50 عاماً على هبوط أول إنسان على سطح القمر

بعثة «أبوللو 11» مثلت أعظم إنجاز بشري في استكشاف الكون

الرائدان نيل أرمسترونغ وأدوين ألدرين أثناء تدريباتهما الأرضية
الرائدان نيل أرمسترونغ وأدوين ألدرين أثناء تدريباتهما الأرضية
TT

50 عاماً على هبوط أول إنسان على سطح القمر

الرائدان نيل أرمسترونغ وأدوين ألدرين أثناء تدريباتهما الأرضية
الرائدان نيل أرمسترونغ وأدوين ألدرين أثناء تدريباتهما الأرضية

في العشرين من يوليو (تموز) 1969، شاهد 600 مليون شخص بلهفة وقلق، رائدي الفضاء نيل أرمسترونغ وإدوين إي. «باز» ألدرين جونيور، يطآن بأولى خطواتهما سطح القمر. وبهذا صنع أرمسترونغ وألدرين التاريخ كأول كائنين بشريين يتركان آثار أقدامهما على الحطام الصخري القمري، مع بصمة أبديّة بسفرهما الشجاع إلى خارج الكوكب.
وفي هذه الأيام تحتفل البشرية بمرور خمسين عاماً على رحلة ألدرين، أرمسترونغ، ومايكل كولينز الجريئة إلى القمر. ويعود الفضل في هذا الإنجاز التاريخي لأميركيين كثيرين وليس فقط للثلاثي المذكور. ففي الكواليس، عمل أكثر من 400 ألف شخص على تحقيق وإنجاح مهمة الهبوط على القمر.
شكّلت المهمة التي حملت اسم «أبوللو 11» تتويجاً لبرنامج «أبوللو» الذي سرّع سفر البشر إلى الفضاء أكثر من أي وقت مضى، إذ أقلعت في أكتوبر (تشرين الأول) 1968، أولى الرحلات المأهولة من برنامج أبوللو، وبعد أقل من عام، تبعتها «أبوللو 11». وفي غضون سنوات قليلة، هبط ما مجموعه 6 بعثات فضائية حملت معها 12 رائد فضاء أميركيا إلى سطح القمر.
وهذا الهدف الذي بدا مستحيلاً، حقّق للولايات المتحدة انتصاراً عظيماً على عدوها من الحرب الباردة الاتحاد السوفياتي السابق، في السباق الفضائي المستمر حتى اليوم. وبعد 50 عاماً على بعثة «أبوللو 11»، يحتفل الناس حول العالم مرة أخرى بالهبوط على القمر وبتأثيره الحي حتى اليوم.

- «اخترنا الذهاب إلى القمر»
«إننا اخترنا الذهاب إلى القمر»، عبارة قالها جون كينيدي، الرئيس الأميركي عام 1962، أمام حشد كبير تجمهر في ستاد رايس في تكساس. وقد بثّ ذلك الخطاب طاقة جديدة في السباق الفضائي الدائر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي آنذاك، كان فيه خصما الحرب الباردة مصممين على تحقيق حلم الهبوط البشري الأول على سطح القمر قبل الآخر.
ارتكزت الجهود الأميركية في هذه المنافسة على مشروعين آخرين سبقا أبوللو هما «مشروع مركوري» الذي بدأ عام 1958، و«مشروع جيميني» الذي تبعه عام 1961. ولكن حتى تحقيق الهبوط البشري على المريخ أخيراً، كان برنامج الاتحاد السوفياتي هو السبّاق ببعثاته الناجحة التي ضمت «سبوتنيك»، أول قمر صناعي يدور حول الأرض، و«لونا 2»، أول مسبار أرضي يلامس القمر.
ويقول عاصف صديقي، المؤرخ الفضائي من جامعة فوردهام في نيويورك في مقابلة أجراها مع موقع «سبيس.كوم»: «أعتقد أن الولايات المتحدة كانت تفتقر إلى الثقة بالنفس وتشعر أنها تأتي في المرتبة الثانية. فقد شكّلت جميع الأحداث الهامة التي شهدها السباق الفضائي في بداياته، إنجازات للاتحاد السوفياتي. وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تشعر أنّها تتصدّر العالم مع تنامي اقتصادها، وتتوقّع أن تكون صاحبة الفضل في أي تقدّم يحصل في مجال العلوم والتكنولوجيا». ولكنّ هذه التوقعات لم تصب في السباق الفضائي حيث تمكّن الاتحاد السوفياتي من التفوق مراراً عليها.
لهذا السبب، قرر كينيدي عام 1961 تولّي زمام الأمور واقترح على الكونغرس هدف «إرسال رجل إلى القمر واستعادته سالماً إلى الأرض» بحلول نهاية العقد. وتجدر الإشارة إلى أن فكرة البعثة القمرية كانت قد نوقشت للمرة الأولى في عهد إدارة الرئيس آيزنهاور، ولكنّها لم تصبح حقيقة إلّا بعد إعلان الرئيس كينيدي. تحولت هذه المهمة شبه المستحيلة بسرعة إلى الهدف الأول والأهم لبرنامج أبوللو الذي يعرف أيضاً بـ«مشروع أبوللو».
تطلّب هذا الهدف الكبير ميزانية كبيرة بحجم طموحه وانتهى الأمر بالحكومة الأميركية إلى جمع 25 مليار دولار في الستينيات لتنفيذ برنامج أبوللو، أو ما يعادل 2.5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلّي لعشر سنوات.
استمر مشروع أبوللو من عام 1962 حتى 1972، ونجحت وكالة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» في تحقيق حلم كينيدي عام 1969. ورغم أنّ رواد فضاء آخرين زاروا سطح القمر بعد أبوللو 11، فإنّ الانتصار الحقيقي يبقى لأول من هبط على سطحه في التاريخ.
- تجارب مريرة وناجحة
لم تكن بعثة أبوللو 11 لتنجح لولا البعثات التي سبقتها. فقد أرست هذه الرحلات أساس الهبوط القمري ولعبت دور قواعد الاختبار للتقنيات والاستراتيجيات المزدهرة التي استخدمت أخيراً في البعثة الكبرى.
تعرضت المحاولة الأولى لإطلاق أبوللو 11 التي كانت تحمل اسم «ساتورن 204» في ذلك الوقت إلى حادثة مؤسفة نتجت عن اشتعال وحدة التحكّم فيها مما أدّى إلى مقتل رواد الفضاء الثلاثة الذين كانوا على متنها وهم إد وايت، وروجر تشافي، وغاس غريسوم.
صورت هذه الحادثة للبعض أنّ برنامج أبوللو انتهى قبل أن يبدأ، ولكنّها في الحقيقة، حثّت «ناسا» على تحسين متطلّبات سلامة رواد الفضاء.
ثم استأنفت البعثات المأهولة عملها مع «أبوللو 7» التي انطلقت في 11 أكتوبر 1968، ودارت حول الأرض لأكثر من أسبوع لتعود إلى الأرض في 22 من الشهر نفسه، دون أي مشاكل تذكر.
بعدها بوقت قصير، انطلقت بعثة «أبوللو 8» في 21 ديسمبر (كانون الأول) وعكست تقدّماً ملحوظاً في البرنامج، حيث إنها كانت الرحلة الأولى التي تصطحب رواد فضاء إلى ما بعد مدار الأرض المنخفض لتبلغ مدار القمر، وتعود بهم إلى الأرض.
خلال هذه الرحلة أيضاً، التقط رائد الفضاء بيل أندرز صورة «شروق الأرض» الشهيرة التي تظهر كوكبنا وكأنّه يتحرك فوق سطح القمر.
بعدها، تلتها مهمة «أبوللو 9» في 3 مارس (آذار) 1969، وعادت سالمة إلى الأرض بعد أسبوع واحد. عمل طاقم هذه البعثة خلال الرحلة على اختبار جميع أشكال ووظائف الوحدة القمرية في مدار الأرض وأثبتوا قدرة المركبة على العمل بشكل مستقلّ بعد تأديتها لجميع مناوراتها بنجاح. وأخيراً وليس آخراً، انطلقت بعثة «أبوللو 10» في 18 مايو (أيار) من العام نفسه، أي قبل شهرين من «أبوللو 11». حملت هذه البعثة معها وحدة «تشارلي براون» للقيادة والخدمات، وأثبتت أنّ الطاقم، والمركبات، ومنشآت دعم البعثة جميعها جاهزة للهبوط على سطح القمر.
- مركبة فضائية متميزة
عندما حان الوقت أخيراً لإرسال البشر إلى القمر، قررت «ناسا» إطلاق البعثة على صاروخ «ساتورن الخامس».
حمل هذا الصاروخ ثلاث وحدات إلى مدار الأرض، ضمت وحدة القيادة التي ستتولى نقل الرواد إلى ومن القمر، بالإضافة إلى الوحدة القمرية التي ستهبط بالرائدين ألدرين وأرمسترونغ على سطح القمر.
> «ساتورن الخامس». انطلق صاروخ ساتورن الخامس العملاق من قاعدة الإطلاق 39A في مركز كينيدي الفضائي في فلوريدا، وقد عُرف بأنّه الأطول والأقوى في ذلك الوقت. وكان قد استخدم أيضاً لإطلاق محطة «سكاي لاب» الفضائية بعد بعثة أبوللو 11.
> مركبة أبوللو. على متن صاروخ ساتورن الخامس، أطلقت أبوللو 11 وحدة القيادة والخدمات ومركبة الوحدة القمرية. ضمت مركبة القيادة طاقم الرواد الفضائيين، إلى جانب أنظمة تشغيل المركبة والمعدّات المطلوبة للعودة. تتألف وحدة القيادة من ثلاثة أقسام هي القسم الأمامي الذي يأتي على شكل أنف مخروطي في الصاروخ، والقسم الخلفي في قاعدة الوحدة، وقسم الطاقم. ويحتوي القسم الأول على المظلات المخصصة للهبوط على الأرض، بينما يضم القسم الخلفي في القاعدة خزّانات مواد الدفع، ومحركات التحكّم، والأسلاك. في قسم الطاقم، جلس رواد الفضاء على ثلاث آرائك مواجهة لقلب المركبة، أتاحت لهم فرصة رؤية الخارج عبر خمس نوافذ.
ومن أهم الميزات التي صاحبت تصميم وحدة القيادة كان الدرع الحرارية التي أتاحت للمركبة الاستمرار في ظل درجات حرارة شديدة الارتفاع أثناء دخولها من جديد في مدار الأرض الجوي.
كانت مركبة أبوللو 11 متصلة بخلفية وحدة القيادة في الجزء الأكبر من مدّة الرحلة. أما وحدة الخدمات، التي كانت تحمل خزانات وخلايا الوقود، وخزانات الأوكسيجين والهيدروجين، فقد زودت وحدة القيادة بالطاقة، والدفع والمساحة للحمولة الإضافية.
وأخيراً، شكّلت الوحدة القمرية «إيغل» التي تقبع تحت وحدة القيادة والخدمات، القطعة الأخيرة في أحجية الأبوللو، وكانت هي المسؤولة عن حمل أرمسترونغ وألدرين إلى سطح القمر خلال رحلتهما التاريخية.
بعد تفقّد الرائد كولينز للوحدة القمرية، فصلها ألدرين وأرمسترونغ عن وحدة القيادة والخدمات واتجها إلى سطح القمر. وكانت الوحدات القمرية التابعة لأبوللو أولى المركبات المأهولة التي عملت في الفضاء فقط.
حملت الوحدة القمرية رائدي الفضاء بالإضافة إلى «حزمة أبوللو للاختبار العلمي الأولي» التي صممت خصيصاً لتُترك على سطح القمر.
ضمت الحزمة أدوات علمية إضافية لجمع العينات القمرية، مما أتاح إحضار أولى العينات الأرضية من القمر إلى الأرض على متن تلك البعثة. وقد جمع أرمسترونغ وألدرين 22 كلغم من المواد من القمر ضمت 50 صخرة، وتربة، وحصى، ورمل وغبار.
- تأثير بعثة أبوللو
إنّ التوتر الجيو - سياسي الذي أحدثه نجاح أبوللو 11 وما مثّله من انتصار للولايات المتحدة لم يعزّز السباق إلى القمر فحسب، بل ساهم أيضاً في إشعال الحماسة الشديدة تجاه الفضاء، وأخذ الأميركيون من جميع الفئات العمرية، يعتبرون رواد ناسا مثالاً أعلى لهم.
من جهته، رأى الخبراء أنّ «الصورة الثقافية والخيالات التي تتمحور حول أبولو قوية جداً إذا ما نظرنا إلى الصور ورواد الفضاء». وازدادت هذه الصورة البطولية الخارقة عظمة مع انتشار وتنامي روايات الخيال العلمي والأفلام.
لا يزال التفسير الرومانسي الذي أعطى لبرنامج الهبوط على القمر يرمي بظلاله على الاستكشاف الفضائي حتى يومنا هذا. إذ وبعد خمسين عاماً على أبولو 11، تعمل «ناسا» على إرسال مركبات فضائية إلى كوكب بلوتو، وسطح المريخ وإلى الشمس. كما اكتشف الباحثون كواكب خارجية شبيهة بالأرض، وساهموا في توسيع معرفتنا بالنظام الشمسي والكون بتفاصيل أهم وأكثر على مر العقود.
إلّا أنّ كثيرين لا يزالون يعتبرون أنّ هبوط أبولو 11 على سطح القمر هو أعظم إنجاز تم تحقيقه في عالم السفر الفضائي.
- بعثات فضائية مقبلة إلى القمر
لم تطأ أقدام البشر سطح القمر منذ بعثة أبولو 17 عام 1972، وتساءل الناس طوال عقود، عن سبب عدم العودة إلى القمر والتزام الإدارة الأميركية بهذا القدر من العمل الفضائي. ولكنّ ناسا استأنفت الحديث منذ مدّة عن عزمها إرسال رواد فضاء للهبوط مجدّداً على سطح القمر.
وقد أعلنت إدارة الرئيس ترمب أخيراً عن جدول زمني جديد وملزم لعودة الرواد إلى القمر. وفي 26 مارس، أعلن مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، أنّ الولايات المتحدة تعتزم الهبوط ببعثات مأهولة جديدة على سطح القمر خلال خمسة أعوام.
من جهته، أفاد جيم برايدنستاين، مدير ناسا، بأنّ الوكالة ستبدأ بتحقيق هذا الهدف بإرسال طاقم إلى مسافة قريبة من القمر بحلول 2022، ومن ثم إرسال رواد فضاء إلى قطب القمر الجنوبي بحلول 2024، مشيراً إلى أنّ هذا الجدول الزمني سيجهّز للهبوط على سطح كوكب المريخ في 2033.
وتهدف الدفعة القمرية الجديدة تحت عنوان «برنامج أرتميس» الاستمرار أكثر من برنامج أبولو، حيث قال برايدنستاين في مقر ناسا في 14 فبراير (شباط) الفائت إنّ «الوكالة ستذهب إلى القمر هذه المرة لتبقى». وكانت الوكالة قد وضعت خطة لبناء محطة فضائية ستدور حول القمر على شكل منصّة يستخدمها رواد الفضاء لبلوغ مواقع أكثر تنوعاً من سطح القمر. بدوره، كشف بنس أنّ خطة الإدارة الأميركية تتضمن بناء قاعدة قمرية دائمة. ولكنّ ناسا لن تعمل وحيدة هذه المرة على إرسال البشر إلى القمر، بل تسعى لبناء شراكات مع دول أخرى وشركات تجارية أميركية. حتى الساعة، استعانت ناسا بشركة «ماكسار» لبناء عناصر الطاقة والدفع الخاصة بمحطة «غيتواي» القمرية. وأعلنت الوكالة أيضاً أنّها تدرس التعاون مع شركات «أستروبوتيك» و«إنتويتيف ماشينز» و«أوروبت بيوند» للعروض التقنية والتجارب العلمية الأولى التي ستقوم بها في إطار مشروع «أرتميس».
في الوقت نفسه، تسعى بعض الشركات الخاصة إلى الوصول إلى القمر بمشاريعها الخاصة. فقد أعلنت شركة «سبيس إكس» مثلاً أنّها تعتزم إرسال مواطنين في رحلات خاصة إلى القمر.
أما على صعيد الدول، تخطّط وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (جاكسا) لإرسال رواد فضائيين إلى سطح القمر بحلول 2029، حتى إنّها تعمل على بناء مركبة بالتعاون مع تويوتا لاستكشافه.
وفي المدى القريب، سيشهد العالم إطلاق بعثتين قمريتين هذا العام. إذ استهلّت الصين عامها بالهبوط على الجهة البعيدة من القمر لأول مرة في تاريخ البعثات القمرية، بواسطة بعثتها الآلية «تشينج 4». وتخطط حكومتها أيضاً لإطلاق بعثتها الثانية «تشينج 5» ومهمتها استعادة العينات القمرية من البعثة الأولى مع أواخر هذا العام.
بدورها، تعمل الهند أيضاً على تنظيم بعثات آلية ومأهولة إلى القمر. كما تخطط لإطلاق مركبة «شاندرايان - 2» التي تضم مسباراً، وسفينة هبوط، وعربة جوالة في أواخر هذا العام.


مقالات ذات صلة

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ شعار وكالة «ناسا» (رويترز)

ترمب يرشح جاريد إيزاكمان لرئاسة «ناسا»

رشح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب اليوم الأربعاء جاريد إيزاكمان لقيادة إدارة الطيران والفضاء (ناسا).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق صورة رادارية تكشف عن قاعدة عسكرية مهجورة في غرينلاند (ناسا)

إنجاز علمي جديد... «ناسا» ترصد «مدينة تحت الجليد» مدفونة في غرينلاند

كشفت صورة رادارية التقطها علماء «ناسا» أثناء تحليقهم فوق غرينلاند عن «مدينة» مهجورة من حقبة الحرب الباردة تحت الجليد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق رواد الفضاء ماثيو دومينيك ومايكل بارات وجانيت إيبس يعقدون مؤتمراً صحافياً في مركز جونسون الفضائي في هيوستن (أ.ب)

بعد 8 أشهر في الفضاء... رواد «ناسا» يرفضون الإفصاح عن شخصية من أصيب منهم بالمرض

رفض 3 رواد فضاء تابعين لـ«ناسا» انتهت مهمة طويلة قاموا بها في محطة الفضاء الدولية بالمستشفى، الشهر الماضي، كَشْفَ مَن منهم كان مريضاً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».