بعد ٥٠ سنة على الهبوط على سطح القمر... أميركا في حيرة بشأن مستقبل تفوقها

يأتي الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لمهمة «أبولو 11» وغزو القمر، في الوقت الذي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إنشاء قوة أميركية تختص بالفضاء، محل القوة الجوية الأميركية المختصة بسلاح الطيران.
إذ أصدرت إدارة ترمب يوم 19 فبراير (شباط) من العام الجاري مذكرة سياسية تدعو إلى إنشاء قوة فضائية تابعة لإدارة القوات الجوية. وهو ما أيده العديد من المشرّعين في الكونغرس، إلا أن تحقيق الفكرة ما يزال يواجه بعض العقبات، لا سيما أن الكونغرس لم يوافق بعد على الاقتراح التشريعي الذي قدمته وزارة الدفاع «البنتاغون» بهذا الشأن.

جدل بين القادة العسكريين
ويشير المتابعون في واشنطن إلى أن الجدل ما زال دائراً يدور بين القادة العسكريين حول مستقبل قوة الفضاء الأميركية وكيفية الحفاظ على الهيمنة الأميركية في هذا المجال. وعلى مدار العامين الماضيين، تكثف النقاش حول أفضل السبل لتنظيم أنشطة الفضاء العسكرية للولايات المتحدة. ويتوقع العديد من المسؤولين الأميركيين أن الفضاء سيكون جزءاً أساسيا من النزاعات المستقبلية على الأرض، لأن الدور الحاسم الذي تلعبه القدرات الفضائية مثل الاتصالات اللاسلكية والاستخبارات والملاحة في دعم العمليات العسكرية الأرضية لن ينمو إلا في ظل وبمواكبة تقدم علوم الفضاء. وستصبح القدرات الفضائية أهدافاً عسكرية على نحو متزايد وتخضع لمجموعة متنوعة من تهديدات الفضاء الخارجي.
وتدرك الولايات المتحدة حقيقة أن الفضاء سيكون مجالاً متنامياً للنشاط والصراع العسكري مع الدول الكبرى الأخرى... أهمها الصين والهند وروسيا. وتسعى الإدارة الأميركية راهناً، وبحرص، لوضع الهياكل التنظيمية لتلك الأنشطة بشكل صحيح حتى تكون مهيأة للمنافسة الشرسة مع هذه الدول.
وفي السياق نفسه، يرى البعض أن الحكمة التقليدية هي أن إعادة إحياء قيادة مقاتلة موحدة للفضاء، أي قيادة الفضاء الأميركية التي كانت موجودة في السابق بين العام 1985 والعام 2001. يعد قراراً صائباً، مع أن تقسيم الجهود الحالية على مستوى القوات الجوية والجيش والبحرية إلى قسم منفصل في إدارة الفضاء قد يسبب مشاكل كثيرة.
ولفهم ذلك، يرى المتابعون ضرورة إلقاء نظرة سريعة على كيفية تنظيم الجيش الأميركي. إذ يمكن القول بأن للجيش الأميركي هيكلين تنظيميين منفصلين: هيكل أول يتكون من الخدمات العسكرية (الجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية وخفر السواحل). ويتألف الهيكل الثاني من تنظيم الإمرة القتالية، التي تنقسم في الغالب إلى مناطق جغرافية (القيادة الأوروبية والقيادة الوسطى والقيادة الهندية للمحيط الهادئ والقيادة الشمالية والقيادة الجنوبية وقيادة أفريقيا)، وهذا، جنباً إلى جنب مع بعض الأوامر الخاصة مثل القيادة الاستراتيجية، وقيادة العمليات الخاصة، والقيادة السيبرانية، وقيادة النقل، وغيرها.
تعتبر القوات الجوية مسؤولة عن جميع مهام التشغيل والتدريب وتجهيز برامج الفضاء العسكرية الأميركية تقريباً، لكن هناك إحباطاً متزايدا من أن القوات الجوية لا تتحرك بسرعة كافية لمواجهة التهديدات الخارجية.
ولذلك يرى الفريق المؤيد لإنشاء وحدة الفضاء المنفصلة، أن نقل وظائف التشغيل والتدريب وتجهيز أنشطة الفضاء العسكرية إلى منظمة منفصلة أمر منطقي لمعالجة المشاكل الحالية. وفي رأي هذا الفريق أن ذلك سوف يوفر للجيش الأميركي القدرة على غرس جيل جديد من المتخصصين في مجال الفضاء الذين يفهمون الديناميات الفريدة للمجال الفضائي، وكيف يتلاءم مع النزاعات والنشاطات العسكرية في المستقبل.
على النقيض، يرى الفريق الآخر، أن إنشاء قيادة فضائية أميركية لتولي مهام تخطيط الفضاء ومكافحته، يمكن أن يؤدي إلى المزيد من التعقيدات ويزيد النفقات العامة للعمليات العسكرية المستقبلية. على سبيل المثال، إذا حدث نزاع في بحر الصين الجنوبي، فإن قائد القيادة الأميركية في المحيط الهادئ سيشرف على إدارة جميع العمليات العسكرية الأميركية.

تحديات عملانية
ومن ثم، إذا حدث – على سبيل المثال – أن القوات الأميركية القريبة من تايوان تعاني من تشويش كبير على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وقرر قائد قيادة منطقة المحيط الهادئ تحديد الإجراءات المضادة لاستخدامها، مثل زيادة قوة إشارات GPS العسكرية أو استخدام ضربة جوية لتدمير مصدر التشويش، فإن إضافة قائد من قيادة الفضاء الأميركية من فئة أربع نجوم في مثل هذا الموقف يجعل الأمر أكثر تعقيداً، لأنه قد يفترض أن يكون لديه قيادة تشغيلية على الموقف، بما أن التشويش هو هجوم في مجال الفضاء.
أضف إلى ما سبق، أن وحدة الفضاء المنفصلة سيكون لها خطط حرب خاصة بها، وعقيدة حول كيفية الاستجابة للوضع الذي قد يتعارض مع خطط القيادات الجغرافية الأخرى. ويرى عدد كبير من المؤيدين أن إعادة قيادة الفضاء ستعزز قدرة أميركا على خوض معارك مستقبلية في الفضاء نفسه وأهمية الفضاء باعتباره «الأرض العليا المطلقة»، بينما يبدو أقل اهتماماً بكيفية دعم القدرات الفضائية للقتال على الأرض.
من ناحية أخرى، إنشاء قوة فضائية أو سلاح فضائي مستقل يعد أمراً ضرورياً لتجديد قدرات الفضاء الأمني القومي الأميركي الحالية لمطابقة التغييرات في مجال الفضاء واحتياجات قيادة المقاتلين. كما أظهرت الأبحاث التي أجرتها مؤسسة «أمن العالم» أن قدرات الفضاء العكسي آخذة في الانتشار والقدرات الحالية للأمن القومي للولايات المتحدة ليست مؤهلة بشكل جيد للتعامل مع هذه التهديدات.
وتدرك الصين ذلك أيضا، كما يتضح من إنشائها أخيراً «قوة دعم استراتيجية» تدمج القدرات الفضائية والحرب الإلكترونية والفضاء الإلكتروني تحت قيادة عسكرية واحدة، والتي تشارك الآن في مناورات عسكرية.
وجهة نظر أميركية أخرى تقول، إنه بدلاً من الإسراع في استعادة قيادة الفضاء الأميركية، ينبغي أن يكون التركيز على زيادة عدد خبراء المجال الفضائي الذين يجري دمجهم في الأوامر القتالية الإقليمية الحالية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تم دمج عدد أقل من خبراء مجال الفضاء في الأوامر القتالية، وهو ما تسبب في نقص شديد في خبراء الفضاء في القيادات المركزية في الجيش الأميركي.