلافية الأساسية بين «النجوم الخمس» و«الرابطة».
وتأتي هذه التكهنات في الوقت الذي لم يعد يشكّ أحد في أن أيام الحكومة الإيطالية أصبحت معدودة، باستقالة كونتي أو من دونها.
وكان زعيم «الرابطة» ووزير الداخلية ماتيو سالفيني قد هدد، أول من أمس (الخميس)، بحسم الخلاف الذي يتصاعد بينه وبين وزير الاقتصاد جيوفاني تريا على طريقة «هو أو أنا»، بعد أن رفض هذا الأخير مطلب سالفيني بالموافقة على تطبيق اقتراح «الضريبة المقطوعة» الذي كان أحد الوعود الرئيسية في حملة «الرابطة» الانتخابية، الذي يؤكد وزير الداخلية أنه من بنود العقد الموقَّع مع النجوم الخمس لتشكيل الحكومة الائتلافية.
ويبني وزير الاقتصاد معارضته لهذا الاقتراح، في المرحلة الراهنة، على أساس أن هذه الضريبة ستؤدي إلى خفض عائدات الخزينة، وبالتالي إلى زيادة العجز العام الذي يهدد بانفجار أزمة مالية واقتصادية خطيرة في إيطاليا.
أما سالفيني، من جهته، فهو يؤكد أن الاقتصاد الإيطالي بحاجة إلى «صدمة ضريبية» هي الوحيدة القادرة على إخراجه من ركوده الطويل. وقد أعلن زعيم «حركة النجوم الخمس» ووزير العمل والتنمية لويجي دي مايو تأييده لوزير الاقتصاد، مشيراً إلى أن هذه الضريبة «لغز لا نعرف سره بعد، ولا نعرف من أين سنغطيه في الموازنة».
أما المفوضية الأوروبية فقد حذرت من أن الاستمرار في اتخاذ تدابير اقتصادية من غير تأمين العائدات الكافية لتغطيتها، من شأنه أن يؤدي إلى أزمة كتلك التي واجهتها اليونان في السنوات الماضية.
ودعا رئيس الجمهورية سرجيو ماتاريلا طرفي الائتلاف الحاكم إلى الكف عن المشاحنات والخلافات، محذراً من تعميق العزلة الإيطالية في أوروبا. وذكّر بأن رسم السياسات يعود للأحزاب، لكن «موقع رئاسة الجمهورية يبقى هو الحَكَم والضامن لاستقرار البلاد ومصلحتها العليا».
وتأتي هذه التصريحات لماتاريلا في الوقت الذي لم يعد يشك أحد في أن أيام الحكومة الإيطالية أصبحت معدودة، باستقالة كونتي أو من دونها، فيما يرجح مراقبون أن زعيم «الرابطة» بات قاب قوسين من الإقدام على إسقاط الحكومة، والدفع باتجاه انتخابات مبكرة بات من المؤكد فوزه الكاسح فيها. وكان سالفيني قد حذر منذ يومين من أنه بدأ يواجه «صعوبة في تهدئة نواب (الرابطة) الذين يطالبون كل يوم بالذهاب إلى الانتخابات».
لكن يؤكد المحللون المخضرمون هنا أن سالفيني لن يقْدِم على هذه الخطوة بسهولة، وأنه سينتظر حتى اللحظة الأخيرة ولن يتخذ مثل هذا القرار إلا مضطراً. ويرى هؤلاء أن ثمة سببين لذلك: أولا، أن سالفيني لا يثق كثيراً باستطلاعات الرأي ويساوره شك متوطن في نصائح معاونيه وأنصاره، ويميل إلى اتخاذ قرارته منفرداً أو ضمن حلقة ضيقة جداً من المقربين. وثانياً، يعرف أن قرار حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات يعود لرئيس الجمهورية وحده، ويخشى بالتالي أن يبادر ماتاريلا، في حال سقوط الحكومة، إلى تكليف شخص آخر بتشكيل حكومة ائتلافية بين «حركة النجوم الخمس» و«الحزب الديمقراطي»، كما كانت رغبته بعد الانتخابات الأخيرة.
في غضون ذلك تقدم «الحزب الديمقراطي»، أمس (الجمعة)، بطلب رسمي لسحب الثقة الفردية من وزير الداخلية بسبب رفضه المثول أمام البرلمان للإفادة والإجابة عن أسئلة النواب حول المعلومات التي تتهم حزبه بالحصول على تمويل من روسيا.
أيام الحكومة الإيطالية معدودة... باستقالة كونتي أو من دونها
أيام الحكومة الإيطالية معدودة... باستقالة كونتي أو من دونها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة