يقول أحد رواد الفضاء إن برنامج «أبوللو» لو كان قد توقف تماماً بعد 21 يوليو (تموز) 1969 فإن العينات المجمّعة من سطح القمر كافية لإعادة تشكيل معرفتنا بالنظام الشمسي بأسره.
في بداية مؤتمر القمر وعلوم الكواكب في هيوستن في شهر مارس (آذار) الماضي، كان هاريسون شميت، رائد الفضاء الثاني الذي سار بقدميه على سطح القمر في رحلة «أبوللو 17»، آخر البعثات القمرية، يحمل بيديه صورة لزميله نيل أرمسترونغ.
وقال الدكتور شميت، العالم الوحيد المدرَّب مهنياً بين رواد بعثات «أبوللو» الفضائية: «دعونا نحتفِ بهذا الرجل العظيم». وانطلقت قاعة المؤتمر بالمليئة بالعلماء في حالة من التصفيق الحاد.
وأضاف الدكتور شميت قائلاً: «تبين أن نيل كان أفضل عالم جيولوجي على سطح القمر. حتى رحلة (أبوللو) بالطبع. فلقد تمكن خلال 20 دقيقة فقط من تجميع مجموعة رائعة للغاية من العينات».
وقبل رحلة «أبوللو 11» كان أبسط الأسئلة عن القمر يثير ارتباك العلماء. على سبيل المثال: كم يبلغ عمر القمر على أي حال؟ وبمجرد البدء في فحص 50 رطلاً من الصخور والتربة التي عاد بها نيل أرمسترونغ وباز ألدرين، سرعان ما بدأت الإجابات في التكشف أمام الجميع: إن القمر قديم جداً.
وقال الدكتور شميت إنه لو كان برنامج القمر قد توقف منذ ذلك التاريخ، من دون المزيد من بعثات الهبوط على سطحه، بما في ذلك رحلته، فإن العينات الأولى من القمر كانت كافية لإعادة صياغة المعرفة الإنسانية بالنظام الشمسي إلى الأبد.
وكان نيل أرمسترونغ قد جمع نوعين من صخور القمر: البازلت، وهو عبارة عن قطع صلبة من الحمم البركانية، والبريشة أو المدملكات، وهي عبارة عن شظايا من الصخور القديمة المدمجة معاً. وكان موقع هبوط المركبة «أبوللو 17» عبارة عن سهل مسطح من الحمم البركانية الجافة، وكان اختياره يرجع لأنه مكان آمن للهبوط، وليس لأنه أثار فضول العلماء.
ومع ذلك، أعادت صخور البازلت القمرية كتابة تاريخ النظام الشمسي. حيث عكست الكمياتُ النسبية من العناصر المشعة طويلة العمر داخل الصخور مجموعةً من العصور القديمة للغاية، ولم يطرأ أي تغيير على تلك الصخور منذ جفافها وتصلبها من الحمم البركانية ما بين 3.6 و3.9 مليار سنة. وهذا أكبر بكثير من كل الصخور الموجودة على سطح الأرض تقريباً التي طالتها التقلبات والضغوط والانصهار والتصلب عبر الأزمنة. وفي حقيقة الأمر، كانت صخور القمر قديمة قدم الأرض نفسها والنظام الشمسي بأسره الذي تشكل على حاله قبل 4.5 مليار سنة.
يقول الدكتور شميت: «عرفنا من واقع ذلك أن القمر سوف يكون، بصفة جزئية، مثل السجل المبكر لتاريخ الأرض. ولم يكن ذلك مفهوماً قبل رحلة (أبوللو 11) ولكنه صار واضحاً ومفهوماً بعد ذلك حتى الآن».
وكان هناك اكتشاف آخر في التربة التي جمعها أرمسترونغ ووضعها في صندوق العينات الذي لم يكن ممتلئاً إلى آخره بعد. احتوت التربة على أجزاء من صخر يعرف باسم الأنورثوسايت. ومن خصائص هذا الصخر المصنوع من معادن البلاجيوكليز أنه يطفو على سطح الصهارة البركانية مثل ما يطفو الجليد على سطح الماء.
وبعد مرور ستة أشهر على رحلة «أبوللو 11»، استخدم فريقان من العلماء من جامعة شيكاغو وجامعة هارفارد، وجود صخر الأنورثوسايت للتوصل إلى فكرة كانت راديكالية وشديدة الغرابة في تلك الأثناء: قال العلماء إن القمر نفسه، وعند مرحلة ما من رحلة تطوره، قد ذاب في محيط هائل من الصهارة البركانية.
ومن الإرث العلمي الآخر للصخور القمرية التي جمعها رواد الفضاء في رحلات «أبوللو»، كيفية استخدام العلماء لهذه الصخور في قياس أسلوب استخدام فوّهات سطح القمر في تحديد أزمان الأماكن في النظام الشمسي.
والمفهوم بسيط للغاية. بمرور الوقت اصطدمت الكويكبات، الصغير منها والكبير، بسطح القمر في مختلف الأماكن. لكن من شأن طبقة من طبقات الجليد أو الصهارة أن تمحو الفوهة وتعيد ضبط الساعة الزمنية. وبالتالي، فإن السطح ذا الفوهات الكبيرة هو أقدم من السطح الأملس الخالي من الفوهات. لكن في حين أن علماء الكواكب تمكنهم معرفة أيٍّ الأماكن هو الأكبر أو الأصغر سناً، فإنهم لم يتوصلوا إلى تحديد أعمار تلك الأماكن على وجه اليقين.
مع تأريخ عمر الصخور الملتقَطة من موقع هبوط «أبوللو 11» تمكن العلماء من معرفة زمن تلك المنطقة من سطح القمر. وكانت الصخور الملتقطَة من رحلات «أبوللو» الخمسة التالية قد ساعدت في تحديد أعمار المناطق الأخرى المناظرة، والتي ارتبطت بأرقام مختلفة من الفوهات في كل منطقة.
وتستخدم أعداد الفوهات المحسوبة حالياً في تحديد أعمار الأجسام في النظام الشمسي الداخلي.
ومن شأن بعثات الاستكشاف الآلية في المستقبل النجاح في إنجاز ما لم يتمكن أرمسترونغ من إنجازه في بعثة عام 1969، حيث كان يجمع العينات من على سطح القمر بآلة جمع العينات.
ولكن نيل أرمسترونغ، طيار الاختبار بالقوات الجوية، قد حبس أنفاس الإنسانية مع توقفه عن مواصلة نشاطه الجيولوجي على سطح القمر والاستمتاع بالمناظر الطبيعية على سطح القمر.
قال أرمسترونغ، بعد خطوات قليلات اتخذها سائراً على سطح القمر: «إنه يحظى بجمال ذاتي باهر، يشبه إلى حد ما صحراء الولايات المتحدة. ولكن الأمر مختلف هنا تماماً، إنه جمال أخّاذ ومثير للذهول».
- خدمة «نيويورك تايمز»
نيل أرمسترونغ... أول رجل على سطح القمر وأكبر الجيولوجيين
كان العالم الوحيد المدرَّب مهنياً في بعثة «أبوللو»
نيل أرمسترونغ... أول رجل على سطح القمر وأكبر الجيولوجيين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة