قوة «داعش» وخطره موضع جدل لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية

أوباما أقر بعدم رصد مخطط يستهدف أميركا لكنه اعتمد فرضيات لتبرير الغارات ضد التنظيم

قوة «داعش» وخطره موضع جدل لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية
TT

قوة «داعش» وخطره موضع جدل لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية

قوة «داعش» وخطره موضع جدل لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية

قبل ساعات من إعلان الرئيس باراك أوباما عن شن حملة عسكرية أميركية ضد تنظيم داعش، أدلى واحد من كبار مسؤوليه في مكافحة الإرهاب بشهادته أمام الكونغرس، قال فيها إن التنظيم المنشق عن «القاعدة» يضم نحو 10 آلاف مقاتل.
في اليوم التالي، وصل تقييم جديد من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) مفاده: «تضاعفت صفوف المنظمة الإرهابية في الشهور الأخيرة لتصل إلى ما بين 20 ألفا و31 ألف مقاتل في سوريا والعراق».
يعكس التضارب الهائل، جزئيا، شكوكا كبيرة لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية حول حجم عدو أميركا الجديد والخطر الذي يشكله لها، لكن تصاعد الأرقام والقلق الذي سببه بين مسؤولي مكافحة الإرهاب والعسكريين الأميركيين - يساعد أيضا على تفسير قرار أوباما الذهاب إلى الحرب ضد تنظيم متطرف لا صلة له بأي مخطط يستهدف الولايات المتحدة.
في خطابه، وضع أوباما أسبابا منطقية تعتمد بكثافة على «ماذا لو؟». قال أوباما إن الولايات المتحدة «لم ترصد حتى الآن أي تخطيط محدد يستهدف بلادنا».. لكنه استدرك قائلا إن قادة «داعش» يهددون «أميركا وحلفاءها»، وفي طريقهم لتنفيذ هذه التهديدات «إذا تركوا من دون عقاب».
كان التأكيد على الفرضيات ملحوظا في خطاب القائد الأعلى الذي يتولى رئاسة عملية مكافحة إرهاب من المفترض أن تتضمن شن الغارات فقط في حالة وجود هجوم إرهابي وشيك. بيد أنه في مواجهة جماعة إرهابية تتوسع بسرعة أكبر مما يمكن أن ترصدها أجهزة الاستخبارات الأميركية، يبدو أنه جرى وضع خط التهديد «الوشيك» جانبا.
ليزا موناكو، مساعدة الرئيس لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، أوضحت في حوار أول من أمس أن السرعة التي ينمو بها «داعش» ويحشد بها الموارد، ومساعيه لتجنيد مقاتلين غربيين، دفعت المسؤولين للرد بصورة مختلفة عن تلك التي يواجهون بها جماعات إرهابية في مناطق أخرى. وأضافت: «على الأقل في المرحلة الحالية، إنه يمثل تهديدا من نوع مختلف بالفعل».
وعند سؤاله عن التقدير المعدل لأعداد مقاتلي التنظيم، صرح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست بأنها تشير إلى أن «التنظيم حقق نجاحا في تجنيد المقاتلين بعد تقدمه الميداني في يونيو (حزيران) الماضي، وأنه يعكس رؤية أفضل لما استطاع مجتمع الاستخبارات جمعه من معلومات عن نشاطه».
لقد ساعدت عدة عوامل أخرى على تغذية المخاوف الأميركية؛ فقد أثار استيلاء «داعش» على مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا، على وجه خاص، انزعاج المسؤولين الأميركيين الذين ما زالوا يتذكرون إلى أي درجة أصبح فيها ملاذ في أفغانستان مقرا احتضن «القاعدة» ومخططي هجمات 11 سبتمبر (أيلول).
كما استشهد مسؤولون أميركيون بالخطر الذي يشكله التدفق الهائل للمقاتلين الأجانب إلى سوريا، ومنهم ألفان على الأقل يحملون جوازات سفر أجنبية، تسمح لهم بالخروج من الحرب الأهلية السورية باتصالات مع متشددين وتدريبات قتالية والقدرة على السفر والتنقل في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية من دون معوقات.
ربما هناك أيضا عنصر عاطفي مهم؛ فقد صدرت أوامر بشن غارات أميركية بعد أسبوعين من تعرف معظم الأميركيين على «داعش» بأجلى صوره الوحشية: عندما نشر التنظيم مقطعي فيديو لعمليتي ذبح صحافيين أميركيين على يد مقاتل ملثم يتحدث بلكنة بريطانية. وأول من أمس نشر مقطع فيديو يظهر عملية قتل «داعش» لموظف إغاثة بريطاني يدعى ديفيد هاينز، وكان قد اختطف في سوريا بالقرب من الحدود التركية في مارس (آذار) عام 2013.
شكك بعض خبراء الإرهاب في قرار أوباما شن حملة مفتوحة متعددة المستويات ضد «داعش»، وقالوا إنه جاء بدافع عوامل نفسية وشعور بالخوف أكثر من اعتماده على أدلة تفيد بأن التنظيم يستطيع إلحاق ضرر بالغ بالولايات المتحدة.
ويقول بول بيلار، نائب مدير مركز مكافحة الإرهاب السابق في «سي آي إيه»: «وصل الشعب الأميركي إلى المساواة بين التقدم الذي أحرزه (داعش) في الشرق الأوسط والتهديد بوقوع هجمات أخرى على طريقة هجمات 11 سبتمبر». وأضاف بيلار أن «داعش» يسير وفقا لدليل يعارض من نواح عدة ما كان ينتهجه تنظيم القاعدة، مما يجعل من اتخاذ التنظيم هدفا للحملة الأميركية مخاطرة بتحويل تركيز «داعش» تجاه الولايات المتحدة. وأوضح بيلار: «بالنسبة لهم يعد الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها انحرافا كبيرا عن مسار شن عمليات إرهابية ضد الغرب، وليس تسهيلا للقيام بهذه العمليات». وبالتأكيد يمكن أن تصيب الغارات الأميركية التنظيم بالضعف، ولكن «سيكون هناك عنصر الانتقام. وقد وصف التنظيم مقتل الصحافيين الرهينتين بوضوح بأنه انتقام من الغارات التي وقعت بالفعل».
ويبدو أن هذه القضية لم تحظ بقدر كاف من الانتباه في النقاش المحدود الدائر في واشنطن حتى الآن بخصوص «داعش»، وهو نقاش تسيطر عليه توقعات أكثر إلحاحا؛ فقد صرح وزير الخارجية جون كيري أخيرا قائلا: «لا توجد سياسة لاحتواء (داعش). إنه تنظيم طموح يمارس إبادة جماعية معلنة، ويستولي على الأراضي، ويرغب في إقامة دولة خلافة، ويتكون من جيش نظامي فيما يشبه الدولة. وسيؤدي تركهم يمتلكون بعض القدرات في أي مكان إلى نمو كيان سرطاني سيعود ويطاردنا في النهاية».
وكتبت السيناتور دايان فينشتاين (الديمقراطية من ولاية كاليفورينا)، وهي رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، في مقال للرأي نشر أخيرا: «إنه لا يمكن التقليل من شأن التهديد الذي يمثله (داعش)». ووصفت التنظيم بأنه «أكثر جماعة إرهابية مسلحة شريرة تلقى تمويلا جيدا نواجهها على الإطلاق».
ورغم أن الصفات التي أوردها كل من كيري وفينشتاين دقيقة، فإن الارتباك بشأن التنظيم يرجع، إلى حد كبير، إلى صعوبة استقراء التهديد الذي تمثله تلك الصفات للولايات المتحدة.
يشار إلى أن «داعش» نشأ من بقايا تنظيم القاعدة في العراق الذي تفكك بنسبة كبيرة قبل مغادرة القوات الأميركية العراق عام 2011، لكن التنظيم استغل الفوضى التي حدثت في الحرب الأهلية السورية والتوترات الطائفية في العراق في إعادة تنظيم صفوفه.
وبعيدا عن تزايد أعداد المقاتلين في صفوفه، استطاع التنظيم حشد موارد كبيرة بمعدل سريع. كما سمح له استيلاؤه على مدن في العراق في العام الحالي بإقامة ترسانة تتضمن أسلحة أميركية. ويجني التنظيم، علاوة على ذلك، ما يقدر بمليون دولار يوميا من مبيعات النفط في السوق السوداء وعمليات الاختطاف ومشروعات إجرامية أخرى. ووفقا لما صرح به مات أولسن، مدير المركز القومي لمكافحة الإرهاب، يتفوق تنظيم داعش على «القاعدة» بكثير في استخدامه للإنترنت في نشر الدعاية واجتذاب المجندين.
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.