كثير من فناني العالم يشعرون بحالة من الانبهار تجاه الحضارة الفرعونية، والإسلامية، وقد غذى ذلك الإبهار فوز الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وأشعل رغبتهم في التعرف على مصر وثقافتها، والحياة فيها، ومن هؤلاء الفنانة السويسرية أنطونيا بيسيج، التي تزور القاهرة حالياً ضمن منحة 6 أشهر، بدعم من هيئة المدن السويسرية، لإنجاز مشروع فني استوحته من رواية «حضرة المحترم» التي ألّفها محفوظ عام 1975.
بيسيج التي أقامت 24 معرضاً فنياً، وعرضاً راقصاً، وعرضت لوحاتها في الشوارع لكي يراها أكبر عدد من الألمان والسويسريين، أرجعت حبها لمصر ومن ثمّ اهتمامها بالاستفادة بأدب محفوظ في عملها الفني لمرحلة سابقة من حياتها، حيث تعرفت على قناع «توت عنخ آمون» وهي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، وكانت تضع صورة له في غرفة نومها، فيما كان أبناء وبنات جيلها يحتفون بصور فريق البيتلز الإنجليزي الشهير خلال سبعينات القرن الماضي. راحت تفكر إذا كان القناع بمثل هذا الجمال، فما الذي سيكون عليه الرجال في الحضارة المصرية القديمة؟
وقالت بيسيج لـ«الشرق الأوسط» إنّ دراستها الفنية تركزت في جزء منها على الفنون الفرعونية خصوصاً التحنيط، واستغرقتها علاقة المصريين بثقافة الموت، وكيف يفكرون فيه بهذه الطريقة؟
كان عمرها لم يتجاوز العشرين، ولم تكن قادرة على تفسير ما ترى من ملاحظات كان مبعثها حالة الانبهار التي سيطرت عليها، وهي تكتشف حضارة المصريين، ورأت أفكار محفوظ المتناثرة في أدبه تجسيداً لكل ما شاهدته في منطقتي سقارة، والهرم، وغيرها من الآثار الفرعونية التي تحتفي بالموت وتزخر بالحياة في الوقت نفسه.
أشارت بيسيج إلى أنّ تعلمها العربية في ألمانيا تزامن مع قراءتها رواية «حضرة المحترم»، وبعدما فرغت من قراءتها رأت أنّ محفوظ يتحدث عنها، إنّها نفس الموظف «عثمان بيومي» بطل الرواية، الذي يظلّ يعمل سعياً وراء الترقية، ولا يصرف إلّا قليلاً لكي يضمن المستقبل ويتّقي هزاته واضطراباته، ويحرص على امتلاك الكثير من المال لكي يرتقي لطبقات أعلى في السلم الاجتماعي.
ولفتت بيسيج إلى أنّها توقفت أمام نظرة بطل الرواية للطموح والموت في واقع تدركه جيداً وتحيا ظروفاً تشبهه في بلادها حيث لا يوجد سوى عدد قليل من فناني ألمانيا يمكنهم العيش من الفن، وهو ما تشير إليه الإحصاءات التي يقدمها سنوياً اتحاد الفنانين التشكيليين في ألمانيا، ومفادها أنّ ما بين 2 و3% قادرون على التفرغ والعيش من مردود ما يقدمونه من أعمال تشكيلية، وهو ما يجعل الكثيرين يقومون بعمل إضافي دائماً لكي يؤمّنوا حاجاتهم الأساسية.
بيسيج تنفذ مشروعاً فنياً باستخدام ثلاثة مقاطع من رواية «حضرة المحترم»، الأول يعبّر عن الموت والفقر، والثاني عن الطموح، والثالث عن الوظيفة، يقرأها فنان مصري. وقد وقع اختيارها على الفنان التشكيلي أشرف إبراهيم لقراءة النصوص العربية، فيما تقرأ هي النص الألماني، وبين هذا وذاك تُعرض مقاطع فيديو، أحدها صوّرتها بيسيج في حديقة الأزهر، والثاني في مدينة الموتى، والثالث في مقهى بمنطقة خان الخليلي، وفي هذه المقاطع تظلّ حركة الكاميرا محدودة جداً، لتعبر عن الطابع الذي يعيشه عثمان، موظف نجيب محفوظ.
ولكن أول شيء قامت به بيسيج لتنفيذ عملها الفني فور وصولها إلى القاهرة، كان زيارة المتحف المصري، والتوجه مباشرةً إلى الموقع الذي توجد فيه آثار الملك الصغير «توت عنخ آمون»، وتابوته الذهبي؛ وأحزنها كثيراً أنّ هذا الملك المدهش مات صغيراً. كما زارت أيضاً الكثير من الآثار الإسلامية والمساجد في منطقة القاهرة الفاطمية، وحاولت الربط بينها وبين القديم الفرعوني، وتذكرت حديث محفوظ في روايته «حضرة المحترم» عن الموظف المصري، الذي وصفه بأنّه أقدم موظف في التاريخ، ولأنّها وجدت نفسها في مشاعر يومية هادرة، ورأت أنّها لا يمكن أن يسعفها الوقت لرسم كل هذا، قررت أن تكتب مذكراتها يومياً بلا توقف، مثل «عثمان بيومي» بطل محفوظ وروايته «حضرة المحترم».
ولفتت بيسيج إلى أنّ عملها الفني الذي استوحته من الرواية سيُعرض في مدينة سوك السويسرية، والعاصمة الألمانية برلين، وفي أماكن مفتوحة أسوةً بأعمالها التي قدّمتها من قبل، حتى يشاهدها أكبر عدد من الجمهور في البلدين.
فنانة سويسرية تحوّل رواية لنجيب محفوظ إلى عمل فني
بهرتها الحضارة المصرية وعشقت «توت عنخ آمون»
فنانة سويسرية تحوّل رواية لنجيب محفوظ إلى عمل فني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة