سليمان شنين... إسلامي «معتدل» على رأس البرلمان الجزائري

أثنى على قائد الجيش في أول تصريح بعد اختياره

سليمان شنين... إسلامي «معتدل» على رأس البرلمان الجزائري
TT

سليمان شنين... إسلامي «معتدل» على رأس البرلمان الجزائري

سليمان شنين... إسلامي «معتدل» على رأس البرلمان الجزائري

لم يكن المراقبون الأكثر متابعة للشأن السياسي بالجزائر يتوقعون وصول شخصية إسلامية إلى رئاسة البرلمان، قياساً إلى تمسّك النظام تاريخياً بأن يكون هذا المنصب حكراً على حزب السلطة «جبهة التحرير الوطني».
وحتى في المرة التي قرّر فيها النظام سحب هذا «الامتياز» من «الجبهة»، فإنه عهد بهذا المنصب إلى حزب خرج من ضلعها، هو «التجمع الوطني الديمقراطي»، وذلك إبان العهدة التشريعية 1997 – 2002، ولكن سرعان ما عاد إلى ما يسمّيه الإعلام «الحزب العتيد» كأنه مُلك أبديّ له.

من «بركات» الحراك الشعبي الثائر في الجزائر، المستمر منذ 5 أشهر، أنه دفع السلطة التنفيذية إلى «التنازل» عن «حقها» في تعيين رئيس «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى، أو غرفة التشريع). وهكذا، اختير «الإسلامي المعتدل» سليمان شنين (54 سنة) الذي ينتمي إلى الحزب «المعتدل» المحسوب على المعارضة الإسلامية، «حركة البناء الوطني» بقيادة وزير السياحة سابقاً عبد القادر بن قرينة.
الرئيس الانتقالي عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، في الواقع، يعانيان من الضعف بسبب رفضهما شعبياً، لكونهما ينتميان إلى نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وبالتالي، اضطرت السلطة إلى اختيار شخصية منخرطة في الحراك محاولةً كسب ودّ المتظاهرين، وإرسال إشارات إيجابية تفيد بأنها مستعدة للتغيير الجذري الذي يريده الجزائريون، ولكن بالتدريج. وقرّرت أن يبدأ هذا التغيير من البرلمان.
كل المراقبون يدركون أن التغيير -أو ما يشبه التغيير، في نظر البعض– أتى ويأتي بإرادة «السلطة الفعلية» المتمثلة في قيادة الجيش، الممثلة بدورها في رئيس أركانه، ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح. فصالح أضحى الآمر الناهي منذ أزاح بوتفليقة من الحكم، وأدخل أهم رموز نظامه السجن، ومنهم شقيقه الأصغر السعيد.

أشاد بفضل قائد الجيش
لقد فهم سليمان شنين جيداً أن الفضل في وصوله إلى رأس سلطة التشريع، عائد إلى قائد الجيش. ولذا أثنى عليه وعلى المؤسسة العسكرية في أول كلمة ألقاها بعد التزكية التي لقيها من طرف النواب، مع العلم أنه لم يترشح أي من البرلمانيين للمنصب، بمن فيهم أصحاب الغالبية. وقال شنين بهذا الخصوص: «إن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد. لذلك أدعو جميع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، للإسهام في مسعى الحوار في ظل احترام النصوص الدستورية، بغية تحقيق حلم الشهداء، وهو بناء جزائر حرة سيدة جديرة بالشعب الجزائري مرفوع الهامة وموفور الكرامة».
وأكَد شنين أن «التوجّه العام للدولة اليوم يتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال، وفق الشرعية الدستورية كخيار استراتيجي مهم، يقول فيها الشعب رأيه بكل حرية ورصانة. وتكون هذه الانتخابات خلاصة مسار حوار وطني شامل مقبول عند غالبية الجزائريين، وتُستخرج منه كل آليات تنظيم انتخابات ديمقراطية شفافة». كذلك أشاد الرئيس الجديد للغرفة السفلى للبرلمان بـ«اضطلاع جهاز العدالة بدوره في محاربة الفساد والمفسدين»، مشيراً إلى أن «إصلاح العدالة يتطلب وقتاً أكبر لضمان المحاكمة العادلة».
أيضاً، وجّه شنين تحية خاصة إلى «أفراد الجيش الوطني الشعبي وكذا أفراد مختلف الأسلاك الأمنية، على ما يبذلونه من جهود جبارة، وتضحيات للذود عن الوطن وحماية حدوده، ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وضمان شروط بسط السكينة واستتباب الأمن والطمأنينة في سائر ربوع الوطن». وأضاف أن «الجيش الوطني الشعبي استجاب لتطلعات الشعب، بخصوص محاربة الفساد وبناء ديمقراطية حقيقية وإنعاش الحياة السياسية». وتابع بأن «ثقافة الشعب الجزائري تقوم على السلم والسلام، كما أنها ثقافة نبذ العنف والتفرقة ورفض العنصرية».

«ذئاب السياسة الشباب»
يعدَ شنين من «ذئاب السياسة الشباب»، كما سمّته صحيفة «لوسوار دالجيري» الفرنكفونية، قبل 20 سنة، وجاء إلى العمل السياسي على خلفية الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية، التي كرّسها دستور عام 1989. إنه من مواليد الصحراء، التي يُعرف أهلها بالهدوء والرزانة وقلة الاهتمام بالعمل السياسي. واشتغل شنين بالإعلام وسيّر إلى وقت قريب صحيفة عنوانها «الرائد»، ثم إنه أيضاً كاتب صحافي نُشرت له مقالات في الصحافة المحلية والأجنبية. وقبل 10 سنوات أطلق مركزاً للدراسات سمّاه «الرائد»، بيد أنه اضطر إلى التخلّي عنه بسبب مضايقات السلطة التي أبدت استياء من حدة المحاضرات والمناقشات ضدها، التي كان يحتضنها المركز.
لقد عاش شنين أهم محطات نشاطه السياسي عندما كان عضواً بـ«حركة مجتمع السلم» الإسلامية. وفي بداياتها كان ملازماً لمؤسسها ورئيسها الشيخ محفوظ نحناح، حتى وفاته عام 2003. ولكن، بعد انتخاب أبو جرة سلطاني رئيساً للحركة، اندلعت الخلافات بين «أبناء نحناح»، فانشق شنين عن الحزب رفقة مجموعة كبيرة من القياديين، وأسسوا «جبهة التغيير» واختاروا عبد المجيد مناصرة قائداً عليهم. ومجدداً، سرعان ما نشب نزاع بينهم، فغادر بعضهم الحزب الجديد، ومنهم شنين، وأطلقوا عام 2013 «حركة البناء الوطني»، التي وضعته على رأس لائحة مرشحيها بالعاصمة في انتخابات البرلمان لعام 2017. وفي تلك الانتخابات، ترأس شنين الكتلة البرلمانية لثلاثة أحزاب إسلامية متحالفة هي «حركة النهضة» و«جبهة العدالة والتنمية» للشيخ عبد الله جاب الله، إضافة إلى حزبه.
ما عدا نشاط شنين المحلي، فإنه عضو في رابطة «برلمانيون لأجل القدس»، وعضو في العديد من مراكز الأبحاث والهيئات السياسية، بجانب عضويته في اتحاد البرلمانيين العرب.
وهو فور تسنّمه رئاسة البرلمان وُجَهت السهام إليه، وكان من أبرز منتقديه الكاتب الصحافي الناشط في الحراك عبد الوكيل بلام، الذي قال: «إن قبول شنّين برئاسة البرلمان هو طعنة غادرة في ظهر ثورة الشعب. إذ من حيث الشّكل... هذا ليس انتخاباً بل تعييناً لا يُعقل تبريره (كما حاولوا) بكلمة (تنازُل) من طرف أحزاب السلطة للمصلحة الوطنية، فهذه الحَوانيت السياسية لا تعرف هذا الشيء الغريب المُسمّى مصلحة وطنية».
بلام يرى أن «عنجهية السعيد بوتفليقة، (شقيق الرئيس السابق الذي كان نافذاً خلال سنوات حكمه، والمسجون حالياً) أغرقت هذا البرلمان في متاهة مُعَقّدة، زاد في تعميقها هذا الحراك العظيم. ومن ثم لم يعد نوّاب أحزاب السلطة قادرين حتى على ارتشاف قهوة في مقهى (لشدة الغضب الشعبي عليهم)، وفرّ كلّهم من ولاياتهم ليختفوا فجأة في فنادق العاصمة، هروباً من مواجهة المواطنين في الشوارع. وزاد من خوفهم سَجن معظم رؤساء هذه الأحزاب، لتعمّ الفوضى هياكلها فلم يبقَ غير وجه محسوب على المعارضة لتزيين هذا المشهد القبيح». ويستطرد بلام: «أقول محسوب على المعارضة، لأن السيد شنّين الذي يملك جريدة (الرّائد) اليومية، التي لا يقرأها صحافيوها، ما زالت تغرف من ريع الإشهار (الإعلان) الحكومي لحد الساعة، وهذا ما يؤكد علاقاته المشبوهة بدوائرها السابقة» حسب زعمه.

«مؤامرة ضد الحراك»!
ووفق بلام أيضاً، «الحديث عن شنّين يشمل في هذا السياق قيادة حركة النهضة، وُحمّل السيد جاب الله مسؤولية المشاركة في هذه المؤامرة المفضوحة موافقةً أو سكوتاً، وهذا ما يحتّم عليه في الساعات القادمة توضيح موقفه مما وقع. وكان أَولى بهؤلاء ترك البرلمان يغرق في دمائه وتعميق عزلته، لا أن يُلقوا إليه بطوق نجاة مانحين إيّاه فرصة تنفُّس جديدة مقابل لا شيء، حيث لا تتجاوز قيمة هذا المنصب كونها مزيّة رمزية لا أثر لفعلها إلا في توزيع مناصب وامتيازات والسيّارات الفاخرة السوداء. لن ينسى هذا الشعب جريمتهم هذه في حق الحراك المُقدّس، وسنعمل على إنعاش ذاكرته كلما نسي».
من جهة أخرى، يقول أستاذ العلوم السياسية محمد هناد، عن شنين والظرف السياسي الذي يحيط بتوليه رئاسة البرلمان، معلّقاً: «يجب أن ننتبه إلى أن انتخاب رئيس جديد للمجلس الشعبي الوطني، المعطَّل منذ بداية الحراك، لن يحل المشكل لأن المشكل يكمن، أصلاً، في كون المجلس ذاته هيئة فاسدة! أما فيما يخصّ الرئيس الجديد، فهو حديث العهد بالمؤسسة، إذ دخل البرلمان عقب انتخابات مايو (أيار) 2017، ضمن قائمة مشتركة لثلاثة أحزاب إسلامية مجتمعة في كتلة واحدة صغيرة يرأسها هو». ويضيف هناد: «يبدو شنين شخصية محترمة، وقد كانت له مواقف مشرفة داخل المجلس. كما أنه لا ينتمي إلى أحزاب العصابة الأربعة (أحزاب السلطة). لكن ما يلفت الانتباه حقاً هو انتماؤه للمعارضة الإسلامية، كما أنه حراكي منذ البداية، وعضو في (فعاليات قوى التغيير لنصرة خيار الشعب)... فكيف وقع الاختيار عليه؟ علماً بأن انتخابه لم يكن ممكناً إلا بفضل تأييد أحزاب الفئة الضالة، إما لأنها لم تستطع أن تتفق فيما ما بينها على مرشح مشترك وإما لأنها أرادت أن تخرج من دائرة الضوء، لتنصرف إلى النشاط من وراء الستار. لذلك من شأن هذا التأييد أن يشكّل مصدر قلق ما دامت تلك الأحزاب لم تؤيده، بسبب ما تقول إنها ترى فيه من (مواصفات)، بل لاعتبارات، لا شك، أن الأيام القادمة ستكشف عنها».
هناد يعتقد أن «كون رئيس المجلس الجديد ينتمي إلى تنظيم إسلامي، يدعو أيضاً إلى بعض التساؤل، حتى وإن لم يحظَ بتأييد حركة مجتمع السلم، ولا حتى رئيس تنظيم عضو في نفس الكتلة البرلمانية. فهل اختيار الرجل يحمل رسالة سياسية ما وتم على أساس غرض معين يخص إعادة النشاط للمجلس المعطّل منذ مدة تحضيراً لتمرير قوانين تكون السلطة بصدد إعدادها في سياق الانتخابات الرئاسية، التي تريدها أن تتم في أقرب وقت ممكن؟».
أما الكاتب المميّز العربي زواق، فيطرح قضية شنين -الذي يعدَ صديقا له- من زاوية أخرى، إذ يقول: «إلى غاية صبيحة يوم انتخاب السيد سليمان شنين رئيساً للمجلس الشعبي الوطني، لم يخطر بباله هو نفسه، أنه سيصبح نهاية الأربعاء العاشر من يوليو (تموز) 2010 رئيساً لغرفة البرلمان السفلى... والمؤكد كذلك أنه لم يخطر ببال قيادة حزبه أو أي زميل آخر من كل النواب أن زميلهم في الحزب وفي النيابة البرلمانية سيصبح بعد ساعات الرجل الثالث في الدولة، فما الذي حصل حتى يحدث كل هذا الزلزال السياسي خلال ساعات معدودات؟».
ويضيف زواق: «عندما نصف ما حدث بالزلزال، فهذا لا يعني أننا أمام حدث مهم بالفعل، أو أن هناك تغيرات وتداعيات كبرى ستحدث خلال الأيام القادمة تقلب الأوضاع السياسية في البلد رأساً على عقب. فالسيد سليمان، قرأ في أول خطاب له بعد تنصيبه مباشرة، كلاماً كأنه صادر عن كاتب خطابات الفريق أحمد قايد صالح. كما بدا محتوى كلمته مطابقاً للخطابات التي يلقيها علينا بين الفينة والأخرى رئيس الدولة عبد القادر بن صالح... والنتيجة هي أننا رأينا رئيساً جديداً للمجلس الشعبي الوطني، ليس ذلك (الشنين) الذي ظل مشاركاً في مسيرات الحراك منذ اندلاعه إلى الجمعة العشرين».
وحسب زواق، «ما حدث من طرح اسم سليمان شنين كبديل للمطرود معاذ بوشارب، ثم الموافقة عليه وتنصيبه، لا يعني إلا شيئاً واحداً وقراءة واحدة، هو أن هناك جهة عليا ونافذة، أصدرت أوامرها لنواب السلطة، حتى يقبلوا هذا الإسلامي رئيساً لمجلسهم».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.