«تابلاين»... تراث صناعي شاهد على امتزاج الثقافتين السعودية والأميركية

70 عاماً تروي قصص دخول السينما واللغة الإنجليزية للبادية

سعوديو «أرامكو» مدينون للمشروع بالخبرة التي امتلكوها
سعوديو «أرامكو» مدينون للمشروع بالخبرة التي امتلكوها
TT

«تابلاين»... تراث صناعي شاهد على امتزاج الثقافتين السعودية والأميركية

سعوديو «أرامكو» مدينون للمشروع بالخبرة التي امتلكوها
سعوديو «أرامكو» مدينون للمشروع بالخبرة التي امتلكوها

لم تمارس بعض من القبائل والبدو الرحل شمال السعودية قبل أكثر من نصف قرن كرة القدم فحسب، بل شاركوا أيضاً في أبرز الألعاب الأولمبية والغولف والبلياردو، واستمتعوا بالسينما وقراءة الكتب والروايات في المكتبات. كما أنهم أدخلوا مصطلحات إنجليزية إلى مفرداتهم اليومية وأشعارهم بفعل ممارستهم للغة بالمعايشة مع عدد من المهندسين والفنيين الأميركيين الذين تواجدوا في المنطقة لإنجاز المشاريع الصناعية هناك كما يذكر أبناء المنطقة. كل ذلك التطور كان نتيجة متوقعة لدخول الصناعة النفطية للحدود الشمالية من أوسع أبوابها في عام 1947 حين أمر الملك عبد العزيز، مؤسس السعودية، بإنشاء خط الأنابيب «تابلاين»؛ لنقل النفط من شرق السعودية إلى البحر المتوسط.
ومدن عرعر وطريف في منطقة الحدود الشمالية لم تصل إلى مستوى الرياض وجدة فقط، بل أصبحت أشبه بمدن أميركية بصورة مصغرة، وولاية تكساس تحديداً كما يذكر الراحل الدكتور إبراهيم المنيف في كتابه «النفط... الطفرة... الثروة». يتفق مع ذلك أيضاً ماجد المطلق، رئيس النادي الأدبي بمنطقة الحدود الشمالية، وأحد أعيان المنطقة وشاهد على العصر، وذكر المطلق الذي رافق «الشرق الأوسط» في جولتها في أبرز مواقع «التابلاين» بمنطقة الحدود الشمالية، أن «قصة (تابلاين) الموروث الصناعي والإنساني في شمال السعودية نُسجت على أيادي عدد من مجموعة من المهندسين والفنيين الأميركيين وأبناء منطقة الحدود الشمالية من القبائل والبدو الرحل، وكان لها انعكاسات جذرية على السعودية والدول المجاورة لها بشكل عام ومنطقة الحدود الشمالية وابنائها بشكل خاص».

خريطة خط الأنابيب
وعن الاسم يقول المطلق «سمي خط (التابلاين) اختصاراً للكلمة الإنجليزية TAPLINE التي تعد اختصار من Trans - Arabian Pipeline Company واسمها الرسمي باللغة العربية هو خط الأنابيب عبر البلاد العربية (تابلاين)». وكان الخط سينتهي في ميناء مدينة حيفا الفلسطينية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين (1947) غيّر مساره إلى صيدا اللبنانية، وبالتحديد إلى ميناء الزهراني هناك، بحسب ما نشرته دارة الملك عبد العزيز.

7 مدن في طريق «التابلاين»
وتشرح الدارة عن تفاصيل المشروع النفطي بالقول: إن طول «التابلاين» البالغ (1664) كيلومتراً، منها (1300) داخل الأراضي السعودية احتاج حسب دراسات الشركة إلى محطات تقوية الضخ على مسافات متباعدة ومدروسة حتى لا تتوقف أو تضعف عملية التدفق، فأنشأت الشركة سبع محطات، هي من الشرق إلى الغرب «القيصومة، الشعبة، رفحاء، العويقلية، عرعر (بدنة)، حزم الجلاميد، طريف».

وظائف أهل البادية
وعمل على كل محطة مهندسون مختصون وعمال مساندون بُنيت لهم وحدات سكنية وخدمية للإقامة والاستقرار وحماية الأنابيب، مدعمة بأسباب الحياة المتكاملة من مراكز صحية صغيرة، ومطارات، ومدارس محدودة لتعليم اللغة الإنجليزية، وملاعب رياضية لكرة القدم والسلة والطائرة، والبلياردو، والجولف، أسهمت في تقديم جرعات من الترفيه لسكان المدن الشمالية المار بها. ويتذكر المطلق، أن شركة «التابلاين» نظّمت بطولة في لعبة الجولف، شارك فيها منسوبو الشركة من أجانب وسعوديين، وفاز في المسابقة بالستينات أحد الشباب السعوديين في ذلك الحين، أعتقد أنه سليمان عثمان الشمري.

تطور البنية التحتية
ونشأت حول «التابلاين» ومراكز المضخات مدن حضارية أسهمت في حركة توطين البادية التي بدأها الملك عبد العزيز بصفتها أهداف استراتيجية وطنية مهمة في تدعيم الدولة وإنمائها، ومن تلك المدن «عرعر» المركز الإداري للحدود الشمالية التي اكتسبت اسمها من الوادي الذي تقع عليه، كما أنشئت سينما مسائية متاحة للعاملين في التابلاين والسكان، ومكتبة عامة، ومطاعم غربية تقدم وجبات غريبة على أهل المنطقة وقتها، على رأسها الستيك والبرغر والآيس كريم.
وكان لتلك البنية «تأثيرات ما لا بد أنها لحقت بجوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية، منها دخول كلمات إنجليزية في معجم الكلام اليومي في المنطقة، وظهور وظائف بمهارات جديدة للمواطنين» كما تشير دارة الملك عبد العزيز.

اللغة الإنجليزية في البادية
حتى أنه كان هنالك أثر واضح على لغة مواطني الحدود الشمالية من أبناء القبائل والبادية؛ إذ إنهم تمرسوا على نطق اللغة من خلال الاحتكاك بالمهندسين والفنيين الأميركيين، والبعض منهم ولا سيما كبار السن كان يتحدث الإنجليزية، لكنه لا يجيد قراءتها وكتابتها، كما يشير عبد الرحمن الهزيمي أحد أبناء الحدود الشمالية.
وعن جوانب الترفيه، يقول ماجد المطلق، إن «التابلاين» وفّر أيضاً قبل 70 سنة لأبناء الحدود الشمالية وباديتها جميع وسائل الترفيه والتسلية من ملاعب للغولف والتنس الأرضي والبيسبول وصالات لعرض الأفلام وملاعب للأطفال، وكذلك بث برامج تلفزيونية عبر قناة خاصة بالشركة، وكذلك أنشأت مطارات صغيرة لخدمة أعمالها بين محطاتها الداخلية والخارجية. ك
ما أن المبــاني في تلك الفترة مجهزة بالتكييف المركزي، والعازل الحراري في الصيف والشتـــــاء، بـــالإضافة إلى الأفران الكهربائية.

3 أعوام للعمل
من جهته، قال المؤرخ والكاتب سعد اللميع في تعليقه المكتوب لـ«الشرق الأوسط»، إن «حكاية (التابلاين) بدأت في أواسط الأربعينات من القرن الماضي بعد اكتشاف النفط بكميات هائلة بشرق المملكة، ووافق هذا الاكتشاف نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، وقرار إعادة إعمار أوروبا بعد الدمار الهائل الذي خلفته هذه الحرب». وأضاف، أنه بتوصية من شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو) صاحبة الامتياز بالتنقيب والبيع، أمر الملك عبد العزيز بإنشاء خط الأنابيب؛ لنقل النفط من شرق المملكة إلى البحر المتوسط. ويصف اللميع تاريخ «التابلاين» بأنه يشكل جزءاً مهماً من تاريخ السعودية وتطورها، وهذا الخط العملاق الذي استمر العمل به أكثر من ثلاث سنوات كان له الفضل الكبير بعد الله في إحياء صحراء جرداء لا يوجد فيها ما يؤهلها لأن تصبح مكاناً جاذباً لاستقرار بشري. وأضاف: «ولا يمكن إغفال التأثيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أحدثها خط الأنابيب (شركة التابلاين)، وذلك خلال فترة عملها في السعودية، وعلى مدار خمسين عاماً تقريباً».

تحولات فكرية تصاحب «التابلاين»
أما عن تأثير «التابلاين» على سكان الحدود الشمالية، فقال اللميع: إن «أهل الشمال مدينون من الناحية التنموية لشركة (التابلاين) أو (البيب) كما يحلو لهم تسميته، فالخدمات والإغراءات التي قدَّمتها الشركة دفعت الكثيرين منهم إلى الاستقرار، وأن يُلقوا عصا الترحال ويهجروا حياة البادية إلى حياة جديدة بكل المقاييس العصرية، لم يكن أسلافهم قد عاشوها.
تحولات فكرية وثقافية جذرية نقلتهم من حياة الهجير والصحراء اليباب وسمومها، ومطاردة السراب ومواقع السحاب إلى حياة أكثر استقراراً؛ إذ دلفوا للحضارة من أوسع أبوابها، متفيئين بنعيم ظلالها الوارف، أيضاً هذه الخدمات دفعت الكثير من مختلف مناطق المملكة إلى الهجرة إلى الشمال».
لمنطقة الحدود الشمالية الجزء الشمالي من السعودية تاريخ مضيء وقصص ممتعة، كانت حصيلة اندماج فكري بين عدد ليس بالقليل من الصناعيين المهنيين الأميركيين، وأهل شمال المملكة في فترة بدأت من عام 1947 من مدن عرعر وطريف والجوف وسكاكا، جعلت عدداً من الأميركان يذرف الدموع عند مغادرته شمال السعودية عقب انتهاء فترة عمل شركة البترول العربية (التابلاين) كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» ناصر الحزيمي أثناء جولتها في الإرث الصناعي في منطقة الحدود الشمالية.
ويفسر تلك العلاقة الإنسانية وردود الفعل من الأميركيين، صديق أحمد، باكستاني الجنسية أحد أبناء العاملين (فني تلحيم) في مشروع «تابلاين» الذي يصف بقوله: «أهل الشمال ذكوراً وإناثاً، كما ذكر لي والدي أناس على الفطرة الإنسانية الجميلة كرم، صدق، وحسن تعامل، وترحيب بالضيف، وكان لمثل تلك الصفات وقعها على أصحاب العيون الزرقاء من الأميركيين الذين بادلوا تلك الصفات بعمل وجهد وتعليم مميز نتج منه عدد من المتعلمين والمهنيين من أهل الشمال؛ ولذلك كان من الطبيعي أن يخيم الحزن على المهندسين الأميركيين حينما حانت ساعة الصفر لمغادرتهم السعودية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».