مصر تعالج «التشوهات العمرانية» قرب المتحف الكبير

عبر طلاء المباني السكنية بلون موحد

مصر تعالج «التشوهات العمرانية» قرب المتحف الكبير
TT

مصر تعالج «التشوهات العمرانية» قرب المتحف الكبير

مصر تعالج «التشوهات العمرانية» قرب المتحف الكبير

تواصل الأجهزة المحلية المصرية طلاء العقارات المطلة على «الطريق الدائري» في القاهرة الكبرى، أحد الطرق الرئيسية المؤدية إلى المتحف الكبير المزمع افتتاحه العام المقبل، ويعد طلاء آلاف العقارات المطلة على هذا الطريق الحيوي، الذي يحيط بالعاصمة المصرية من جميع الاتجاهات بمثابة علاج للتشوهات العمرانية التي امتدت بطول الطريق بسبب البناء المخالف والعشوائي في أعقاب فترة الانفلات الأمني التي حدثت بعد «انتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) عام2011».
وبدأت مصر خطة القضاء على التشوه البصري الذي تعاني منه محافظات مصر، والتي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع العام الجاري، بطلاء واجهات المباني بـ«الطوب الأحمر»، على طول الطريق الدائري وصولاً للمتحف المصري الكبير (غرب القاهرة).
ورغم أن مشروع الطلاء لم يحقق الغرض الرئيسي منه، في القضاء على التشوه البصري بشكل تام حتى الآن، خصوصاً في المناطق التي شملها التطوير بأحياء الجيزة والقاهرة، فإنّ عدداً كبيراً من سكان تلك الضواحي الواقعة على حدود العاصمة أشادوا بالفكرة وجرأة تنفيذها في الآونة الأخيرة، وطالبوا بتكثيف الجهود لتجميل المدينة من العشوائيات.
اللواء خالد عصر، رئيس حي العمرانية في محافظة الجيزة، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «انتهينا من طلاء 300 عقار على الطريق الدائري بنطاق حي العمرانية، وخطونا خطوة مهمة نحو القضاء على التشوه البصري وتغطية اللون الأحمر، بألوان فاتحة تريح أعين المواطنين والزائرين». وأضاف: «دفع تجميل المباني المطلة على الطريق الدائري في القاهرة الكبرى، مواطنين كثر إلى دهان منازلهم من تلقاء أنفسهم، باللون نفسه، ولكن بمواد مختلفة رأوا أنّها أفضل من المواد التي تستخدمها المحليات، كما رسم بعض الأهالي أشكالا فنية مميزة تعبر عن التراث الحضاري المصري على واجهات العمارات التي تزيد عن 12 طابقاً، ولاقت الفكرة استحسان الكثيرين من المواطنين والقيادات التنفيذية بمصر».
وأوضح عصر «أنّ طلاء العقارات الحمراء باللون البيج الفاتح، أضفى جمالاً لافتاً على المنطقة التي يمر عبرها السّياح في اتجاه المتحف الكبير ومنطقة الأهرامات من مناطق جنوب القاهرة والجيزة».
وطبقاً للمشروع القومي للهوية البصرية، الذي أعده مجموعة من الخبراء بالتنسيق مع جهاز التنسيق الحضاري، فإنّ لكل مجموعة محافظات بالأقاليم المتنوعة لون موحد. واختار جهاز التنسيق الحضاري المصري ثلاثة ألوان لطلاء واجهات المباني بالمحافظات المصرية، الأول اللون الأبيض للمحافظات الساحلية، واللون البيج الفاتح لمحافظات الوجه القبلي، واللون البيج الغامق لمحافظات القاهرة الكبرى.
ويقول المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري في مصر: إنّه «ليس من المقبول أن يكون الطريق الرئيسي الموصل للمتحف الكبير بهذا القدر من القبح، لذا وضعنا الخطة لعام 2019. التي تستهدف طلاء جميع المباني الواقعة على طول الطريق الدائري كمرحلة أولى».
وأضاف أبو سعدة، في تصريحات صحافية: «توجد إرادة سياسية قوية لوقف التلوث البصري في كافة محافظات مصر».
وتتراوح تكلفة طلاء مبنى مكون من خمسة طوابق بمساحة 200 متر مربع، بين 20 ألف جنيه، و70 ألف جنيه (الدولار الأميركي يعادل 16.6 جنيه مصري)، وفق تقديرات الأحياء المصرية.
ويلزم «قانون البناء الموحد»، رقم 119 لسنة 2008 أصحاب العقارات بدهان وتشطيب واجهات العقارات والمنازل قبل أن يتم توصيل المرافق لها من قبل الأحياء والمدن.
ويجري حالياً طلاء المباني في بعض المناطق الأثرية التي يزورها السياح، على غرار العقارات المجاورة لمطار القاهرة الدولي، خصوصاً في منطقة النزهة، بالإضافة إلى الطرق والمحاور الرئيسية، المؤدية إلى أهرامات الجيزة».
ولن يعاد طلاء المباني المطلية بشكل جيد «إذا كان هناك تناسق لوني» وفق ما ذكره أبو سعدة، الذي أكد أيضاً أنّ «المباني والبيوت الأثرية لن يتم تغيير ألوانها».
كامل محمد، موظف في القطاع الخاص بمصر، وأحد سكان قرية المعتمدية، التي تطل على الطريق الدائري غرب الجيزة، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نظن أنّ هذه الكتل الخرسانية ستبقى هكذا على حالها المقزز، ولكن ثمة تغيير إيجابي يحدث الآن، رغم عدم رضاء السكان عما يحدث بسبب تحمل تكلفة الطلاء، واتجاه بعضهم إلى طلاء العقارات بمواد رخيصة الثمن فوق الطوب الأحمر مباشرة، كنوع من تنفيذ التعليمات فقط». وأضاف: أنّ «دهان العقارات المطلة على الطريق الدائري أمر رائع، لكنّه لم يقض على التشوه لأنّ موظفي المحليات والسكان يكتفون بطلاء الواجهات الأمامية على الطريق فقط، بينما تبقى الجوانب الأخرى باللون الأحمر بالإضافة إلى العمارات الأخرى التي تليها». ولفت إلى أنّ «التطوير يقتضي تطوير المناطق العشوائية بشكل كامل، ولا يقتصر على الطلاء بمواد رخيصة لتأدية الواجب وحسب».
وتواصل وزارة الآثار المصرية تنفيذ الأعمال الإنشائية في المتحف الكبير، الذي يطل على أهرمات الجيزة الشهيرة، وتزيد مساحته عن 117 فداناً، ويضم أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، وسيعرض به ولأول مرة مجموعة مقتنيات الملك توت عنخ آمون كاملة، ويبلغ عددها أكثر من 5 آلاف قطعة، كما تعرض بالمتحف نحو 50 ألف قطعة أثرية مصرية، ويضم 28 محلاً تجارياً بمساحات متنوعة، و10 مطاعم، بالإضافة إلى مركز للمؤتمرات، وقاعة عرض ثلاثية الأبعاد تتسع لـ500 شخص.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».