موجة استنكار واسعة لهجمات ترمب على نائبات ديمقراطيات

غضب ديمقراطي من «صمت» الجمهوريين... وماي تنضم إلى المنتقدين

ترمب يستعرض نظام «ثاد» برفقة رئيسة «لوكهيد مارتن» بالبيت الأبيض أمس (رويترز)
ترمب يستعرض نظام «ثاد» برفقة رئيسة «لوكهيد مارتن» بالبيت الأبيض أمس (رويترز)
TT

موجة استنكار واسعة لهجمات ترمب على نائبات ديمقراطيات

ترمب يستعرض نظام «ثاد» برفقة رئيسة «لوكهيد مارتن» بالبيت الأبيض أمس (رويترز)
ترمب يستعرض نظام «ثاد» برفقة رئيسة «لوكهيد مارتن» بالبيت الأبيض أمس (رويترز)

أثار هجوم الرئيس الأميركي على نائبات ديمقراطيات وتشكيكه في انتمائهنّ الأميركي موجة غضب واستنكار واسع بين الديمقراطيين، أمس.
ودعا دونالد ترمب، أول من أمس (الأحد)، برلمانيات ديمقراطيات «للعودة» من حيث أتين، فتعرض لانتقادات شديدة من مسؤولين من الحزب الديمقراطي الذين وصفوه بـ«العنصري» وببث الكراهية ضد الأجانب. وغرّد الرئيس: «مثير للاهتمام أن نرى نائبات (تقدميات) ديمقراطيات في الكونغرس يقلن بنبرة عالية للشعب الأميركي أكبر وأعظم دولة في العالم كيف ندير حكومتنا»، معتبراً أنهن «جئن من دول تعاني حكوماتها أوضاعاً كارثية هي الأسوأ والأكثر فساداً والأقل كفاءة في العالم (هذا لو كان لديها حكومة تعمل)». وأضاف: «لماذا لا يعدن إلى تلك المناطق الفاشلة التي تنتشر فيها الجرائم من حيث أتين للمساهمة في إصلاحها؟». وأوضح «ثم يأتين ليعلمونا كيف نعمل». وتابع: «هذه المناطق بحاجة فعلاً إلى مساعدتكن، عليكن الذهاب بسرعة إلى هناك. إني واثق من أن نانسي بيلوسي ستكون مسرورة جداً للحصول على رحلات مجانية». ولاحقاً أكد ترمب في تغريدة أخرى أن الأشخاص الذين يستهدفهم «يكرهون إسرائيل بقوة»، ملمحاً إلى إلهان عمر ورشيدة طليب اللتين كانتا مؤخراً في صلب جدل بسبب تصريحات انتقدت سياسات هذه الدولة. ولم يتردد الرئيس في السابق في دعوة إلهان عمر، وهي المرأة الوحيدة التي ترتدي حجاباً تحت قبة الكونغرس، إلى الاستقالة وترك منصبها.
وعلى الرغم من أن ترمب لم يذكر أسماء العضوات اللاتي يطالبهن بالعودة إلى بلادهن، فإنه كان على الأرجح يشير إلى نائبات شابات في الكونغرس مثل ألكسندريا أوكاسيو - كورتيز من نيويورك، وإلهان عمر من مينيسوتا، وإيانا بريسلي من ماساشوستس، ورشيدة طليب من ميشيغن. وكورتيز المولودة في نيويورك هي من جزيرة بورتو ريكو التي تعد من الأراضي الأميركية. وأتت إلهان عمر إلى الولايات المتحدة كلاجئة من الصومال عندما كانت صغيرة. ورشيدة طليب أول أميركية من أصل فلسطيني تدخل إلى الكونغرس.
وفي ظل الانتقادات الحادة التي وجّهها العديد من القادة الديمقراطيين، توقع البعض أن يراجع الرئيس موقفه ويعتذر عما جاء في تغريداته أو على الأقل ينفي أنها كانت تحمل أي معانٍ عنصرية، إلا أن الرئيس فاجأ الجميع مرة أخرى، أمس، وطالب النائبات الأربع بتقديم اعتذار، ليس فقط للولايات المتحدة ولكن للشعب الإسرائيلي.
وقال ترمب: «متى تعتذر نساء الكونغرس من اليسار الراديكالي لبلدنا ولشعب إسرائيل، وحتى لمكتب الرئيس عن اللغة البذيئة التي استخدمنها والأشياء الرهيبة التي فعلنها. الكثير من الناس غاضبون منهن ومن أفعالهن الرهيبة! إذا أراد الديمقراطيون أن يتّحدوا حول اللغة البغيضة والكراهية والعنصرية المنبعثة من أفواه وأفعال هؤلاء الأعضاء غير المحبوبين وغير الممثلين للشعب، فسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف تسير الأمور. أستطيع أن أقول لكم إنهم جعلوا إسرائيل تشعر بأنها مهجورة من قِبل الولايات المتحدة».
وفي تغريدة متصلة له، قال ترمب: «من المحزن للغاية أن نرى الديمقراطيين يتشبثون بالأشخاص الذين يتحدثون بشكل سيئ عن بلادنا والذين يكرهون إسرائيل بشغف حقيقي كبير. كلما تمت مواجهتهم يسمّون خصومهم، بمن فيهم نانسي بيلوسي، عنصريين. لغتهم المثيرة للاشمئزاز والكثير من الأشياء الفظيعة التي يقولونها عن الولايات المتحدة يجب ألا يُسمح لها بالمرور دون أي تحدٍّ. إذا أراد الحزب الديمقراطي أن يستمر في التغاضي عن مثل هذا السلوك المشين فإننا نتطلع أكثر إلى رؤيتكم في صندوق الاقتراع في عام 2020!».
وعلى الرغم من أن تصريحات ترمب تأتي في الوقت الذي اشتدت فيه حدة التوتر بين النائبات الأربع ورئيسة مجلس النواب بيلوسي، بسبب انتقادات النائبات المستمرة لها بشأن تعاملها مع أزمة المهاجرين، فإن ذلك لم يمنع بيلوسي من انتقاد تصريحات ترمب بشدة، وإعلانها صراحةً رفض خطاب الرئيس.
وقالت بيلوسي في تغريدة أمس: «أنا أرفض تعليقات الرئيس ترمب التي تكره الأجانب وتهدف إلى تقسيم أمتنا. بدلاً من مهاجمة أعضاء الكونغرس يجب عليه أن يعمل معنا من أجل سياسة الهجرة الإنسانية التي تعكس القيم الأميركية. وقف المداهمات»، في إشارة إلى المداهمات التي تشنها الشرطة الأميركية ضد المهاجرين غير القانونيين. وتابعت: «عندما يطلب الرئيس دونالد ترمب من أربع نائبات في الكونغرس الأميركي العودة إلى بلدانهن، فقد أكد مجدداً أن خطته لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى كانت دائماً حول جعل أميركا بيضاء مرة أخرى. تنوُّعُنا هو قوتنا ووحدتنا هي قوتنا».
وفي تصريح آخر، قالت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية السابقة التي خسرت أمام ترمب في انتخابات 2016، على «تويتر»، أمس: «إنهم من أميركا. أنت محق في أمر واحد: حكومتهم في الوقت الحالي كارثة كاملة وشاملة».
وغرّد المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز: «هذا ما أعنيه، عندما أسمي الرئيس عنصرياً، يجب أن نقف معاً من أجل العدالة والكرامة تجاه الجميع».
أما أيانا بريسلي، فقالت موجهة حديثها إلى الرئيس ترمب: «هذا هو شكل العنصرية، أما نحن فنعكس شكل الديمقراطية. ونحن لن نذهب إلى أي مكان. باستثناء العودة إلى العاصمة للقتال من أجل العائلات التي تقوم بتهميشها وتشويهها كل يوم».
فيما صرّحت كورتيز: «سيدي الرئيس، البلد الذي أتيت منه، والدولة التي نُقسم عليها جميعاً هي الولايات المتحدة. ولكن بالنظر إلى كيفية تدميرك لحدودنا بالمعسكرات غير الإنسانية، وكل ذلك يعود بالنفع عليك وعلى الضباط الذين يستفيدون منها، فأنت محق تماماً بشأن الفساد الذي يقع عند قدميك».
وتابعت: «الشيء الذي لا تدركه أيها الرئيس أننا لا نخشاك. أنت غاضب لأنه لا يمكنك تصور أميركا التي تضمّنا. أنت تعتمد على أميركا مرعبة لتنهبها. لن تقبل بأمة تعتبر الرعاية الصحية حقاً أو التعليم أولويتها الأولى، لا سيما في الأماكن التي نحارب فيها. ومع ذلك نحن هنا».
واستنكرت كورتيز صمت الجمهوريين على تغريدات ترمب، قائلة: «إلى أن يستنكر المسؤولون الجمهوريون التصريحات العنصرية التي صدرت أمس (والتي يجب أن تكون سهلة!)، للأسف ليس لدينا خيار سوى افتراض أنهم يتغاضون عنها. من المقلق للغاية أن تكون مجموعة الحزب الجمهوري بأكملها صامتة. هل هذه أجندتهم؟».
من جهتها، قالت رشيدة طليب إن «خوفي الأكبر هو أنه يصرف انتباهنا عن عمد عن حقيقة أن إدارة الجمارك تطرق الأبواب من دون أوامر في الوقت الحالي. إنه يصرف انتباهنا عن حقيقة أن الزملاء على الحدود يبلغون عن الظروف المروعة واللاإنسانية».
وأضافت: «ملحوظة سيدي الرئيس: استمر في الحديث، أنت فقط تجعلني أعمل بجدية أكبر. أنا فخورة بجذوري الفلسطينية ومتنمر ضعيف مثلك لم يفز أبداً. هذا هو ما يشبه أميركا. استمر في الحديث، سوف تكون خارج البيت الأبيض قريباً».
أما إلهان عمر، فقالت: «السيد الرئيس، كأعضاء في الكونغرس، فإن الدولة الوحيدة التي أقسمنا اليمين لها هي الولايات المتحدة. وهذا هو السبب في أننا نكافح من أجل حمايتها من أسوأ رئيس والأكثر فساداً وغير الكفء، الذي رأيناه على الإطلاق».
وتابعت: «أنت تؤجج القومية البيضاء لأنك غاضب من أن أناساً مثلنا يخدمون في الكونغرس ويحاربون أجندتك المليئة بالكراهية. إن رد أميركا على الرجل غير المتسامح هو التنوع، التنوع ذاته الذي ألهمه تراثنا للحرية الدينية». ووصلت أصداء تصريحات الرئيس الأميركي إلى خارج البلاد، وانتقدت رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة تيريزا ماي، تصريحات ترمب قبل أيام من مغادرتها رئاسة الوزراء. وقال المتحدث باسم ماي، في بيان صباح أمس، إن «وجهة نظر رئيسة الوزراء، هي أن اللغة المستخدمة للإشارة إلى هؤلاء النساء كانت غير مقبولة على الإطلاق».
يشار إلى أن علاقة ماي وترمب كانت متوترة، وتفاقمت الأسبوع الماضي بعد قضية تسريب مذكرات دبلوماسية بريطانية توجه انتقادات شديدة إلى إدارة ترمب.
وقدم السفير البريطاني لدى واشنطن كيم داروك، الأربعاء الماضي، استقالته من منصبه على خلفية هذه القضية. وكان داروك قد وصف في المذكرات الرئيس الأميركي بأنه «غير كفء»، كما وجّه انتقادات حادة إلى أداء الإدارة الأميركية. واستاء ترمب كثيراً من الدعم الذي قدمته ماي للسفير السابق، ووجه إليها انتقادات حول طريقة إدارتها ملف «بريكست»، ورحب برحيلها القريب عن السلطة.
وكتب ترمب في تغريدة: «النبأ السار لبريطانيا الرائعة هو أنها ستحظى قريباً برئيس جديد للوزراء». ويعد وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، الأوفر حظاً لخلافة ماي، وهو من مؤيدي الرئيس الأميركي الذي يصفه بـ«الصديق».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟