مركبة الفضاء تنافس «حرب الاستنزاف» في صحف مصر

مركبة الفضاء تنافس «حرب الاستنزاف» في صحف مصر

مانشيت الصفحة الأولى 22 يوليو 1969
مانشيت الصفحة الأولى 22 يوليو 1969
TT

مركبة الفضاء تنافس «حرب الاستنزاف» في صحف مصر

مانشيت الصفحة الأولى 22 يوليو 1969
مانشيت الصفحة الأولى 22 يوليو 1969

قبل ثلاثة أيام من انطلاق المركبة الفضائية «أبوللو 11» من الأرض في 16 يوليو (تموز) عام 1969، ووصلت إلى سطح القمر يوم 20 من الشهر نفسه، نشرت «الأهرام» المصرية التي كان يرأس تحريرها الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، تنويها في صدر صفحتها الأولى تُعلن فيه أنها ستقدم تغطية يومية كاملة للحدث تحت عنوان «عصر جديد»، اعتمدت فيها على رسائل موفدها، بجانب ملفات تغطي الجوانب الفنية والتكنولوجية للحدث. حظي الحدث باهتمام واسع من الصحف المصرية، وأوفدت «الأهرام» الحكومية محررها العلمي، صلاح جلال، إلى الولايات المتحدة الأميركية، ليصبح الصحافي العربي الوحيد الذي تابع مباشرة تفاصيل وصول أول إنسان إلى سطح القمر.
وأحال الحدث الاستثنائي وقتها الأخبار المتعلقة بحرب الاستنزاف التي خاضتها مصر عام 1969، إلى الصفحات الداخلية، كما تراجعت وضعية أخبار وصور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى أسفل الصفحة.وجاء المانشيت الرئيسي بالصفحة الأولى لصحيفة «الأهرام»، في عدد الثلاثاء 22 يوليو 1969 تحت عنوان «أطلق رائدا القمر صواريخ مركبتهما عائدين إلى الأرض»، بينما تراجع خبران عن الرئيس عبد الناصر إلى أسفل الصفحة.
عن ذلك يقول الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط» إن «فترة الستينات من القرن الماضي كان لها طبيعة خاصة في كثير من الأمور، بينها الاهتمام بالعلوم والثورة التكنولوجية العلمية كأساس لمشروع النهضة والتحرر الوطني». وأضاف: «كنتُ وقتها طفلاً عمري يقارب 12 عاماً، وكانت مجلات الأطفال تهتم بالعلوم، بهدف تنمية الوعي العلمي لدى الصغار، وحَثهم على الاهتمام بالقضايا العلمية».
ورغم الأجواء السياسية والدبلوماسية المتوترة بين مصر والولايات المتحدة الأميركية، بسبب دعم الأخيرة لإسرائيل، فإن قطاع الإذاعة والتلفزيون المصري (ماسبيرو)، لم يستطع تجاهل حجم الإنجاز العلمي الهائل. وبينما كانت نشرات الأخبار والتقارير الإذاعية والتلفزيونية تهاجم وتنتقد وقتئذ السياسة الأميركية، فإن ثمة مذيعين مصريين انتصروا للخبر العلمي التاريخي الذي يهم البشرية والإنسانية، واحتفوا به وسط أجواء سياسية ملبدة بالغيوم.
«الحدث الكوني المهم» وجد لنفسه مكاناً كبيراً بنشرات الأخبار المصرية، وفق ما ذكره محمد مرعي، أحد رواد الإذاعة المصرية، والجيل الثاني من مؤسسي إذاعة «صوت العرب» المصرية. يقول مرعي لـ«الشرق الأوسط»: «رغم متابعتنا الدائمة لأخبار حرب الاستنزاف، فإن الأخبار العالمية والعلمية أيضا كانت تفرض نفسها». ويذكر مرعي أنه كان هناك اهتمام بالغ بأخبار العالم وقتئذ، وتم إذاعة خبر هبوط الإنسان على القمر بوصفه خبرا عاجلا بالإذاعة المصرية، قبل إذاعته مرات عدة ضمن نشرات الأخبار على مدار أكثر من أسبوع خلال انطلاق وعودة الرحلة.
بدوره، يقول فايز فرح، نائب رئيس الإذاعة المصرية الأسبق: «تم تنحية الخلافات السياسية بيننا وبين أميركا أثناء التعامل مع خبر هبوط مركبة أبوللو 11، بل إن المستمعين تلقوا الخبر بشغف ورغبة كبيرة لمعرفة المزيد من التفاصيل رغم الغضب الشعبي تجاه السياسات الأميركية». ووفق مرعي فإن ساعات إرسال الإذاعة المصرية المحدودة، أجبر مقدمي البرامج على مناقشة حدث الهبوط على القمر التاريخي عبر البرامج الأسبوعية.


مقالات ذات صلة

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق بين يدَي تاكاو دوي نموذج هندسي لـ«ليغنوسات» (رويترز)

أول قمر اصطناعي خشبي في العالم تُطلقه اليابان إلى الفضاء

انطلق أول قمر اصطناعي خشبي في العالم صنعه باحثون يابانيون إلى الفضاء، الثلاثاء، في اختبار مُبكر لاستخدام الأخشاب باستكشاف القمر والمريخ.

«الشرق الأوسط» (كيوتو اليابان)
لمسات الموضة استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)

الموضة تصل إلى القمر

ما أكدته رحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في النصف الثاني من عام 2026 أن التكنولوجيا وحدها لم تعد كافية وأن الموضة وسيلة إغراء قوية.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق بدلة فضاء صُممت بالتعاون مع «برادا» ستستخدمها «ناسا» بدءاً من عام 2026 (أ.ب)

في رحلتهم عام 2026... روّاد الفضاء العائدون إلى القمر يرتدون بزّات من «برادا»

يرتدي رواد فضاء رحلة «أرتيميس3» من «وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)» إلى القمر، التي حُدِّدَ سبتمبر (أيلول) 2026 موعداً لها، بزّات فضائية من دار «برادا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق «شجرة القمر» على الأرض (أ.ب)

مدرسة أميركية تزرع «شجرة القمر» ببذور حلّقت في الفضاء

زُرِعت «شجرة القمر»، كما أُطلق عليها، ببذور طارت حول القمر، ثم وُضعت على عربة شحن برفقة تلاميذ يحملون مجارف للمساعدة في حفر موطنها الجديد.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».