ثالث استقالة من الحكومة البريطانية تحسباً لفوز جونسون برئاسة الوزراء

توقعات بتغلبه على هانت بـ70 % من أصوات المحافظين

جونسون محاط بأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في لندن أمس (إ.ب.أ)
جونسون محاط بأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في لندن أمس (إ.ب.أ)
TT

ثالث استقالة من الحكومة البريطانية تحسباً لفوز جونسون برئاسة الوزراء

جونسون محاط بأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في لندن أمس (إ.ب.أ)
جونسون محاط بأنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي في لندن أمس (إ.ب.أ)

قدّم ثالث وزير بريطاني استقالته، أمس، تحسباً لفوز بوريس جونسون بمنصب رئاسة الوزراء، اليوم. وقال وزير الدولة في وزارة الخارجية ألان دانكن، الذي عمل مع كل من جونسون، ومنافسه وزير الخارجية جيريمي هانت، إنه «من المأساوي أنه في اللحظة التي كان بوسعنا أن نصبح فيها القوة المهيمنة فكرياً وسياسياً في عموم أوروبا، وفيما وراءها، صار علينا أن نقضي كل يوم ونحن نعمل تحت السحابة السوداء للخروج من الاتحاد الأوروبي».
وجاءت استقالة دانكن بعد يوم واحد على إعلان وزيري الخزانة فيليب هاموند والعدل ديفيد غوك استقالتهما احتجاجاً على دعم جونسون خروجاً دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وقال هاموند لشبكة «بي بي سي» إنه جاهز لبذل «الجهود كافة» لمنع الخروج من دون اتفاق، فيما بدا أنه لم يستبعد المشاركة في إسقاط حكومة يقودها جونسون.
واختُتم السباق لخلافة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بعد ظهر أمس، مع انتهاء تصويت أعضاء حزب المحافظين، الذي ما لم تحصل مفاجأة كبرى سينتج عنه إعلان بوريس جونسون فائزاً اليوم. ويحظى جونسون بتأييد ناشطي حزب المحافظين، لكن وزير الخارجية رئيس بلدية لندن السابق لا يتمتع بإجماع تام داخل حزبه، خصوصاً في أوساط المعسكر المؤيد لأوروبا الذي أبدى عزمه على وضع العقبات في طريقه، إذا واصل تهديده بمغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
ومن شأن الأزمة الدبلوماسية مع إيران أن تخيم أيضاً على الأيام الأولى لجونسون في رئاسة وزراء بريطانيا.
ويرجح فوز جونسون (55 عاماً)، ولقبه «بوجو»، في هذا السباق على هانت (52 عاماً)، بحسب استطلاعات الرأي وترجيحات المراهنين. وأفاد استطلاع للرأي نشر على مدونة «كونسورفاتيف هوم» المحافظ بأنه سيحصل على 73 في المائة من الأصوات.
ويعود لأعضاء الحزب المحافظ الـ160 ألفاً أن يحسموا السباق بين المرشحين. وسيتولى الفائز رئاسة حزب المحافظين، وسيزور غداً (الأربعاء) الملكة إليزابيث الثانية التي ستكلفه تشكيل الحكومة. ويتحتم على رئيس الوزراء الجديد القيام بمهمة شاقة، تتطلب منه النجاح حيث أخفقت ماي، أي تنفيذ عملية «بريكست» في بلد لا يزال شديد الانقسام حيال مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد 3 سنوات من استفتاء 23 يونيو (حزيران) 2016.
كما سيواجه ملفاً ساخناً آخر، وهو قضية احتجاز إيران ناقلة النفط «ستينا إيمبيرو» التي ترفع العلم البريطاني، وهي مسألة أجّجت التوتر في الخليج. ويثير بوريس جونسون، المعروف بسلوكه الخارج عن المألوف وهفواته الكثيرة، عداء معارضي «بريكست»، ويعد بعضهم أن انضمامه إلى المعسكر المؤيد لـ«بريكست» قبل الاستفتاء في 2016 كان وسيلة لتحقيق طموحاته الشخصية.
وظهرت هذه المعارضة له مع نزول عشرات آلاف الأشخاص، السبت، إلى شوارع لندن هاتفين «نعم لأوروبا» و«لا لبوريس». وقدم جونسون نفسه في السباق على أنه منقذ عملية «بريكست» التي كان ينبغي تنفيذها بالأساس في 29 مارس (آذار) الماضي، غير أنها أرجئت إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو يستعرض حزمه و«تفاؤله»، مردداً: «حيث توجد عزيمة، يكون هناك حل».
وقارن جونسون، أمس، بين عملية «بريكست» وأول إنزال على سطح القمر، حيث قال: «إذا كانوا قد نجحوا في عام 1969 بالعودة إلى الأرض بواسطة رمز معلوماتي معد يدوياً، يمكننا نحن حلّ مشكلة التبادل التجاري على حدود آيرلندا الشمالية»، في مقال في صحيفة «تلغراف» البريطانية.
وتعدّ الحدود الداخلية لآيرلندا، بين جزئها الشمالي التابع لبريطانيا والجمهورية المستقلة في الجنوب (العضو في الاتحاد الأوروبي)، أبرز النقاط العالقة في عملية تنفيذ «بريكست». وبالنسبة لبوريس جونسون، فإن إرجاء «بريكست» مرة جديدة أمر لا نقاش فيه، وهو يؤكد أن «بريكست» سيتم في موعده، ولو تحتم الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، إذا تمسكت بروكسل برفضها فتح مفاوضات مجدداً. غير أن احتمال الخروج من دون اتفاق، الذي حذرت منه الأوساط الاقتصادية، لا يحظى بالإجماع بين المحافظين أنفسهم.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟