إدوين آلدرين... الرجل «القمري» الثاني

عاش في ظل نيل آرمسترونغ لكنه عمّر ليشهد الذكرى الـ50

إدوين آلدرين... الرجل «القمري» الثاني
TT

إدوين آلدرين... الرجل «القمري» الثاني

إدوين آلدرين... الرجل «القمري» الثاني

احتفل العالم قبل أيام، بسير أول إنسان على سطح القمر.
في ذلك اليوم 20 يوليو (تموز) 1969 نزل رائد الفضاء الأميركي نيل آرمسترونغ من الكبسولة التي حملتها الرحلة «إيغل» ضمن مهمة «أبولو 11» لأداء الرحلة التاريخية حاملة رجلين، ثانيهما بجانب آرمسترونغ، إدوين «باز» آلدرين.
في ذلك اليوم خطي آرمسترونغ بأول خطوة على سطح القمر وأطلق كلماته الشهيرة «هذه خطوة صغيرة بالنسبة لرجل، لكنها قفزة عملاقة للبشرية». غير أن رائد الفضاء الذي دخل تاريخ البشرية والعلوم على حد سواء، لم يعشْ ليرى الذكرى السنوية الخمسين لإنجازه لأنه توفي يوم 25 أغسطس (آب) عام 2012 عن عمر ناهز الـ82 سنة. غير أن زميله آلدرين، الذي غدا خلال 19 دقيقة ثاني إنسان يسير على سطح القمر، ما زال حياً يرزق وهو اليوم في سن الـ89. كذلك ما زال حياً زميلهما الثالث مايكل كولينز الذي لم يقع الخيار عليه للانضمام إليهما، بل بقي بانتظار عودتهما إلى المركبة الفضائية التي أقلت الثلاثة في رحلة العودة.
دقت الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش، يوم 20 يوليو (تموز) 1969. عندما وطئت قدما نيل آرمسترونغ، رائد الفضاء الأميركي، سطح القمر. وكانت أول رسالة تلقاها مركز الفضاء في هيوستن بولاية تكساس هيوستن من قائد الرحلة «أبولو 11» آرمسترونغ، من على سطح القمر، كلمات قليلة هي «هيوستن، هنا قاعدة الهدوء. لقد هبطت إيغل (اسم المركبة)». وجاء الرد من تشارلي ديوك، من غرفة التحكم في هيوستن «صحيح، الهدوء، نحن نسمعك على الأرض. لديك حفنة من الرجال كادوا أن يصبحوا زرق الوجوه. إننا نتنفّس مرة أخرى».
كما سبقت الإشارة، كان آلدرين، ثاني شخص يمشي على سطح القمر، وهو الذي قال مذكّراً بأهمية الفوز في سباق الفضاء على المنافس العنيد الاتحاد السوفياتي «اليوم، وجدت أميركا للسؤال الكبير نهايته: لقد وصلنا إلى هناك أولاً. لقد هبطنا على القمر مع 250 مليون أميركي يراقبون ظهورنا. الحقيقة هي أن المهمة تخصهم جميعاً، وللأجيال القادمة من الأميركيين الذين يحلمون بالوصول إلى القمر مرة أخرى».
وفي الواقع، لم تكن مهمة «أبولو 11» مجرد إنجاز هائل للولايات المتحدة، بل كانت أفضل إنجاز علمي وتقني من نوعه للبشرية. ولا يزال الأمر كذلك حتى بعد خمسين سنة من إتمام المهمة. بالنسبة للمستقبل المنظور، قد لا يتفوق على هذا الإنجاز أي شيء بغض النظر عن كيفية تحقيق هذا الهدف، ربما باستثناء علاج السرطان والإيدز التغلب على ظاهرة الانحباس الحراري التي تهدد الحياة على كوكب الأرض.
أما بالنسبة للشعب الأميركي والحكومة الأميركية، وبالذات إبان عهد الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون - أحد أبرز «صقور» حقبة الحرب الباردة - فكانت مهمة «أبولو 11» إعلانا بالانتصار في الحرب والتفوق على الاتحاد السوفياتي العدو الأكبر للولايات المتحدة.
لقد كانت مهمة «أبولو» مستوحاة في الأصل من المنافسة والصراع الآيديولوجي الشديد بين واشنطن وموسكو إبان الحرب الباردة، التي انتهت فعليا عام 1991 بانتصار أميركي حققه، مثل نيكسون، رئيس جمهوري آخر ومن ولاية كاليفورنيا أيضاً... اسمه رونالد ريغان.
لقد كانت كل من الدولتين العملاقتين تسعى لفرض هيمنتها وإثبات تفوقها في العديد من المجالات، كما كانت تحرص على تصدير آيديولوجيتها ونظريتها الاقتصادية ومفاهيمها الاجتماعية، وكان السلاح والتقدم التكنولوجي جزءاً من الصراع الكبير.
وبالفعل حققت المهمة هدفها، بعد أن أظهرت الصور التي تم بثها في جميع أنحاء العالم العلم الأميركي على سطح القمر. فقد أثبتت الولايات المتحدة تفوقها التكنولوجي والاقتصادي والعسكري في آن واحد. وتمكنت، بشكل أو بآخر، من ردع السوفيات. وتمكنت واشنطن أيضا من تحقيق انتصار كبير في الحرب النفسية بينها وبين الاتحاد السوفياتي.

سيرة شخصية
ولد إدوين آلدرين، الملقب بـ«باز» يوم 20 يناير (كانون الثاني) من عام 1930. في منطقة غلين ريدج بولاية نيو جيرسي المتاخمة لمدينة نيويورك. درس وتخرج بتفوق في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت (ولاية نيويورك)، بدرجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، وكان من بين رواد الفضاء الأولين في وكالة الفضاء والطيران الأميركية «ناسا» الذين اختيروا وانتظموا بهم في برنامج الفضاء الحديث.
ولكن قبل أن يخوض غمار الفضاء، ألحق آلدرين إبان فترة خدمته العسكرية، بسلاح الجو الأميركي كطيار حربي الجناح 51 للقوات المسلحة، وبالفعل نفذ 66 مهمة قتالية إبان الحرب الكورية (1950 – 1953). ويسجل له أنه أسقط طائرتين مقاتلتين روسيتي الصنع من طراز «ميغ 15».
وبعد الحرب الكورية، عاد آلدرين إلى العالم الأكاديمي لفترة غير طويلة، فالتحق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) الذي يعد أحد أرقى وأعظم الجامعات في العالم، وحاز في العام 1963 من الـ«إم آي تي» على درجة الدكتوراه في العلوم، متخصصاً في علوم الطيران والملاحة الفضائية. أما موضوع أطروحته فكان «تقنيات توجيه خط البصر للقاء المداري المأهول» ودراسة تقريب المركبات الفضائية المأهولة مع بعضها البعض.
ساعدت آلدرين دراسته التخصّصية المتقدمة للالتقاء به على الانضمام إلى برنامج الفضاء بعد فترة وجيزة من التخرج. وبالتالي، كان في عام 1963 واحداً من مجموعة ثالثة من الرجال الذين اختارتهم وكالة «ناسا» للمشاركة في برامج الطيران الفضائي. وجرى في حينه تكليف آلدرين بإنشاء تقنيات الالتحام والالتقاء للمركبات الفضائية. كما أنه كان في تلك الفترة رائد تقنيات التدريب تحت الماء، لمحاكاة الطيران في الحالات التي تنعدم فيها الجاذبية.

غزو الفضاء... وموعد مع التاريخ
وفي العام 1966. قام آلدرين بأول مهمة فضائية له، وذلك في أعقاب اختياره وزميله رائد الفضاء جيم لوفيل في مهمة «جيميني 12» الفضائية. وخلال رحلة «جيميني 12» التي امتدت بين 11 و15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1966، قام آلدرين بالسباحة لمدة تزيد على 5 ساعات في الفضاء.
بعد ذلك، في 20 يوليو 1969. انطلق آلدرين، مع زميليه نيل آرمسترونغ ومايكل كولينز في «أبولو 11» التي أدخلته التاريخ، وعبرها غدا ثاني إنسان تطأ قدماه سطح القمر، مع العلم أن الرائد الثالث بقي في المركبة الفضائية ولم يلحق بزميليه فوق القمر. وللعلم، أمضى آرمسترونغ وآلدرين 21 ساعة على سطح القمر، وعادا مع 46 رطلاً من صخور القمر كعينات لدراستها. واجتذبت المسيرة التي بثها التلفزيون الأميركي ومنه عبر العالم ما يقدر بنحو 600 مليون شخص لمشاهدتها، لتصبح أكبر مشاهدة تلفزيونية في العالم على مر التاريخ.

مرحلة التقاعد
في مارس (آذار) 1972. بعد 21 سنة أمضاها من الخدمة، تقاعد آلدرين من الخدمة الفعلية وعاد إلى القوات الجوية في دور إداري. ولقد اعترف في وقت لاحق في سيرته الذاتية لعام 1973 وعنوانها «العودة إلى الأرض»، أنه عانى من الاكتئاب وإدمان الكحول بعد سنواته مع «ناسا» والشهرة العالمية.
أيضاً، بعد الصراع مع الطلاق والمشاكل العائلية، تحول آلدرين إلى دراسة التطورات في تكنولوجيا الفضاء. إذ ابتكر نظاماً لمركبة فضاء للقيام بمهام إلى المريخ يُعرف باسم «آلدرين مارس سيكلر»، وتلقى ثلاث براءات اختراع أميركية عن مخططاته لمحطة فضائية معيارية وصواريخ «ستاربوستر» القابلة لإعادة الاستخدام، ووحدات متعددة الطاقم. أسس أيضاً مؤسسة غير ربحية تكرس جهودها لتطوير تعليم الفضاء واستكشافه وخبراته في الرحلات الفضائية بأسعار معقولة.
كتب آلدرين أيضاً العديد من الكتب. بالإضافة إلى سيرته الذاتية «العودة إلى الأرض»، كما كتب العديد من كتب الأطفال، بما في «رجال من الأرض» و«روايتي خيال علمي».



حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.