نقل تابوت توت عنخ آمون من مقبرته يثير جدلاً في مصر

{الآثار} تبدأ ترميمه لعرضه ضمن مجموعة للملك بالمتحف الكبير

تابوت توت عنخ آمون بعد نقله للمتحف الكبير (وزارة الآثار)
تابوت توت عنخ آمون بعد نقله للمتحف الكبير (وزارة الآثار)
TT

نقل تابوت توت عنخ آمون من مقبرته يثير جدلاً في مصر

تابوت توت عنخ آمون بعد نقله للمتحف الكبير (وزارة الآثار)
تابوت توت عنخ آمون بعد نقله للمتحف الكبير (وزارة الآثار)

أعلنت وزارة الآثار المصرية، عن بدء أعمال ترميم تابوت الملك توت عنخ آمون، في أعقاب نقله من موقعه بمقبرة الملك الشاب بوادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر)، إلى المتحف المصري الكبير بالجيزة، وهو ما أثار حالة من الجدل بين الأثريين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة السرية التي أحاطت بعملية نقل التابوت، والتي لم يعلن عنها إلا بعد 5 أيام من إتمامها.
وقالت الوزارة، في بيان صحافي صدر في ساعة متأخرة، من مساء أول من أمس، إن «الوزارة بدأت ترميم التابوت الخشبي المذهب للملك توت عنخ آمون، والذي تم نقله من مقبرة توت عنخ آمون، إلى المتحف المصري الكبير منذ أيام، تمهيداً لعرضه ضمن مجموعة الملك الذهبي»، مشيرة إلى أن «نقل التابوت تم وسط إجراءات أمنية، وتحت إشراف المرممين والأثريين، وبالتعاون مع شرطة السياحة والآثار».
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في البيان، إن «عملية نقل التابوت تمت بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار المصرية، في جلستها في شهر يونيو (حزيران) 2019، لتنفيذ أول عملية ترميم للتابوت منذ اكتشاف المقبرة عام 1922».
وجاء بيان وزارة الآثار في أعقاب حالة من الجدل والتساؤلات حول مصير التابوت، بعد اكتشاف غيابه من المقبرة، ما أثار حالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يستطع البيان الرسمي تهدئتها.
الدكتور محمد عبد المقصود، أمين عام المجلس الأعلى للآثار الأسبق، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «تأخر الوزارة في الإعلان عن عملية النقل، وإخفاءها بهذه الطريقة يثير كثيراً من التساؤلات، كما أن هذا التعامل لا يليق بملك بحجم وأهمية توت عنخ آمون»، مشيراً إلى أن «توت عنخ آمون يعد واحداً من أشهر ملوك مصر، وشهرته نابعة من المقتنيات التي تم العثور عليها في مقبرته، والتي وثقها هيوارد كارتر بالكامل عند اكتشافها».
وأضاف عبد المقصود أن «جميع مقتنيات توت عنخ آمون تم نقلها بعد الاكتشاف، وبقي التابوت الخشبي المذهب، وبداخله مومياء توت عنخ آمون، داخل تابوت حجري»، معتبراً «ترك المومياء بلا تابوت بهذا الشكل أمر مهين إنسانياً وأخلاقياً، ومهنياً أيضاً»، وتابع بأن «وزارة الآثار جردت المقبرة من أهم مقتنياتها، وهو التابوت الخشبي المذهب».
لكن الدكتور الحسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «نقل التابوت ربما تم بعد عملية تقييم لوجوده داخل المقبرة، ومدى تأثره بالزيارات السياحية، وحتى يتم عرض مجموعة توت عنخ آمون كاملة للمرة الأولى بالمتحف المصري الكبير، الذي يعتبر بيت توت عنخ آمون».
وأوضح الدكتور الطيب عباس، مدير عام الشؤون الأثرية بالمتحف المصري الكبير، أن «التابوت سيتم عرضه ضمن سيناريو العرض المتحفي لمجموعة الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير، مع باقي التوابيت الذهبية الأخرى الموجودة حالياً بالمتحف المصري بالتحرير، والتي سيتم نقلها للمتحف المصري الكبير قبيل الافتتاح، المقرر العام المقبل، لتعرض التوابيت كاملة للمرة الأولى».
وأثار الحديث عن حالة التابوت نوعاً من الجدل، خصوصاً أن وزارة الآثار احتفلت في فبراير (شباط) الماضي، بانتهاء ترميم مقبرة توت عنخ آمون، والحفاظ عليها ضمن مشروع نفذه معهد «بول غيتي» الأميركي، واستمر نحو 10 سنوات، ولم يتحدث أحد وقتها عن سوء حالة التابوت، التي أوضحتها وزارة الآثار في بيانها، وفق خبراء الآثار.
وأوضح عبد المقصود أن «التابوت تم فتحه نحو 3 مرات، كان آخرها على يد الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، عندما فتح التابوت لإخراج المومياء ودراستها بأشعة (السيتي سكان) عام 2005، وكان التابوت وقتها بحالة جيدة»، مشيراً إلى أن «معهد (بول غيتي) الأميركي الذي انتهى أخيراً من ترميم المقبرة، لم يتحدث عن وجود مخاطر على التابوت».
في المقابل، أعلنت وزارة الآثار عن «عزمها دعوة وسائل الإعلام المحلية، والعالمية، خلال الأسبوعين المقبلين لمشاهدة التابوت بالمتحف المصري الكبير، بعد الانتهاء من أعمال تعقيمه».
وكان التابوت يعرض داخل المقبرة، إلى جوار مومياء توت عنخ آمون، التي تعرض في فاترينة زجاجية. وتحظى مقبرة الملك الشاب، أو الفرعون الذهبي كما يلقبونه، بمكانة سياحية مميزة، نتيجة لوجود التابوت والمومياء بداخلها. ويثير نقل التابوت تساؤلات عن بقاء المومياء بداخل المقبرة، وإن كان سيتم نقلها إلى المتحف المصري الكبير لتكون بجوار المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون.
وعبد البصير من مؤيدي نقل مومياء توت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير، وقال إن «المومياء جزء من مجموعة آثار توت عنخ آمون، والتي ستعرض كاملة بالمتحف المصري الكبير، ومن المهم نقلها لتكتمل المجموعة، شرط توفر سيناريو عرض متحفي واضح لها ضمن مجموعة الملك الشاب»، مشيراً إلى أنه «كانت هناك اعتراضات أثرية في السابق على وجود المومياء في المقبرة، لتأثيرات البيئة عليها»؛ لكنه في المقابل يرى أن «نقل المومياء بالتأكيد سيؤثر على المقبرة، التي ستفقد بذلك جزءاً من مكانتها».
وكان الدكتور خالد العناني، وزير الآثار المصري، قد قال في تصريحات صحافية أخيراً، إن «نقل مومياء توت عنخ آمون من المقبرة من عدمه، أمر تحدده اللجنة الدائمة للآثار المصرية».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
TT

عائلة سعودية تتوارث لقب «القنصل الفخري» على مدار سبعة عقود

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)
الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

في حالة استثنائية تجسد عمق الالتزام والإرث الدبلوماسي، حملت أسرة بن زقر التجارية العريقة في مدينة جدة (غرب السعودية) شرف التمثيل القنصلي الفخري لجمهورية فنلندا عبر 3 أجيال متعاقبة، في مسيرة دبلوماسية وتجارية متواصلة امتدت لأكثر من 7 عقود.

بدأت القصة كما يرويها الحفيد سعيد بن زقر، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما علم الجد سعيد بن زقر، بوجود جالية مسلمة في فنلندا تعاني من غياب مسجد يجمعهم، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بالسفر إلى هناك لبناء مسجد يخدم احتياجاتهم الدينية.

الجد سعيد بن زقر أول قنصل فخري لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

لكن الشيخ سعيد واجه بعض التحديات كما يقول الحفيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تتمثل في منع القانون الفنلندي تنفيذ المشروع في ذلك الوقت، وأضاف: «بعد تعثر بناء المسجد، تقدمت الجالية المسلمة هناك بطلب رسمي إلى الحكومة الفنلندية لتعيين الجد سعيد قنصلاً فخرياً يمثلهم، وهو ما تحقق لاحقاً بعد موافقة الحكومة السعودية على ذلك».

وفي وثيقة مؤرخة في السابع من شهر سبتمبر (أيلول) 1950، اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، تظهر موافقة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على تعيين الشيخ سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة.

وجاء في الوثيقة: «فلما كان حضرة صاحب الفخامة رئيس جمهورية فنلندا، قد عيّن بتفويض منه السيد سعيد بن زقر قنصلاً فخرياً لحكومة فنلندا في جدة، ولما كنا قد وافقنا على تعيينه بموجب ذلك التفويض، فأننا نبلغكم بإرادتنا هذه أن تتلقوا السيد سعيد بن زقر بالقبول والكرامة وتمكنوه من القيام بأعماله وتخوّلوه الحقوق المعتادة وتمنحوه المميزات المتعلقة بوظيفته».

وثيقة تعيين الجد سعيد بن زقر صادرة في عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه (الشرق الأوسط)

وأضاف الحفيد سعيد، القنصل الفخري الحالي لفنلندا: «أعتقد أن جدي كان من أوائل القناصل الفخريين في جدة، حيث استمر في أداء مهامه حتى عام 1984، لينتقل المنصب بعد ذلك إلى والدي، الذي شغله حتى عام 2014، قبل أن يتم تعييني خلفاً له قنصلاً فخرياً».

وفي إجابته عن سؤال حول آلية تعيين القنصل الفخري، وما إذا كانت العملية تُعد إرثاً عائلياً، أوضح بن زقر قائلاً: «عملية التعيين تخضع لإجراءات دقيقة ومتعددة، وغالباً ما تكون معقدة، يبدأ الأمر بمقابلة سفير الدولة المعنية، يعقبها زيارة للدولة نفسها وإجراء عدد من المقابلات، قبل أن تقرر وزارة الخارجية في ذلك البلد منح الموافقة النهائية».

الأب محمد بن زقر عُين قنصلاً فخرياً على مستوى مناطق المملكة باستثناء الرياض مقر السفارة (الشرق الأوسط)

وتابع قائلاً: «منصب القنصل الفخري هو تكليف قبل أن يكون تشريفاً، حيث تلجأ بعض الدول إلى تعيين قناصل فخريين بدلاً من افتتاح قنصلية رسمية، لتجنب الأعباء المالية، وعادةً ما يتحمل القنصل الفخري كل التكاليف المترتبة على أداء مهامه».

ووفقاً للأعراف الدبلوماسية فإن لقب القنصل الفخري، هو شخص من مواطني الدولة الموفد إليها، بحيث تكلفه الدولة الموفِدة التي لا توجد لديها تمثيل دبلوماسي بوظائف قنصلية إضافة إلى عمله الاعتيادي الذي عادة ما يكون متصلاً بالتجارة والاقتصاد.

يسعى الحفيد سعيد بن زقر إلى مواصلة إرث عائلته العريق في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية وفنلندا، والارتقاء بها إلى مستويات متقدمة في شتى المجالات. يقول بن زقر: «منذ تعييني في عام 2014، حرصت على تأسيس شركات وإيجاد فرص استثمارية في فنلندا، خصوصاً في مجالات تكنولوجيا الغذاء والوصفات الصناعية، إذ تتميز فنلندا بعقول هندسية من الطراز الأول، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للتعاون والابتكار».

الحفيد سعيد بن زقر القنصل الفخري الحالي لجمهورية فنلندا في جدة (الشرق الأوسط)

ويرى القنصل الفخري لجمهورية فنلندا أن هناك انفتاحاً سعودياً ملحوظاً على دول شمال أوروبا، ومن بينها فنلندا، وأوضح قائلاً: «تتركز الجهود بشكل كبير على شركات التعدين الفنلندية التي تُعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلى جانب وجود فرص واعدة لم تُستغل بعدُ في مجالات صناعة السيارات، والطائرات، والصناعات الدفاعية».

وفي ختام حديثه، أشار سعيد بن زقر إلى أن القنصل الفخري لا يتمتع بجواز دبلوماسي أو حصانة دبلوماسية، وإنما تُمنح له بطاقة تحمل مسمى «قنصل فخري» صادرة عن وزارة الخارجية، وبيّن أن هذه البطاقة تهدف إلى تسهيل أداء مهامه بما يتوافق مع لوائح وزارة الخارجية والأنظمة المعتمدة للقناصل الفخريين بشكل رسمي.