تفاصيل اعتقال عملاء لبوتين في ليبيا بعد {لقائهم} سيف القذافي

روسيان ونجل وزير بالنظام السابق يواجهون تهمة التجسس

سيف الاسلام القذافي (أ.ب)
سيف الاسلام القذافي (أ.ب)
TT

تفاصيل اعتقال عملاء لبوتين في ليبيا بعد {لقائهم} سيف القذافي

سيف الاسلام القذافي (أ.ب)
سيف الاسلام القذافي (أ.ب)

تكشف هذه القضية، التي تأتي في سياق قصص الحرب ودهاليزها الخفية في ليبيا، عن مزيد من فصول ومفارقات التدخلات الخارجية في البلاد، استغلالاً لحالة الفوضى التي تضربها منذ 8 سنوات.ولنبدأ الحكاية من أولها.
في شهر مايو (أيار) الماضي، اعتقلت مجموعة مسلحة تابعة لحكومة «الوفاق الوطني»، برئاسة فائز السراج، روسيين ونجل وزير سابق في عهد القذافي بالعاصمة الليبية طرابلس، وهم يتجولون بمحيط ميدان الشهداء، ويستوقفون المارة لاستطلاع آرائهم عن الأوضاع الجارية في البلاد، ومدى رضاهم عن الحكومة الحالية، وتحركات الميليشيات المسلحة. وقد طرحت هذه القضية، التي شغلت الرأي العام في ليبيا، مجموعة من الأسئلة حينها حول طبيعة عمل هذا الفريق، وفحوى الاستطلاعات التي كان يجريها، وهل له علاقة بإحدى الشخصيات الروسية المقربة من الرئيس بوتين، والمعروف باسم «طباخ الرئيس»؟
وبحسب مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فقد كان فريق روسي فرغ من لقاء سيف الإسلام، النجل الثاني للرئيس الراحل معمر القذافي، في إحدى مدن قمم الجبل الغربي، وتوجه عدد منه نحو طرابلس. لكن انتهى بهم المطاف في قبضة عناصر أمنية، كانت تتعقبهم وتعرف مكان إقامتهم، وهم مكسيم أناتوليفيتش شوغالي، عالم اجتماع، وسامر حسن علي سويفان، وهو طبيب ومترجم، بالإضافة إلى نجل وزير ليبي سابق. وفي الوقت ذاته، كان فريق روسي آخر يجوب المدن الليبية لاستكمال مهمة، قِيل إنها «بحثية تستهدف جمع معلومات سياسية واجتماعية».
هذه التطورات جاءت بعد أن قالت وكالة «بلومبرغ» الأميركية في 5 يوليو (تموز) الحالي، إنها حصلت على وثيقة صادرة عن مكتب النائب العام الليبي في طرابلس، تتحدث عن اعتقال قوات أمن ليبية شخصين يحملان الجنسية الروسية، لاتهامهما بمحاولة التأثير على الانتخابات المقبلة في البلاد، وعن فرار روسي ثالث قبل مداهمة مسكنه، مبرزة أن الوثيقة أشارت إلى أن الروسيين «تورطا» في محاولة الترتيب لعقد اجتماع مع سيف القذافي، وهي المعلومات التي أقر بها مقربون من سيف لـ«الشرق الأوسط»، وقالوا بخصوص لقائه بالفريق الروسي: «إنها ليست جريمة. فـ(الدكتور) وإن كان غائباً عن العيون، فإن اسمه مطروح بقوة للمنافسة على الانتخابات الرئاسية حال إجرائها». في حين قال مصدر مطلع على مجريات التحقيقات، التي يجريها مكتب النائب العام الليبي، مع شوغالي وسويفان ونجل الوزير السابق، إن «الاتهامات التي توجه إليهم تتمحور حول التجسس، والقيام بمهام استخباراتية، تتمثل في جمع معلومات مهمة عن توجهات الرأي العام».
وكشفت الوثيقة الموجهة لحكومة «الوفاق»، المعترف بها دولياً، والمؤرخة في 3 يوليو (تموز) الحالي، أن شوغالي يعمل مستشاراً سياسياً لدى مؤسسة، يوجد مقرها في موسكو للدفاع عن القيم الوطنية، وأن رئيس هذه المؤسسة أدار حتى وقت قريب موقعاً إخبارياً إلكترونياً، قالت الولايات المتحدة إنه مرتبط برجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، الملقب بـ«طباخ الرئيس» بوتين، وهو واحد من وكلاء روسيا، ومتهم من قبل الولايات المتحدة بتمويل وتنظيم عمليات تدخّل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وبالتالي فإن عملية القبض على الفريق الروسي زادت من طرح الأسئلة عن مدى اختراق ليبيا من قبل استخبارات دول أجنبية تستغل الفراغ الأمني، والاقتتال الدائر بالضواحي الجنوبية للعاصمة. وفور اعتقال الروسيين والمواطن الليبي، سارع نعمان بن عثمان، رئيس مؤسسة «كويليام الدولية للأبحاث»، للقول إن «الأجهزة الأمنية في طرابلس تمكنت من القبض على شبكة للتجسس، يقودها 3 عناصر روسية؛ أحدهم عربي روسي، وتحفظت على 50 ألف وثيقة أثناء المداهمات لمواقع عدة كانت تقيم بها». لكن بن عثمان عاد ليؤكد على «تويتر» أنه «تم القبض على روسيين، ونجل وزير ليبي من النظام السابق»، دون الإفصاح عن اسمه. غير أن مصدراً مقرباً من سيف القذافي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الشخص الموقوف مع الروسيين هو نجل الدكتور علي التريكي، وزير الخارجية الأسبق في النظام السابق».
وأوجدت روسيا لنفسها قدماً في ليبيا، عقب إسقاط النظام السابق، ومدت مبكراً خطوط التواصل مع سيف القذافي، إذ سبق أن اعترف ليف دينغوف، رئيس مجموعة الاتصال الروسية لتسوية الأزمة الليبية، بوجود اتصالات بين بلاده وسيف، ورأى أن شخصية سيف «لديها اعتبارات ووزن سياسي في بلاده، ولذلك سيكون ضمن الأطراف المشاركة في العملية السياسية الليبية».
وألقت عملية القبض على الفريق الروسي بظلالها على المقربين من نجل الرئيس الراحل، إذ عبر عبد المنعم محمد، مؤسس «حراك مانديلا ليبيا»، الداعم لترشح سيف الإسلام للانتخابات، عن استغرابه من اعتقال الروسيين، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المجموعة، وغيرها دخلت ليبيا بطريقة شرعية، وبدأت في ترتيب العمل للتأكد من القاعدة الشعبية للدكتور سيف»، كاشفاً أن الحراك «ورغم القبضة الأمنية للميليشيات، فإنه قدم للفريق الروسي استطلاعات للرأي من شرق وغرب وجنوب البلاد، خصوصاً مدينتي طرابلس وبنغازي، تشير إلى تجاوب المواطنين في كل المناطق مع فكرة ترشح سيف للانتخابات». واعتبر أن التهم الموجهة للروسيين «مضحكة للغاية»، وأرجع ذلك إلى صدمة ما سماها «حكومة الميليشيات الإخوانية من الطريقة التي يعمل بها سيف الإسلام، دون التنسيق معها أو الرجوع إليها»، وقال بهذا الخصوص: «هذه حكومة تحارب الجميع، وتحكم من أجل بقائها في أمان». وكان مكتب الادعاء العام قد أوضح أنه تم ضبط أجهزة حواسيب نقالة وشرائح ذاكرة «تثبت أن الروسيين يعملان مع مجموعة، تخصصت في التأثير على الانتخابات، المقرر عقدها في كثير من الدول الأفريقية»، ومن بينها ليبيا.
ما قاله رئيس «حراك مانديلا ليبيا» يتوافق مع ما ذهب إليه ألكسندر مالكيفيتش، مدير مؤسسة «حماية القيم الوطنية الروسية» غير الربحية، التي ينتمي إليها الفريق الروسي، الموقوف في طرابلس: «الموظفون المعتقلون في ليبيا موجودون على أراضي هذا البلد بالتنسيق التام مع السلطات الليبية، ولم يشاركوا إلا في البحوث الاجتماعية، ولم يتدخلوا أبداً في العمليات الانتخابية».
وأقر مالكيفيتش في بيان أصدره بأن الفريق البحثي يضم ماكسيم أناتوليفيتش شوغالي، وسامر حسن علي سويفان، وألكسندر الكسندروفيتش بروكوفييف، الذي وصفه بأنه هو الآخر عالم اجتماع، والذي فر من مسكنه قبل القبض عليه.
ودافع مالكيفيتش عن فريقه، بالقول: «لقد أجروا سلسلة من الدراسات الاجتماعية، من بينها مقابلات واستطلاعات رأي المواطنين»، مبرزاً أن «موقع المؤسسة يحتوي على المعلومات الأساسية التي حصلوا عليها»، بما ينفي من وجهة نظره أي اتهام لهم بالتدخل في الانتخابات المقبلة، أو القيام بأعمال قد تضر ليبيا، وزاد مؤكداً: «هذا غير وارد بتاتاً، وهو هراء كامل».
ميهوب أبو علي، أحد المقربين من سيف القذافي، وهذا ليس اسمه الحقيقي، استهجن توقيف الفريق الروسي، والتهم الموجهة إليه، وقال متسائلاً: «موضوع الادعاء بالتشويش على الانتخابات... أين هي هذه الانتخابات حتى نشوش عليها؟ نحن ندعم إجراءها بأسرع وقت لإنقاذ البلاد، وترك فرصة للشعب كي يختار حكومته».
وأضاف أبو علي: «لقاء الفريق الروسي بالدكتور سيف الإسلام ليس جريمة، أو مخالفاً لأي قانون. فقد أطلق سراحه وهو يعيش حياة طبيعية».
ومنذ أن أطلقت سراحه «كتيبة أبو بكر الصديق» بمدينة الزنتان (غرب) في 11 يونيو (حزيران) 2017، لم يشاهد سيف الإسلام في مكان عام. لكن هناك من يؤكد أنه لا يزال داخل مدينة الزنتان. ومطلع العام الماضي، زار وفد من فريق العمل السياسي لسيف القذافي موسكو لتسليم رسالة إلى وزارة الخارجية الروسية، تتعلق بوجهة نظره لحل الأزمة في بلاده.
ويبدو أن الربط بين المجموعة الموقوفة من النيابة الليبية، ورجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين وثيقاً، ذلك أن التسريبات المتداولة من مكتب النائب العام الليبي تشير إلى ذلك، فضلاً أن شوغالي أحد الموقوفين الروس، سبق له أن لعب دوراً مشابهاً في دول أفريقية عدة، من بينها مدغشقر بدعم من بريغوجين. وقد أظهرت تقارير دولية، على سبيل المثال، حجم التدخل الروسي في انتخابات مدغشقر مطلع عام 2018، عندما حاول شوغالي البحث عن شخص موالٍ لبلاده كي يترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما كشفت عنه بعض الشخصيات المرشحة، التي عملت مع الروس في حديثها مع شبكة «بي بي سي». وقد فرضت الولايات المتحدة في مارس (آذار) 2018 عقوبات على 19 روسياً، تتهمهم بالتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016، وبشن هجمات إلكترونية مزعومة. وطالت العقوبات أيضاً بريغوجين، بالإضافة إلى 12 من موظفي وكالة أبحاث إنترنت تتخذ من سان بطرسبرغ مقراً لها.
واستكمالاً لذلك، قال مؤسس «حراك مانديلا ليبيا» إن الفريق الروسي، الذي كان يستطلع آراء المواطنين في ليبيا حول سيف القذافي، «كان عدده كبيراً، لكن الشرطة أوقفت اثنين منهم في طرابلس»، ورأى أن تهمة التجسس «ملفقة للضغط على روسيا، أو كنوع من الاستفزاز»، وتوقع أن يغادرا ليبيا قريباً إذا تدخلت بلدهما لدى سلطات طرابلس.
وكان من المقرر إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في ليبيا العام الحالي، حسب خريطة طريق برعاية الأمم المتحدة. لكن العملية العسكرية التي يشنها «الجيش الوطني» على طرابلس، حالت دون ذلك.



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.