متحف جديد في ويستربلات وراء الخلاف بين الحكومة البولندية وغدانسك

معرض «يستربلات» شهد المعارك الأولى للحرب العالمية الثانية
معرض «يستربلات» شهد المعارك الأولى للحرب العالمية الثانية
TT

متحف جديد في ويستربلات وراء الخلاف بين الحكومة البولندية وغدانسك

معرض «يستربلات» شهد المعارك الأولى للحرب العالمية الثانية
معرض «يستربلات» شهد المعارك الأولى للحرب العالمية الثانية

أصبحت الحكومة البولندية ومدينة جدانسك على خلاف بسبب موقع ويستربلات، وهو الموقع الذي شهد إحدى المعارك الأولى في أثناء الحرب العالمية الثانية، كما أنه رمز للمقاومة البولندية.
ويشار إلى أن نقطة الخلاف هي خطة الحكومة لإنشاء متحف جديد في شبه جزيرة ويستربلات، التي تمتلكها مدينة جدانسك إلى حد كبير.
كانت ويستربلات تضم في عام 1939 حامية عسكرية بولندية؛ حيث كان يوجد في ذلك الوقت جيب بولندي في مدينة جدانسك الحرة. وفي الصباح الباكر من الأول من سبتمبر (أيلول) آنذاك، تعرضت ويستربلات لهجوم من جانب قوات ألمانية ساحقة، ولكن الحامية العسكرية تمكنت من الدفاع عن نفسها لمدة سبعة أيام، مما اعتُبر بمثابة تسديد أول صفعة لخطة «بليتسكريج» الخاصة بهتلر للحملة البولندية. وتُعرف خطة «بليتسكريج» بـ(القصف الخاطف والمفاجئ).
وقد صارت ساحة المعركة التاريخية حالياً مسرحاً لصراع سياسي بين المدينة والحكومة المركزية المحافظة في وارسو. ومن الممكن أن يسمح مشروع قانون جديد برعاية أعضاء البرلمان من «حزب القانون والعدالة» الحاكم، ببناء متحف جديد من دون مشاركة السلطات المحلية في جدانسك، وبتولي الحكومة ملكية الأرض. ويخشى المنتقدون من أن يعزز المتحف، الذي تتولى الحكومة مسؤوليته، رؤيةً تتسم بالمواجهة والعسكرية للتاريخ.
وقال المؤرخ باول ماتشيفيتش لوكالة الأنباء الألمانية: «ترفض رؤية (الحكومة) في الواقع وجهة نظر أوسع نطاقاً، تكون فيها بولندا جزءاً من أوروبا وجزءاً من العالم». وأشار ماتشيفيتش إلى التغييرات التي تم القيام بها في متحف الحرب العالمية الثانية القريب في وسط جدانسك، وهو المؤسسة الثقافية التي ترأسها حتى أطاحت به الحكومة التي شكّلها حزب القانون والعدالة». وقال ماتشوفيتش: «يُزعم أن المعرض كان غير محلي بصورة مبالغ فيها، ومسالماً وأوروبياً وليس بولندياً بدرجة كافية». وأوضح أن القيادة الجديدة غيّرت العرض لتقلل من إظهار تأثير صدمة الحرب على المدنيين، لصالح منظور عسكري بحت. ويخشى ماتشوفيتش من احتمال أن تواجه ويستربلات مصيراً مشابهاً.
وتضم ويستربلات في الوقت الحالي فرعاً صغيراً لمتحف البلدية، يحكي قصة الدفاع البطولي للحامية البولندية، ومقبرة للجنود، ونصباً تذكارياً يبلغ ارتفاعه 25 متراً لإحياء ذكرى الجنود الذين دافعوا عن الساحل البولندي في عام 1939.
وتوجد لافتة «لا مزيد من الحروب» بالقرب من النصب التذكاري، لتبعث برسالة سلمية للزوار. وقد تم الحفاظ على بقايا المباني المدمرة في الموقع. وانتقد ماتشوفيتش مفهوم متحف ويستربلات الجديد المدرج في مشروع القانون، بوصفه «ضاراً بأصالة» ويستربلات. وقال المؤرخ، لوكالة الأنباء الألمانية: «بدلاً من الحفاظ على مواقع معارك 1939؛ حيث من المفترض إعادة بناء جميع المباني التي كانت موجودة في عام 1939؛ يتم إنشاء ما يشبه مدينة ملاهٍ، أو ديزني لاند تاريخية». وأوضح أن مؤرخي الفن والمسؤولين المكلّفين بالحفاظ على المعالم التاريخية ينتقدون الفكرة على نطاق واسع.
وترى السلطات المحلية في جدانسك أن التشريع ما هو إلا محاولة من جانب الحكومة لاستخدام سرد تاريخي يلائم أهدافها السياسية.
وفي الوقت نفسه، تقول عمدة جدانسك، ألكساندرا دولكيفيتش، بعد أن وافق مجلس النواب على مشروع القانون: «ترغب الدولة التي تمثل في الواقع خياراً سياسياً واحداً من خلال حل قسري، في استخدام الذاكرة التاريخية لتعزيز مصلحتها السياسية. إنه أمر محزن ومؤلم».
من جانبهم، يقول سياسيو «حزب القانون والعدالة» إن التشريع هو رد فعل على فشل المدينة في إدارة الموقع التاريخي.
وحسبما جاء في مشروع القانون، فإن الحكومة ترغب «بشكل صحيح» في إحياء ذكرى المعركة من أجل ويستربلات، وتضحيات الجنود البولنديين؛ حيث إن الوضع الحالي للموقع لا يتوافق مع أهميته بالنسبة إلى بولندا وإلى المجتمع العالمي. وكان نائب رئيس الوزراء بيوتر جلينسكي، قد قال لمحطة «بي. آر 1» الإذاعية العامة في مطلع يوليو (تموز) الجاري: «لم تقم المدينة على مدار 30 عاماً بأي شيء يتعلق بإحياء الذكرى».
ويشهد تاريخ الأول من سبتمبر من عام 2019، ذكرى مرور ثمانين عاماً على اندلاع الحرب العالمية الثانية. ومن المقرر أن تُجرى الفعاليات الرسمية للبلاد هذا العام في وارسو وليس في ويستربلات؛ حيث كانت تقام في السنوات الماضية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».