«واسطة» محمود العسيلي تفجر موجة غضب ضده في مصر

واجه انتقادات حادة من الجمهور والإعلاميين رغم اعتذاره

الفنان المصري محمود العسيلي
الفنان المصري محمود العسيلي
TT

«واسطة» محمود العسيلي تفجر موجة غضب ضده في مصر

الفنان المصري محمود العسيلي
الفنان المصري محمود العسيلي

فجّر مقطع فيديو مسرب من إحدى حفلات الفنان المصري محمود العسيلي، موجة غضب ضده من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إذ طلب أحد المعجبين الشباب التقاط صورة تذكارية معه على المسرح؛ لكن العسيلي رفض وأحرج الشاب. وقال له: «حضرتك بتحبني وكل الناس دي بتكرهني؟... هل معك واسطة لتلتقط صورة معي دون غيرك من الجمهور؟»، وهو ما أثار موجة من التعليقات الغاضبة ضد العسيلي عبر صفحاته على مواقع التواصل.
ورد العسيلي على أحد المتابعين «الغاضبين» على موقع «تويتر»: «حضرتك فاهم الموضوع غلط خالص... دي كانت حفلة كبيرة جداً فيها مئات الطلبة، وواحد منهم مصمم يتصور، ولو اتصورت معاه مش هاغني؛ لأني لازم أتصور مع كل الناس اللي في الحفلة». وأضاف: «قلت له لماذا أوافق على التقاط الصورة معك فقط... من فضلكم لا تحكموا على أمور لم تشاركوا فيها».
وتعرض العسيلي لهجوم شديد من قبل رواد مواقع التواصل، الذين انتقدوا «تطاوله على جمهوره الذي صنع نجوميته»، بحسب وصف كثير من المتابعين الغاضبين.
وقدم المطرب المصري اعتذاراً صريحاً في تغريدة أخرى، قال فيها إن «أي فنان من دون جمهوره لا يساوي شيئاً، وهو صفر على اليسار، كما أنه يعلم أن من تواضع لله رفعه».
وأضاف: «أعتذر بشدة لكل الناس التي تضايقت من الفيديو اللي انتشر، وأعترف أني كنت غير موفق تماماً في اختيار الألفاظ، ولكن الصورة والله ناقصة، وكان كل نيتي عدم تمييز حد عن حد أثناء الحفلة... أنا آسف مرة تانية».
وأشار إلى أن «الشخص كان لحوحاً وصمم على الأمر، كما أن صوته كان مرتفعاً، ما أثر على الغناء، لذلك قررت الرد عليه بهذه الطريقة».
وتعرض العسيلي إلى هجوم من بعض الإعلاميين، أبرزهم ريهام سعيد، التي هاجمت المطرب عبر حسابها الرسمي بموقع «إنستغرام». وقالت: «كنت دائماً أنتقدك بسبب غرورك غير المبرر؛ لكن الآن كرهتك... إلا كسر الخواطر... النجومية أخلاق». وهو ما عرضها مرة أخرى إلى الانتقادات من قبل الجمهور، بسبب حالات الجدل التي تتسبب فيها خلال عملها التلفزيوني.
من جهته، قال الناقد الموسيقي المصري، أشرف عبد المنعم، لـ«الشرق الأوسط»، إن «واقعة الفنان محمود العسيلي ليست مجرد واقعة عابرة؛ بل تلخص حالة عامة تعيشها الحالة الفنية في مصر، تشترك فيها عناصر عدة، أولها التركيز في تصيد أخطاء المطربين والفنانين الذين يحققون نجاحات لافتة في أوقات معينة، والعسيلي حقق في رمضان الماضي شهرة لافتة عبر أغنية (أنا ابن مصر)، التي أصبحت أغنية وطنية بعدما كانت مجرد إعلان تلفزيوني لأحد البنوك الحكومية المصرية».
وأضاف: «تعالي بعض الفنانين الذين يصلون إلى مكانة معينة في كثير من الأحيان يتسبب كذلك في حدوث مثل هذه الأزمات، وبالتالي فإن الفنانين يشتركون في سبب وقوع بعض حالات الجدل بسبب تعاليهم على الجمهور، رغم أنهم كانوا يتوددون إليه ويتقربون منه في بداية ظهورهم، والأمثلة كثيرة جداً على ذلك».
وأوضح عبد المنعم أن «الفنان مهما كان مشهوراً فإنه في النهاية إنسان يخطئ مثل الآخرين، وخصوصاً عندما يتعرض إلى ضغوط أو سخافات من الجمهور»، مشيراً إلى أن «الجمهور في بعض الأحيان يستفز الفنانين أو المطربين على خشبة المسرح، ويؤدون في النهاية إلى خروجه عن المألوف، مثلما حدث مع الفنان الكبير الراحل عبد الحليم حافظ المعروف بهدوئه، أثناء إحدى حفلاته، إذ غضب بصورة غريبة وانتقد الجمهور»، لافتاً إلى أن «موجات الغضب تصادر كل الأصوات العاقلة، وتسير في اتجاه واحد في أغلب الأحيان».
والتحق محمود محمد العسيلي، المولود في عام 1982، بكلية الإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وتخرج فيها عام 2005، وأصدر ألبومات «رايح على فين» عام 2003، و«مين أنا» 2006، و«طول ما انتي جنبي» 2009، و«دنيا جديدة» 2012. وشارك في عدة أغنيات فردية مع عدد من النجوم المصريين.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)