زهير مراد يتغنى بمراكش

«لو أنك رأيت الربيع في مراكش، لخلته تاجا مرصّعا باللؤلؤ والمرجان وضع فوق رأس أميرة الأحلام». مقطع من أغنية مغربية طويلة تتغنى بجمال المدينة الحمراء وترجمها المصمم زهير مراد بلغته من خلال تشكيلة مفعمة بالأنوثة والرومانسية مع رشة حنين تعود بنا إلى زمن الأندلس. سحر مدينة مراكش معروف؛ فقد أوقع كل من زارها وغاص في أسرارها أو توغل في أسواقها في شباكها. خلال أسبوع باريس لـ«الهوت كوتور» أكد زهير مراد هذه الحقيقة.
فرغم أنه يعشق السفر، حرفيا ومجازيا، فإنه لم يسبق له زيارة مراكش من قبل ولم يكن ينوي زيارتها لولا أن الأقدار كان لها رأي آخر. فقد تلقى دعوة من بعض الأصدقاء لحضور حفل كبير فيها، لتكون المدينة مفاجأة سعيدة. صحيح أنه سمع كثيرا عنها، لكنه لم يتوقع أن تكون بذلك الجمال والسحر. «إنها فردوس لما تتمتع به من تنوع عالمي وثراء ثقافي يعبق بالتراث والأصالة وفي الوقت ذاته يتحلى بالحداثة... يمكنني القول إنها تشبه بيروت لكن بأسلوب مختلف».
أن يعشق المصمم المدينة الحمراء، ليس خبرا جديدا أو غريبا، فقد أوقعت كثيرين قبله في عشقها، وأشهرهم إيف سان لوران، وستوقع كثيرين بعده.
بعد أن تجول في أسواقها واستنشق روائح توابلها الدافئة، عاد المصمم إلى بيروت محملا بالأفكار، التي بدأ يرسمها مستعينا بما سجلته حواسه وذاكرته، من جمال حدائقها الأندلسية الطابع و«زليجها» فضلا عن تاريخها في حقبة السبعينات من القرن الماضي، الذي خلدته تلك الصورة الأيقونية للعارضة تاليثا غيتي في قفطان منساب، وهي تنظر إلى الفضاء من فوق سطح قديم وبجانبها إيف سان لوران. كل هذا صاغه وطرزه في تشكيلة غنية بالألوان والتفاصيل المغربية بما في ذلك الحزام التقليدي المعروف باسم (المضمة).
بيد أن ما يُحسب لزهير مراد أنه عبر عن حبه وإعجابه بمراكش، وثقافة شمال أفريقيا عموما، باحترام وأناقة، وبأسلوب يعرف جيدا أن المرأة الشرقية تعشقه. أخذها إلى قصور الأندلس تارة وإلى دهاليز المدن القديمة تارة أخرى. كانت القصات مثيرة وحالمة أعطى فيها للقفطان دور البطولة.
وإذا كان الراحل إيف سان لوران قد أخرج هذه القطعة إلى العالمية بأسلوبه الباريسي البحت، محافظا فقط على الألوان الدافئة، فإن زهير مراد حافظ على هويتها الشرقية، من دون أن ينسى ضخها بسحر عصري.
وهذا يعني أن ترجمته لن تُثير حفيظة أي مصمم مغربي ضليع في هذه القطعة الأيقونية، التي تأتي بالنسبة للبعض في المرتبة الثانية بعد العلم المغربي في التعريف بهويتهم. لم تكن حرفية واستنساخا بقدر ما كانت استلهاما دمجه بأسلوبه المتميز بالبريق والإثارة، من خلال الياقات المفتوحة والفتحات التي تشق طول تنورة أو فستان.
استهل العرض بفستان قصير ومثير من التول لم يش بداية بأي علاقة بالمغرب خصوصا أن الموتيفات التي رسمها عليه لتجسد «الزليج» المغربي كانت دقيقة للغاية بالكاد تميزها من بعيد. ثم فجأة ظهرت عارضة بفستان أخضر زمردي يحدده حزام تلته مجموعة بالذهبي والبيج العاجي، لا تترك أي شيء بأننا في حضرة القفطان المغربي مُنكها بلمسة لبنانية تقطر ذهبا ولؤلؤا، بفضل تلك الجرعة القوية من التطريزات اليدوية التي يتميز بها أسلوبه، فضلا عن الألوان المتوهجة مثل الذهبي والأخضر الزمردي وأخضر الحناء، كما وصفه، والأحمر الياقوتي والبرتقالي المحروق.
ورغم أن القفطان لعب دور البطولة في هذه التشكيلة، فإن المصمم يعرف بحسه أن موسم الـ«هوت كوتور» يعني التنوع الذي يلبي كل الأذواق، وأن أي تصميم يجب ألا يكون له مثيل في البلد الواحد. من هذا المنظور اقترح تصاميم عصرية يستحضر معظمها عهد البلاطات ومناسبات القصور. كانت هناك مثلا فساتين كوكتيل وسهرة لا تخلو من الإثارة، تظهر حينا في «الديكولتيه» وحينا في فتحات عالية من الخصر إلى الكاحل.
بيد أن أغلبها حمل نكهة مغربية تتراوح قوتها من تصميم إلى آخر. بعضها كان على شكل السروال الذي اشتهر به سندباد ويعرف في المغرب بـ«القندريسي» وبعضها عبارة عن استعارات من السجاد التقليدي أو الوشم الذي يتزين به البربر وسكان الصحراء فضلا عن الفسيفساء، أو «الزليج» الذي يطبع فن العمارة المغربية.
الرسالة التي نجح زهير مراد في كتابتها لموسمي الخريف والشتاء المقبلين أن المرأة التي ستُقبل على هذه التشكيلة متشبثة بهويتها وتُقدر الجمال والحرفية العالية، والأهم من هذا تحن إلى زمن جميل كانت الأزياء فيه مفعمة بالأنوثة من دون أن تقيد حريتها.