محمد عساف يعيد «العندليب الأسمر» إلى «قلعة بعلبك» بعد نصف قرن

المايسترو جبر: عبد الحليم ممثل في الأصل وغنى ضمن أفلامه

المايسترو هشام جبر وضع تصور الحفل ويقود الأوركسترا
المايسترو هشام جبر وضع تصور الحفل ويقود الأوركسترا
TT

محمد عساف يعيد «العندليب الأسمر» إلى «قلعة بعلبك» بعد نصف قرن

المايسترو هشام جبر وضع تصور الحفل ويقود الأوركسترا
المايسترو هشام جبر وضع تصور الحفل ويقود الأوركسترا

«غالبية الناس لا يعرفون أنّ عبد الحليم حافظ كان في الأصل ممثلاً سينمائياً أدى الغالبية الساحقة من أغنياته ضمن الأفلام التي شارك فيها. وهو لم يقف على المسرح مطرباً ليؤدي أغنيات ليست لها علاقة بالأفلام إلا بعد أن تدهورت صحته ولم يعد قادراً على تحمل جهد التصوير الطويل والشاق، وهو ما حدث بعد فيلمه (أبي فوق الشجرة)»... هذا ما يخبرنا به المايسترو المصري هشام جبر الذي وضع التصور للحفلة الاستعادية المنتظرة ضمن «مهرجانات بعلبك» للعندليب الأسمر، مساء غد السبت، وأعاد توزيع الأغنيات التي سيؤديها الفنان محمد عساف، ويعدّ المايسترو أنّها فرصة ليكتشف الجمهور الجزء المهم من تراث عبد الحليم حافظ الذي كتب 80 في المائة منه ليغنى في الأفلام، وليس العكس.
وسيقف محمد عساف هذه المرة في القلعة التاريخية المهابة، وتحديداً «معبد باخوس» ليغني في حفل يقترن فيه صوته بأشرطة عبد الحليم ومشاهد من أفلامه، في عمل تناغمي بين الصورة والغناء احتاج جهداً خاصاً. ويتولى المخرج المعروف أمير رمسيس مهمة توليف الفيديوهات المرافقة للأغنيات التي ستؤدى على المسرح. وهي التجربة الثانية بين المايسترو جبر والمخرج رمسيس، بعد تجربة ناجحة في «مهرجان الجونة السينمائي» حيث عملا معاً على عرض استعادي للموسيقى التصويرية ليوسف شاهين بمناسبة ذكرى غيابه العاشرة.
وبدأ الفنان محمد عساف، أمس، والمايسترو هشام جبر والفرقة الموسيقية المصاحبة تدريباتهم في بعلبك، ويقول عساف في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنّه يدرك تماماً التحدي؛ «خصوصاً أن الأغنيات التي أقدمها لعبد الحليم ليست بالسهلة، وأنّ ثمة فرقاً بين الأداء العادي، وهضم الأغنية وإعطاء كل جملة لحنية حقها من الإحساس، وهو ما أسعى إليه من خلال التدريبات». وسيؤدي عساف 12 أغنية يقول إنّ أقربها إلى قلبه «جبار»، وهي بالطبع من الأغنيات الأصعب لعبد الحليم.
ومحمد عساف يعدّ نفسه من السمّيعة، وممن شغفوا باكراً بعبد الحليم؛ «مع ذلك أغلب الأغنيات التي سأقدمها لم تمر عليّ من قبل. وصراحة واجهت صعوبة في الحفظ، وهذا ليس هو المهم؛ بل كيف يمكن الأداء بإحساس عال، ومهارة الدخول في روح الأغنية».
ويقود المايسترو جبر في هذا الحفل فرقة موسيقية من نحو 80 عازفاً مكونة من «أوركسترا راديو رومانيا» إضافة إلى موسيقيين من «الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية». كما يشارك في الحفل كورال الجامعة الأنطونية بقيادة الأب توفيق معتوق. وفي هذا الحفل «السينمائي - الموسيقي» ستشارك محمد عساف المطربة نهى حافظ، من دار الأوبرا المصرية، أداء أغنيتين لتحل معه محل الفنانة شادية في «حاجة غريبة» من فيلم «معبودة الجماهير» و«تعالي أقلّك» من فيلم «لحن الوفاء»...
ويعبر الفنان الفلسطيني محمد عساف عن «رهبة وخوف، لأهمية مهرجان بعلبك تاريخياً، ولتأدية أغنيات واحد من أهم الفنانين العرب الذين صنعوا تراثنا»، الأمر الثالث؛ يقول عساف: «إنّني أقف في هذا المكان وأنا لا أزال في بداية العمر، وهذه الثقة أشكر لجنة المهرجانات عليها، وهي مسؤولية كبيرة، وليست سهلة بالتأكيد. وفي الوقت نفسه أنا متحمس كثيراً لهذا اللقاء، لأنّ الموسيقى والغناء هما شغفي».
وكان المايسترو جبر قد قدم العام الماضي حفلاً استعادياً لأم كلثوم في بعلبك، لقي صدى واسعاً، وهو يعتقد أن «ليس من الحكمة ألا يستثمر وتعاد التجربة من خلال أعمال فنية أخرى، لمطرب يحبه الجمهور. فكما أم كلثوم؛ عبد الحليم أيقونة ثانية».
ورؤية المايسترو بدت واضحة منذ العام الماضي، حيث إنه «لا معنى لتقديم الأغنيات تماماً كما هي في التسجيلات الموجودة. لا بد من التجديد في التوزيع، من دون تغريب، كي لا تنقطع علاقة المستمع بما يعرفه سابقاً، وما أحبه، ويشعر نحوه بنوستالجيا».
وسيستمع الجمهور في هذا الحفل إلى أغنيات: «جبار»، و«الهوى هوايا»، و«جانا الهوى»، و«توبة» وكذلك «يا قلبي يا خالي»، و«شغلوني»، و«بلاش عتاب»، و«أهواك»، و«وحياة قلبي وأفراحه»، و«نعم يا حبيبي» و«حبك نار».
وليس غريباً أن يتم اختيار عساف لأداء هذه المهمة الفنية؛ حسب المايسترو، فهو شبيه بعبد الحليم، ومليء بالأمل والفرح. فيما يؤكد عساف أنّ «المفارقة أرادت أن كانت أول أغنية أطللت بها على الجمهور هي (توبة) لعبد الحليم حافظ التي هي فاتحة أعمال العندليب عند بدء حياته الفنية».
الحفلة بتركيبتها وتوليفاتها تحتاج تنسيقاً بين سير المشاهد السينمائية، وموسيقى الأوركسترا، وغناء الكورال، وأداء المطرب الرئيسي الذي هو محمد عساف... لهذا يقول الفنان الشاب: «أتينا باكراً لنعمل بدقة على كل هذه التفاصيل، ونتمكن من أن نجعل تلك الليلة لا تنسى لعشاق عبد الحليم حافظ... هو من أعطى التراث العربي الكثير».
هي سنة العندليب إذن؛ في مصر كما في لبنان، حيث تقام احتفاليات كثيرة، منها في «بيت الدين». لكنّ هذا الحفل في بعلبك تحديداً، له رمزيته، لأنّ عبد الحليم كان قد زار بعلبك قبل نحو نصف قرن، وغنّى في أحد أفلامه في القلعة، وهو ما ستتم استعادته في هذه الأمسية الخاصة.
سعيد المايسترو جابر بتقديم عبد الحليم الذي يعدّه «ظاهرة استثنائية» ولا يزال الناس من كل الأعمار وحتى الشباب يستمعون إلى أغنياته؛ فهو، إضافة إلى الموهبة، لديه الإصرار، وكان الحظ حليفه. ويقول المايسترو: «جاء عبد الحليم في الوقت الصحيح وفي المكان الصحيح، كل ذلك في لحظة تاريخية فارقة، حيث إنه بعد ثورة (23 يوليو)، رأى كل مصري نفسه في هذا الشاب الصاعد الذي يتألق نجاحاً». حليم هو الإنسان العادي الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة، وجاءته فرصة تقدم من خلالها الصفوف، وطبقته لم تحل دون أن يصبح نجماً كبيراً. ويعدّ المايسترو أنّ «شخصية عبد الحليم لعبت دوراً في هذا النجاح، لأنّه بقي متواضعاً، دمثاً. أحبه الناس بطلاً من دون (إيغو). وكان صوتاً استثنائياً ويجيد التمثيل، وموهوب في علاقته مع الناس، وربما الأهم أنّه كان مديراً ناجحاً لنفسه ولأعماله، وكأنّه مؤسسة فنية متكاملة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».