هناء مهدي... مدربة كرة قدم في غزة تواجه العادات المجتمعية

أصرت على تحقيق حلمها وتطمح لمستقبل أفضل

هناء مهدي حققت حلمها في أن تصبح مدربة كرة قدم
هناء مهدي حققت حلمها في أن تصبح مدربة كرة قدم
TT

هناء مهدي... مدربة كرة قدم في غزة تواجه العادات المجتمعية

هناء مهدي حققت حلمها في أن تصبح مدربة كرة قدم
هناء مهدي حققت حلمها في أن تصبح مدربة كرة قدم

داخل أسوار نادي المشتل الرياضي وسط مدينة غزة، تنشغل الشابة هناء مهدي (25 سنة) المتخرجة في قسم التربية الرياضية في جامعة الأقصى عام 2015، في تدريب أول فريق كرة قدمٍ للفتيات ضمن تجربة فريدة من نوعها داخل ملاعب الساحرة المستديرة في القطاع المحاصر.
وبحركات متسارعة تحاول مهدي برفقة زميلتها آلاء العمور تمرير التوجيهات لأعضاء الفريق، وتنفيذ التدريبات الميدانية ذات العلاقة باللياقة البدنية وبناء الجسد، ووضع خطط الهجوم والدفاع، فيما بدت اللاعبات اللواتي زاد عددهن على العشرين مستعدات تماماً لخوض جولة كروية جديدة.
تقول مهدي في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» إنّ «التحاقي بالكلية الرياضية قبل نحو سبع سنوات، كان خطوة جريئة وسط المجتمع الغزّي المحافظ، فمنذ البداية واجهت مجموعة انتقادات»، موضحة أنّها استمرت على الرغم من ذلك، في رحلة دراستها التي غاب عنها الجانب التطبيقي الذي ترى أنّه الأهم في بناء شخصية الرياضي، على حد وصفها. فور الانتهاء من الجامعة حرصت العشرينية على تطوير مهاراتها، وبدأت البحث عن فرص تدريب ودورات خاصّة بالفتيات تساهم في تعزيز الجوانب المهارية لديها، منوهة إلى الصعوبات الكبيرة التي واجهتها في هذا المجال؛ كون معظم الأندية المحلية تحصر الخدمات التي تقدمها على فئة الذكور.
حازت الشابّة على دعمٍ كبير من عائلتها، عن هذا تقول: «إنّ والدي كان الداعم الأول، فهو المحفز منذ الصغر وزرع لدي حبّ الرياضة من خلال اصطحابي للملاعب لمشاهدة المباريات»، مشيرة إلى أنّه في كثير من المرّات كانت هي الفتاة الوحيدة التي تشاهد المباريات داخل الملعب.
تمكنت بعد فترة التدريب، من الانخراط في العمل وكانت البداية بتقديم جلسات تفريغ نفسي للفئات المهمشة والمعنفة، وفيها دمجت بين مهاراتها الرياضية وقدراتها على المعالجة النفسية، وأضحت تقدم جلسات التفريغ من خلال لعبة الكرة الطائرة. كان هذا الباب الذي ولجت منه لعالم التدريب، لتصبح أول مدربة فعلية في المجال الرياضي في قطاع غزة عام 2016م.
بالتجربة الأولى حصلت الشابّة، على تقييم مميز من الأشخاص الملتحقين بالتدريب ومن المؤسسة المشرفة، ما فتح لها المجال للتفكير بخطوات جديدة، وكانت الوجهة نادي المشتل الرياضي. هناك أمضت الفترة الأولى من التحاقها بلجنة المرأة بالنادي؛ حيث توفرت لها فرصة طورت خلالها مهاراتها في رياضاتٍ مختلفة، إلى أن جاء أخيراً ما كانت تفكر فيه منذ الطفولة، حين قررت إدارة النادي إنشاء فريق كرة قدم للفتيات في قطاع غزة.
تكمل حديثها: «كانت هذه الفرصة الأهم، حرصت على أن يكون لي دور في تشكيل هذا الفريق، فأبلغت الإدارة أنّي أرغب في خوض تجربة التدريب مع الفتيات الصغيرات، اللواتي التحقن بالنادي، بناءً على إعلان نُشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، وبدأت رحلتها مع الفريق الذي دربته بمساعدة عدد من الكرويين، إضافة لاستعانتها بمقاطع مصورة منشورة على مواقع الإنترنت وكتب متخصصة لأصحاب التجارب ذات العلاقة بمجالها.
مرّت الشابّة مهدي خلال عملها، بمواقف كثيرة؛ لأنّ التدريب كان يتم في القاعة الخارجية للنادي، وهي بطبيعة الحال عبارة عن ملعب معشب ظاهر للناس، وتذكر أنّ بعض الشبان حاولوا في إحدى المرّات إنهاء تدريبهم بعد انقضاء ساعة واحدة على الرغم من أنّ الوقت المخصص لهنّ ساعتان، بحجة أنّ الذكور هم الأحق باللعب والوقت.
وترى مهدي أنّ البيئة المجتمعية في غزة أصبحت مهيأة أكثر من قبل لتستقبل طاقات رياضية نسائية، فالنظرة النمطية السائدة بدأت تتلاشى، وذلك بعد جهود طويلة خاضتها مجموعة من النساء مع النوادي والملاعب للعمل على إيجاد مقاعد إدارية وفنية وكذلك تطبيقية خاصّة بالمرأة، وتعبر ختاماً عن سعادتها بهذه الفرصة التي أشعرتها بالحرية والاستقلالية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».