مصر: المسح المقطعي يكشف كنوزاً أثرية غارقة في البحر المتوسط

البعثة المصرية ـ الأوروبية استخدمت تقنيات متقدمة

أفراد البعثة الأثرية المصرية - الأوربية خلال عمليات الاستكشاف تحت المياه
أفراد البعثة الأثرية المصرية - الأوربية خلال عمليات الاستكشاف تحت المياه
TT

مصر: المسح المقطعي يكشف كنوزاً أثرية غارقة في البحر المتوسط

أفراد البعثة الأثرية المصرية - الأوربية خلال عمليات الاستكشاف تحت المياه
أفراد البعثة الأثرية المصرية - الأوربية خلال عمليات الاستكشاف تحت المياه

تمكنت البعثة الأثرية المصرية - الأوروبية المشتركة، العاملة في خليج أبو قير بالإسكندرية (شمال القاهرة) من اكتشاف عدد من الكنوز الأثرية المهمة خلال الشهور الماضية، عبر استخدامها تقنيات وأجهزة مسح مقطعية حديثة للتربة، بموقع أطلال مدينتي كانوب وهيراكلون الغارقتين في خليج أبو قير بالإسكندرية.
واستخدمت البعثة الأثرية جهاز المسح المقطعي للتربة SSP1. والذي يعد من أحدث أجهزة مسح التربة، والذي ينقل صوراً عن الشواهد الأثرية الراقدة في قاع البحر أو المدفونة في تربته.
وقال إيهاب فهمي، رئيس الإدارة المركزية للآثار الغارقة، بوزارة الآثار المصرية: «أعمال المسح الأثري تم تنفيذها في موقع أطلال مدينة كانوب، وأسفر الكشف عن بقايا مجموعة من الأبنية تمنح مدينة كانوب امتداداً آخر نحو الجنوب لمسافة كيلومتر».
وأشار في بيان صحافي مساء أول من أمس، إلى أن «الموقع عُثر به خلال عمليات المسح على بقايا ميناء، ومجموعة من الأواني الفخارية من العصر الصاوي وعملات ذهبية ومعدنية، وحلي ذهبية من خواتم وأقراط، بالإضافة إلى عملات برونزية من العصر البطلمي، وعملات ذهبية من العصر البيزنطي، مما يرجح أن المدينة كانت مأهولة بالسكان في الفترة ما بين القرن الرابع قبل الميلاد والعصر الإسلامي».
بدوره، قال فرنك جوديو‏، رئيس البعثة الأثرية، في منطقة أطلال مدينة هيراكليون الغارقة، إن «البعثة كشفت خلال الموسم الأثري عن جزء من معبد مدمر بالكامل داخل القناة الجنوبية، وهو يعد المعبد الرئيسي للمدينة (آمون جرب)، بالإضافة إلى الكثير من الأواني الفخارية الخاصة بالتخزين، وأواني مائدة من القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، وعملات برونزية من عصر الملك بطليموس الثاني، وأجزاء من أعمدة دورية، والتي ظلت محفوظة على عمق 3 أمتار من الطمي داخل قاع البحر فضلاً عن بقايا معبد يوناني أصغر».
وتواصل وزارة الآثار دراسة حطام السفن الأثرية التي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة، والذي بلغ عددها 75 سفينة، منها سفينة على الطراز المصري القديم من نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، بالإضافة إلى سفن المواكب الطقسية مثل حطام السفينة رقم 11.
ويقول الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «أجهزة المسح المقطعية البحرية أثبتت نجاحاً لافتاً خلال السنوات الأخيرة، بعدما نجحت في اكتشاف عشرات القطع النادرة، لافتاً إلى أن هذه التقنيات والأجهزة تشهد تطوراً كبيراً باستمرار».
وأوضح عبد البصير أن «أجهزة المسح المقطعية الحديثة والتي تم استخدامها أخيراً بالمواقع الأثرية البحرية المصرية، أثبتت فاعليتها ونجاعتها، مقارنة بأجهزة المسح الراداري التي يتم استخدامها للكشف عن الآثار المدفونة بالمدن والقرى، والمعابد، نظراً لشفافية مياه البحر وتربته.
ولفت إلى أن الاهتمام بالآثار الغارقة في مصر، زاد في العقود الثلاثة الأخيرة، مع تحقيق اكتشافات أثرية مهمة».
وتمكن فريق مصري متخصص من الكشف الكامل عن حطام السفينة رقم 61، بعد دراسات تمت على مدار 4 مواسم أثرية متواصلة، وكشف أن طول السفينة يبلغ 13 متراً، وعرض 5 أمتار، وكانت مدفونة بالطمي على عمق يتراوح ما بين متر وثلاثة أمتار، وعثر بها على الكثير من الأواني الفخارية والمعدنية وعملات وحلى. ويرجح أن تعود للقرن الرابع قبل الميلاد، ويجري دراستها حالياً تمهيداً لإعداد دراسة عملية عنها لنشرها بالدوريات المتخصصة بالاشتراك مع البعثة الأثرية العاملة بالمنطقة. وتتميز الآثار الغارقة بطبيعتها الفريدة، وهي عبارة عن آثار غمرتها المياه بسبب غرق سفينة أو مبنى، أو تغير مسار النيل، أو عوامل النحر للشواطئ البحرية، أو سقوط قطع أثرية في المياه.
وقد استحدثت وزارة الآثار المصرية إدارة للآثار الغارقة بعد عدة اكتشافات مهمة في مياه البحر المتوسط بالإسكندرية بين عامي 1995، و1996 إذ تم اكتشاف بقايا فنار الإسكندرية بجوار قلعة قايتباي والحي الملكي تحت مياه الميناء الشرقي.
ويضم موقع أبو قير الأثري، حطام سفن أسطول نابليون الغارقة، ومن أبرزها سفينة القيادة «أورينت» وموقع السفينة «لا سريوس» وموقع السفينة «لا جورييه»، بالإضافة إلى المدن الغارقة مثل هيراكليون التي تقع شمال شرقي شاطئ أبو قير، ومدينة كانوب، التي تضم أطلال معبد وأجزاء تماثيل آلهة مصرية من العصرين البطلمي والروماني.
ويجري حالياً عرض «الآثار المصرية الغارقة»، في متحف دوفر بولاية كلورادو بالولايات المتحدة الأميركية، بعد عرضه في عدة مدن أوروبية في عام 2015، ويضم 293 قطعة أثرية، تم انتشالها من البحر المتوسط بالإسكندرية، بالإضافة إلى بعض القطع التي كانت معروضة في المتحف البحري واليوناني الروماني ومتحف الإسكندرية القومي والمتحف المصري بالتحرير. ومن أهم القطع المعروضة، تماثيل ضخمة للآلهة مثل إيزيس وسيرابيس وتماثيل لأبو الهول، بالإضافة إلى بعض الحلي والأدوات المنزلية.


مقالات ذات صلة

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

يوميات الشرق مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق إحدى القطع الأثرية المصرية المُستردّة من آيرلندا (وزارة السياحة والآثار)

مصر تستعيد قطعاً أثرية ومومياء من آيرلندا

أعلنت مصر استعادة قطع أثرية من آيرلندا، تضمَّنت أواني فخارية ومومياء وقطعاً أخرى، عقب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدولة المذكورة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تم بيع القطعة النادرة بـ2.09 مليون دولار ضمن مزاد في جنيف (أ.ف.ب)

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

بيعت قطعة نقود ذهبية رومانية نادرة جداً تحمل صورة بروتوس، أحد المشاركين في قتل يوليوس قيصر، لقاء 2.09 مليون دولار ضمن مزاد أقيم الاثنين في جنيف

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق بقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود لعصر الإيوسيني المبكر في طبقات لصخور جيرية (الشرق الأوسط)

اكتشاف تاريخي لبقايا كائنات بحرية في السعودية عمرها 56 مليون سنة

أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية اليوم (الأحد)، عن اكتشاف لبقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود للعصر الإيوسيني المبكر.

«الشرق الأوسط» (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».