بروفايل: قائد السبسي... الزعيم الذي أثرى المشهد السياسي التونسي لـ70 عاماً

قائد السبسي (رويترز)
قائد السبسي (رويترز)
TT

بروفايل: قائد السبسي... الزعيم الذي أثرى المشهد السياسي التونسي لـ70 عاماً

قائد السبسي (رويترز)
قائد السبسي (رويترز)

الباجي قايد السبسي أو محمد الباجي، كما يحلو لبعض المقربين منه تسميته، سيبقى من بين السياسيين القلائل في العالم، الذين أثروا في شؤون الحكم والمعارضة، على حد سواء، لمدة قاربت نحو 70 عاماً كاملة، بدأت قبل استقلال تونس عن فرنسا في 1956. وأيضاً في عهد الرئيس الأول الحبيب بورقيبة (1956 - 1987)، والرئيس الثاني زين العابدين بن علي (1987 - 2011)، ثم بعد انتفاضة يناير (كانون الثاني) 2011. التي أدت إلى تغيير جوهري في النظام، ووصول المعارضين السابقين، بمن فيهم ممثلون عن الأحزاب اليسارية والإسلامية إلى السلطة. ولد محمد الباجي قائد السبسي في ضاحية سيدي بوسعيد السياحية (20 كلم شمالي العاصمة)، غير بعيد عن المبنى الذي اتخذه الحبيب بورقيبة قصراً لرئاسة الجمهورية قبل نحو 60 عاماً. لكن شاءت الأقدار أن يعود إليه في 31 من ديسمبر (كانون الأول) 2014 رئيساً منتخباً من الشعب، وذلك في أول انتخابات رئاسية تعددية شهد العالم بنزاهتها، وانتصر فيها آنذاك على رئيس المرحلة الانتقالية (2011 - 2014) الحقوقي المنصف المرزوقي، كما فاز فيها حزبه «نداء تونس» بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، مما سمح له بالتحكم في مقاليد السلطتين التنفيذية والبرلمانية طوال الأعوام الخمسة الماضية، رغم فوز حزب النهضة (إسلامي) بالمرتبة الثانية في تلك الانتخابات.

- سليل عائلات الأعيان
ولد محمد الباجي قائد السبسي عام 1926 لعائلة عثمانية، خدمت في القرن التاسع عشر داخل قصر ملوك تونس في باردو. وقد مكنه انتماؤه لعائلات الأعيان من تكوين ثقافة مخضرمة، مثل أغلب أبناء البورجوازية الصغيرة في العاصمة.وقد اعترف قائد السبسي في تصريحاته أنه حفظ بأمر من والدته التونسية ربع القرآن، ومجموعة كبيرة من النصوص الأدبية والشعرية بالعربية والفرنسية قبل ولوج المدرسة العصرية، التي كانت تدرس في نفس الوقت باللغتين العربية والفرنسية. وبعد ذلك أكمل دراسته الثانوية في معهد الصادقية بتونس العاصمة، فيما أنهى الجزء الثاني من الباكالوريا بمعهد ديجون في فرنسا سنة 1948. وبين عامي 1949 و1952 درس الحقوق في باريس، وفيها تعرف على زعيم الحزب الدستوري والحركة الوطنية الحبيب بورقيبة، وعلى عدد من الطلاب التونسيين، الذين تسلموا بعد الاستقلال مسؤوليات عليا في الدولة والحزب الحاكم، بينهم محمد المصمودي، وأحمد المستيري، والهادي البكوش.

- مسار سياسي حافل
في سنة 1952 بدأ الباجي قائد السبسي مسيرته المهنية والسياسية في تونس محامياً، وهو ما مكنه من الانخراط قبل 70 عاماً في الجدل بين الزعماء السياسيين والحقوقيين، وبين مؤيدي المشاركة في حكومات مؤقتة قبل الاستقلال وبعدها، أو البقاء في صفوف المعارضة. خلال هذه المرحلة تعرف قائد السبسي عن قرب على الأمين العام للحزب الدستوري والزعيم الثاني للحركة الوطنية صالح بن يوسف، وبدأ مسيرته المهنية محامياً طموحاً في مكتب صهره فتحي زهير، وظل مكتب الباجي قائد السبسي المحامي مفتوحاً حتى دخوله قصر قرطاج.
وخلال مساره المهني الحافل، عين قائد السبسي منذ حكومة الاستقلال الأولى في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي مديراً مركزياً في وزارة الداخلية، ثم عين في حقبة الستينات مديراً عاماً للأمن الوطني، قبل أن يصبح وزيراً للداخلية ثم وزيراً للدفاع. وقد مكنته هذه المسؤوليات الكبيرة من أن يكون من المقربين للرئيس الحبيب بورقيبة في معاركه مع معارضيه، المناصرين للأمين العام المنشق صالح بن يوسف، ثم مع العروبيين واليساريين. لكن بعد مؤتمر الحزب الحاكم عام 1971 انحاز قائد السبسي إلى المعارضين الليبيراليين لسياسات بورقيبة من داخل الحزب الحاكم.
لكن بورقيبة وصقور الحزب الموالين له طردوه مع بقية رموز المعارضة، بزعامة وزير العدل والداخلية السابق أحمد المستيري، فعاد إلى مكتب المحاماة، وساهم مع المنشقين عن الحزب أواخر السبعينات في تأسيس النواة الأولى للمعارضة الليبيرالية، ومنظمات حقوقية غير حكومية. غير أن بورقيبة أعاد قائد السبسي إلى الحكومة، وعينه وزيراً للخارجية في عهد رئيس الحكومة الليبرالي محمد مزالي ما بين 1981 و1986. وبعد تقلد مهام على رأس سفارات تونس في الخارج، عاد قائد السبسي إلى قيادة الحزب الحاكم في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، ثم عين رئيساً للبرلمان عامي 1991 و1992.
غير أن بن علي سرعان ما أبعده، مثلما أبعد غالبية رموز الدولة في عهد سلفه الحبيب بورقيبة، فعاد الباجي قائد السبسي إلى مكتب المحاماة مع شقيقه صلاح الدين قائد السبسي. لكنه احتفظ حتى 2003 بصفة عضو في اللجنة المركزية، أي القيادة الموسعة للحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي).

- من التقاعد إلى رئاسة البلاد
ظل الباجي قائد السبسي يسير مكتب المحاماة عن بعد بواسطة شقيقه وبعض شركائهما، ويقضي وقتاً طويلاً بين صالونات السياسيين ورجال الأعمال، بمن فيهم عدد من المعارضين والمغضوب عليهم من قبل الرئيس زين العابدين بن علي. وفي هذه الفترة كان قائد السبسي يلتقي كل يوم تقريباً أصدقاءه من رجال الأعمال والسياسيين السابقين، ومن بينهم الأشقاء كمال وصلاح الدين ورؤوف لطيف، الذين كانوا مقاولين ناجحين ومستثمرين بارزين في قطاع العقارات، ومن بين أكثر المقربين من قصر الرئاسة في قرطاج ما بين 1987 و1992. لكن بن علي أبعدهم بعد طلاقه من زوجته الأولى نعيمة الكافي، وإعلان زواجه من ليلى الطرابلسي، وذلك بسبب معارضتهم لهذه الخطوة. وفي عهد بن علي تعرض قائد السبسي لعدة مضايقات بسبب هذه الصداقات. لكنه حافظ عليها، خاصة أن مكتب كمال اللطيف، المقاول والمستشار السياسي غير الرسمي السابق لبن علي ورجالات الدولة كان مجاوراً لبيته في ضاحية سكرة (10 كلم غربي العاصمة).لكن بعد سقوط بن علي في يناير 2011، رد كمال اللطيف وإخوته والمقربون منه الجميل لقائد السبسي، وشكلوا مجموعة ضغط دعمت ترشيحه لرئاسة الحكومة الانتقالية عام 2011، ثم دعموا مشروعه الحزبي والسياسي، الذي أوصله إلى الحكم في نهاية 2014.

- تقييم أداء قائد السبسي
يختلف التونسيون في تقييم حصيلة الأعوام الخمسة لأداء الباجي قائد السبسي في قصر قرطاج وخارجه. لكن غالبية المراقبين من داخل منظومة الحكم والمعارضة، وبينهم عدد من الدبلوماسيين المعتمدين في تونس، يسجلون أن من بين نقاط قوة قائد السبسي نجاحه في التوفيق بين مواقفه الحداثية والعلمانية المعادية للتيارات الدينية والسياسية المتطرفة، وسياسة «التوافق» و«الوحدة الوطنية»، بما في ذلك مع من وصفهم منذ 2011 بالإسلاميين الذين تصالحوا مع قيم الديمقراطية والحداثة. في إشارة إلى التيار السائد في حركة النهضة.
وقد نظم قائد السبسي ومقربون منه اجتماعاً في صيف 2013 مع زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي وبعض رفاقه، أسفر عن موافقة الغنوشي على مغادرة السلطة، وتنظيم انتخابات جديدة تدعم خلالها حركته قائد السبسي في الرئاسيات، مقابل مشاركة رمزية في الحكومة وحضورها في البرلمان. وقد مكن هذا الخيار التوافقي تونس من تجنب سيناريوهات القطيعة والصدام والحروب الأهلية التي وقعت في أغلب دول «الثورات العربية»، حسب عدد من المراقبين. لكن التقييمات اليوم لحصيلة هذه السياسة التوافقية تظل متباينة داخل حزب قائد السبسي نفسه، الذي تمزق لأسباب عديدة، من بينها انتقادات بعض القياديين فيه لتحالفات زعيمهم مع من يسمونهم بقيادات «الإسلام السياسي». لكن في كل الأحوال سيبقى قائد السبسي السياسي والزعيم، الذي أثر في أطول فترة في تاريخ تونس، أي 70 عاماً كاملة.



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.