مخاوف من «التهجير الجماعي» و«التطهير العرقي» بعد حملة هدم واسعة في القدس

حي وادي الحمص مهدد بالكامل رغم أنه يقع في المنطقة «أ»

القوات الإسرائيلية تهدم منشآت زراعية في وادي الغروس شرق الخليل بحجة أنها «غير قانونية» (وفا)
القوات الإسرائيلية تهدم منشآت زراعية في وادي الغروس شرق الخليل بحجة أنها «غير قانونية» (وفا)
TT

مخاوف من «التهجير الجماعي» و«التطهير العرقي» بعد حملة هدم واسعة في القدس

القوات الإسرائيلية تهدم منشآت زراعية في وادي الغروس شرق الخليل بحجة أنها «غير قانونية» (وفا)
القوات الإسرائيلية تهدم منشآت زراعية في وادي الغروس شرق الخليل بحجة أنها «غير قانونية» (وفا)

هدمت السلطات الإسرائيلية، أمس، محال تجارية في القدس، فيما يهدد الهدم 16 بناية سكنية في صور باهر بالمدينة، ويتوقع أن تباشر السلطات هدمها في أي وقت.
وسوّت جرافات إسرائيلية بالأرض 4 محال تجارية في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، بعدما حاصرت قوات كبيرة من الشرطة والقوات الخاصة حوش أبو تايه في حي عين اللوزة بالبلدة. واشتبك محتجون مع الشرطة التي اعتدت على المتظاهرين ومنعتهم من الوصول إلى المحال.
ونفذت سلطات الاحتلال عملية الهدم بعد ساعات من إخلاء محمد العباسي محاله التجارية. وتلقى العباسي إخطاراً من بلدية الاحتلال في القدس بهدم هذه المحال أمس الأربعاء؛ بحجة البناء دون ترخيص.
وقال ياسر طعمة، وهو مستأجر لدى العباسي، إنه فقد وأشقاؤه مصدر الرزق الوحيد الذي يكفل 3 عائلات.
والعباسي وطعمة وغيرهم مثال لآلاف آخرين من الفلسطينيين في القدس، يعانون من صعوبة بالغة في استيفاء الإجراءات المعقدة التي تطلبها بلدية الاحتلال، مقابل منحهم رخص البناء، وهي إجراءات تحتاج إلى سنوات وتكلف عشرات آلاف الدولارات.
ووثق «مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسليم)»، أن إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لمنع التطوير والبناء المخصّص للسكّان الفلسطينيين، مقابل البناء واسع النطاق وتوظيف الأموال الطائلة في الأحياء المخصّصة لليهود فقط، وفي كتل الاستيطان التي تشكّل «القدس الكبرى».
وقال «بتسيلم» إن بلدية القدس تمتنع عن إعداد خرائط بناء تفصيلية للأحياء الفلسطينية، علما بأنه فقط بوجود مثل هذه الخرائط يمكن إصدار تراخيص البناء. وهذا الوضع يُنشئ نقصاً حادّاً في المباني السكنيّة والمباني العامّة، كالمدارس والعيادات الصحّية ومرافق البنى التحتية، بما في ذلك الشوارع والأرصفة وشبكات المياه والمجارير... إلخ، وفي المراكز التجارية والترفيهية.
وأضاف: «إنه في غياب احتياطي الأراضي يضطر السكان الفلسطينيون - الذين ازدادوا بمعدل كبير منذ 1967 - إلى العيش بكثافة خانقة في الأحياء القائمة. وهذا الواقع لا يُبقي للسكّان الفلسطينيين خياراً سوى البناء دون ترخيص».
وفي حين كانت الجرافات الإسرائيلية تهدم المحال في سلوان، هدمت جرافات أخرى منشأة تجارية في قرية صور باهر، و«بركس» في حي بيت حنينا كما جرفت بعض الأراضي.
وتأتي حملة الهدم الجديدة في وقت يواجه فيه حي وادي الحمص التابع لقرية صور باهر في المدينة مصير هدم كلي، رغم أن الحي أصبح خارج حدود البلدية.
وتنتهي اليوم الخميس مهلة كانت منحتها سلطات الاحتلال لأهالي الوادي لهدم منازلهم بأيديهم قبل أن تهدمها الجرافات الإسرائيلية.
وقال حمادة حمادة، رئيس لجنة حي وادي الحمص، إن مهلة جيش الاحتلال لأهالي حي وادي الحمص لهدم منشآتهم السكنية بأيديهم تنتهي في 18 يوليو (تموز) الحالي، محذراً من عملية هدم جماعي مرتقبة. وأضاف: «سلطات الاحتلال أبلغت شركة الكهرباء نيتها هدم المنازل في صور باهر، وطالبتها بفصل التيار الكهربائي» من دون تحديد موعد. وتسيطر حالة من الغضب والقلق في الحي العربي الذي ينتظر أنه تهدم إسرائيل فيه نحو 100 شقة في 12 بناية.
وحصل الأهالي على تراخيص من السلطة الفلسطينية لبناء منازلهم باعتبار أن الحي يقع ضمن تصنيف المنطقة «أ»، لكن إسرائيل تقول إن الأمر يتعلق بالأمن في مدينة القدس. ويقع حي وادي الحمص خارج حدود بلدية القدس بعدما وضعت إسرائيل جداراً فاصلاً حول المدينة، لكن إسرائيل تتعامل معه على أنه منطقة أمنية محيطة بالجدار.
وطالبت السلطة الفلسطينية، أمس، بمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين على انتهاكاتهم الجسيمة للشرعية الدولية وقراراتها وللقانون الدولي الإنساني. وقالت السلطة إن الدعم الأميركي لإسرائيل سمح لها بالتمادي في مشروع «تهويد» القدس بما يشمل «التطهير العرقي للفلسطينيين» من المدينة و«إغراقها بأعداد ضخمة من المستوطنين».
ووصف محافظ القدس عدنان غيث أسباب إسرائيل بأنها «حجج واهية وباطلة» لأن «الجدار غير قانوني، ويفصل المواطنين بعضهم عن بعض، ويحول التجمعات السكانية إلى كانتونات».
والخطر الذي يتهدد القدس كان على طاولة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وأدان عباس والمنظمة «سياسة التطهير العرقي التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في مدينة القدس ومحيطها، بما في ذلك الاستيلاء على ممتلكات الكنائس». وحذرت المنظمة «من التعرض للبنايات السكنية في حي وادي الحمص».
وقال وزير القدس فادي هدمي لسفراء وقناصل دول أجنبية زاروا المكان الثلاثاء الماضي: «نحن نتطلع منكم إلى اتخاذ إجراءات وخطوات من أجل وقف هذه الإجراءات غير القانونية التي قد تؤدي إلى عملية تهجير واسعة». وتخشى السلطة من عمليات تهجير أوسع نطاقاً في القدس وخارجها.
وقال رئيس «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» الوزير وليد عساف، إن الاحتلال يذهب في مخططاته إلى ضم مزيد من الأراضي الواسعة وتهيئة الوضع العام، لفصل المناطق بعضها عن بعض، عبر الاستيطان وسياسة التهجير وصولاً إلى الانتقال من الهدم الفردي إلى الهدم الجماعي».
ومع واقع أن آلاف الفلسطينيين في المدينة يعيشون تحت التهديد المستمرّ بهدم منازلهم أو محالّهم التجاريّة، التي يقدرها المسؤولون الفلسطينيون بأكثر من 20 ألف منزل، فإنه منذ عام 2004 وحتى نهاية 2018 هدمت السلطات الإسرائيلية 803 منازل في القدس الشرقية.
وهذه السياسة متبعة منذ بداية الاحتلال، لكنها توسعت مؤخراً. ويقول «مركز المعلومات الوطني» إن عدد المنازل التي هدمت منذ احتلال إسرائيل القدس عام 1967 بلغ نحو 1900 منزل؛ وذلك في وقت يشتد فيه الصراع السياسي والقانوني حول مستقبل المدينة.
وقال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، إن مدينة القدس اليوم «تواجه أخطر هجمة استعمارية إسرائيلية في ظل تبني الإدارة الأميركية الرواية الصهيونية ومباركتها بالكامل، علاوة على مشاركتهم بكل وقاحة وصفاقة في افتتاح مشروع استعماري في قلب القدس ويمس بمكاناتها الدينية والحضارية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».