معرض «بروشات» مادلين أولبرايت: حرب الزينات ضد صدام حسين

قالت في كتبها إنها استعملت الإكسسوارات كجزء من دبلوماسيتها خلال ثماني سنوات

أولبرايت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات
أولبرايت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات
TT

معرض «بروشات» مادلين أولبرايت: حرب الزينات ضد صدام حسين

أولبرايت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات
أولبرايت مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات

مع بداية الخريف، افتتحت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، معرض «ريد ماي بينز» (اقرأ بروشاتي) في مكتبة ومتحف الرئيس فرانكلين روزفلت في نيويورك، وفيه عرضت مجموعة كبيرة من «البروشات» (مشبك الصدر) التي جمعتها خلال أكثر من نصف قرن من العمل الدبلوماسي: خبيرة، ومستشارة، ثم وزيرة.
أشارت أولبرايت إلى أنها صاحبة اسم المعرض: «ريد ماي بينز»، وتشير فيه إلى شعار «ريد ماي ليبز» (اقرأ شفتي) الذي أطلقه الرئيس السابق بوش الأب بعد أن خلف، في عام 1989، الرئيس ريغان.
في ذلك الوقت، كانت مادلين أولبرايت (الديمقراطية أبدا)، مستشارة لسياسيين ديمقراطيين، مع عملها أستاذة في العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون (في واشنطن). في وقت لاحق، صارت مستشارة لحاكم ولاية أركنسا، بيل كلينتون، عندما ترشح لرئاسة الجمهورية (وفاز في عام 1992)، واختارها سفيرة في الأمم المتحدة، وبعد 4 سنوات عينت وزيرة للخارجية (أول امرأة في تاريخ أميركا).
الآن، يبدو أن أولبرايت، عندما قررت عرض جواهرها وزيناتها في نيويورك، تذكرت عبارة بوش، وقررت أن تسمى معرضها بعبارة مماثلة، قد تكون أيضا تقصد من العنوان أن تقول إن بوش (الجمهوري) ناقض ما كررت شفتاه، لكنها (الديمقراطية أبدا)، تظل تحتفظ بجواهرها وزيناتها، وتفتخر بها.
وكانت أولبرايت قد كررت مرات كثيرة في كتبها، أنها استعملت الإكسسوارات كجزء من دبلوماسيتها خلال ثماني سنوات (4 سنوات في الأمم المتحدة، و4 سنوات في الخارجية). وتحدثت كثيرا عن «ميك أب دبلوماسي» (دبلوماسية الزينة)، و«باور أوف وومان إكسسوارز» (قوة إكسسوارات المرأة).
يوم افتتاح معرضها، تحدثت لصحيفة «فاينانشيال تايمز» عن هذا، ومما قالت: «خلال حرب تحرير الكويت (عام 1991)، ظهرت قصيدة في صحف في بغداد قارنتني بأشياء كثيرة، منها أنني ثعبان مخادع؛ لهذا، قررت وضع بروش ثعبان على فستاني يوم تحدثت في مجلس الأمن، وهاجمت الرئيس العراقي صدام حسين. تركزت الكاميرات نحوي، وسألني صحافيون: لماذا وضعت بروش ثعبان؟ وقلت لهم: لأن صدام حسين قارنني بالحية الغادرة».
وأضافت أولبرايت: «يومها، فكرت. حسنا، هذا شيء ممتع. لهذا خرجت، واشتريت جواهر كثيرة، وفي بالي ما سيحدث في أي يوم في مجلس الأمن، وهو يناقش مختلف المشكلات الدولية»، وأضافت: «صرت، في الأوقات الطيبة، أضع الزهور، والفراشات، والبالونات الصغيرة جدا، وفي الأيام السيئة، أضع الحشرات، والديناصورات آكلة اللحوم».
لكنها قالت إن زينتها المفضلة ليست دبلوماسية، ولكن عائلية: «قلب صغير من السيراميك، من ابنتي كاتي، أضعه دائما يوم فالانتاين (عيد الحب) الآن، ابنتي التي بلغ عمرها 46 سنة تقول لي: «أمي، يجب أن تقولي للناس إنني صنعت هذا القلب عندما كنت في الخامسة».
تقول إن هناك زينة أخرى تفضلها، لكنها لا تلبسها، ولا تملكها، في عام 2005، عندما هب على الولايات المتحدة الجنوبية إعصار «كاترينا»، قالت أولبرايت: «كنت في نيو أورلينز، وجاء رجل شاب، وقال: والدي محارب قديم، وحصل على هذين الوسامين؛ بيربل هارت (القلب القرمزي) بسبب شجاعته، ثم أهداه والدي إلى والدتي، لكنها غرقت في الإعصار، ونحن (نريد أن نهديه لك)، أحسست وقتها بحزن عميق، مع تقدير قوي، وقلت للشاب: لا، والدتنا أحبتك، وأنت تستحق هذا..».
يضم المعرض، بالإضافة إلى الإكسسوارات، نسخا من كتاب «ريد ماي بينز» (اقرأ دبابيس الصدر الخاصة بي)، كانت كتبته عام 2009، وكان من أسباب جمع الإكسسوارات وعرضها في معرض نيويورك هذا.
وفي الكتاب قصص كثيرة عن «دبلوماسية الجواهر»، منها:
أولا: قصة حول دبوس على شكل العلم الأميركي باللونين الأحمر والأبيض، وكتبت عنه: «عندما زرت الزعيم الكوري الشمالي، كيم يونغ إيل، ارتديته، لأوضح من دون شك مَن أمثل، أنا أمثل أميركا، ورغم سخف الانتقادات للسياسيين الأميركيين بأنهم لا يضعون العلم الأميركي، لأننا، طبعا، دولة قوية واثقة من نفسها. لكن، كانت هذه حالة خاصة..».
ثانيا: «اكتشفنا أن الروس يتصنتون على السفارة الأميركية في موسكو، فارتديت دبوس صدر على شكل فم يتكلم، عندما قابلت المسؤولين الروس، وأشرت، ضمنيا، إلى أننا نعرف أنهم يتجسسون علينا».
ثالثا: «استعملت الإكسسوارات خلال المفاوضات مع الروس في أكثر القضايا حساسية بالنسبة لهم: قضية الشيشان؛ حيث وضعت دبوسا فيه صور 3 قرود، مع عبارات: «لا أسمع» و«لا أرى» و«لا أتكلم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».