الأوروبيون يسعون إلى حل لمعضلة {نووي} إيران لكنهم يفتقرون إلى مفاتيحه

مصادر دبلوماسية: نشتري الوقت ونؤجل لحظة القرار الحاسم

الأوروبيون يسعون إلى حل لمعضلة {نووي} إيران لكنهم يفتقرون إلى مفاتيحه
TT

الأوروبيون يسعون إلى حل لمعضلة {نووي} إيران لكنهم يفتقرون إلى مفاتيحه

الأوروبيون يسعون إلى حل لمعضلة {نووي} إيران لكنهم يفتقرون إلى مفاتيحه

ترى مصادر دبلوماسية أوروبية أن عملية لي الذراع بين الاتحاد الأوروبي وإيران مستمرة. فيوماً بعد يوم، تمارس طهران ضغوطاً أكثر شدة على البلدان الأوروبية الثلاثة الرئيسية الموقعة على الاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، من خلال التهديد بالخروج التدريجي منه، لجهة زيادة نسبة التخصيب، بل كما قال الناطق باسم الوكالة الذرية الإيرانية أمس بالعودة بالبرنامج النووي إلى ما كان عليه قبل يوليو (تموز) من عام 2015. وللتذكير، فإن طهران كانت قد وصلت إلى نسبة 20 في المائة من التخصيب، ونشرت ما لا يقل عن 20 ألف طاردة مركزية، بعضها من الجيل الجديد، وأطلقت برنامجاً لإنتاج المياه الثقيلة من معمل آراك، وراكمت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب.
مقابل ذلك، يؤكد المسؤولون الإيرانيون أنهم سيعودون للالتزام بالاتفاق، في حال «احترمت الأطراف الموقعة تعهداتها»، بمعنى أن تنجح الدول الأوروبية بتعويض الخسائر التي تمنى بها إيران بسبب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، وفرضها عقوبات مشددة على اقتصادها. وفي المقابل، ما فتئ المسؤولون الإيرانيون يرددون أنهم مستعدون للذهاب إلى طاولة المفاوضات مع الأميركيين «فوراً، وفي أي مكان»، إذا عادت واشنطن إلى الاتفاق، وأوقفت حربها الاقتصادية على إيران.
إزاء هذه المواقف، يجد الأوروبيون أنفسهم، وفق المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، «محشورين» بين المطرقة الأميركية والسندان الإيراني. فهم من جهة غير قادرين حتى اليوم على «انتزاع» تنازلات ما من إيران لتسويقها لدى واشنطن، وإقناعها بـ«تجميد» بعض عقوباتها، خصوصاً في مجال النفط، والسماح لبلد أو بلدين (مثلاً الصين والهند) بالاستمرار في شراء النفط الإيراني. بالمقابل، فإنهم «عاجزون» عن دفع طهران للعودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق كافة من غير مقابل «جدي».
وفي إطار هذا الواقع المعقد، فإن العواصم الثلاث (باريس ولندن وبرلين) تدأب على إصدار البيانات والدعوات، وآخرها البيان الذي صدر الأحد عن أعلى السلطات فيها، حيث طالبت «الأطراف كافة» «بما فيها واشنطن» بالقيام بـ«بادرات حسن نية» لخفض التصعيد. وبرأي المصادر المشار إليها، فإن الأوروبيين «لا يملكون حلولاً سحرية»، وهم بالتالي «ما زالوا يسعون إلى شراء الوقت»، وتأجيل اللحظة التي يتعين عليهم فيها أن يتخذوا «قراراً حاسماً» في هذا الاتجاه أو ذاك. وحقيقة الأمر، كما توضح هذه الأوساط، أن الضغوط الجدية «لا يمكن أن تكون إلا على إيران»، باعتبارها «الطرف الأضعف»، وبالنظر إلى عجز الأوروبيين عن ثني الرئيس ترمب عن خطته لخنق الاقتصاد الإيراني. ونقلت هذه الأوساط عن مصادر أميركية قولها إن واشنطن «مقتنعة» بأن الإيرانيين سيأتون «صاغرين» لطاولة المفاوضات لأن العقوبات «أخذت تفعل فعلها»، ولأن «عامل الوقت يعمل ضد مصالح طهران».
وثمة طريقان، لا ثالث لهما، بالنسبة لأوروبا لإقناع المسؤولين الإيرانيين بالتوقف عن انتهاك بنود الاتفاق النووي، والتراجع عن التجاوزات: الأول، خفض العقوبات الأميركية بشكل يسمح لطهران بتصدير نحو مليون برميل نفط يومياً، وهو الحد الأدنى المقبول لتعويم الاقتصاد الإيراني. والثاني، التفعيل الجدي للآلية المالية الأوروبية المسماة «إينستكس»، للالتفاف على العقوبات الأميركية. والحال، أن المسارين يبدوان اليوم بالغي الصعوبة، ولأن ما لم ينجح الأوروبيون في القيام به منذ مايو (أيار) 2018 (موعد خروج واشنطن من الاتفاق)، لن ينجحوا بتحقيقه اليوم؛ الأمر الذي يفسر، بحسب المصادر ذاتها، انتقال طهران من سياسة «الصبر الاستراتيجي» (أي انتظار تغير المعطيات، وربما الانتخابات الأميركية) إلى «سياسة المقارعة» (أي التخلي الإيراني عن التعهدات النووية بقدر ما تتخلى الأطراف الأخرى الموقعة عن تعهداتها). وتلخص الاستراتيجية الإيرانية إنجليزياً بـ«LESS for LESS».
بيد أن الأوروبيين الثلاثة لن يقدروا على الاستمرار على هذا المنوال إلى ما لا نهاية، خصوصاً إذا نفذت طهران تهديداتها التخصيبية، وبالتالي سيجدون أنفسهم ملزمين باللجوء إلى «سلاح الدمار الشامل» الوحيد الموجود بين أيديهم. وبكلام أوضح، فإن الأوروبيين ما فتئوا ينبهون طهران إلى أن استمرار انتهاكاتها سيحرمها من الدعم الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي الأوروبي، وسيحولها إلى دولة شبيهة بكوريا الجنوبية. لكن لديهم سلاحاً سرياً اسمه «لجنة فض النزاعات» المنصوص عليها في الاتفاق، والمخولة (كما يدل على ذلك اسمها) بالنظر في الانتهاكات التي تطاله. ويمكن تشغيل هذه الآلية، إذا ما اعتمد الموقعون على تقارير من الوكالة الدولية للطاقة النووية المكلفة بالرقابة على البرنامج الإيراني، متضمنة بوضوح قرائن على انتهاكات «خطيرة» للاتفاق. عندها، تستطيع اللجنة نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي الذي له صلاحيات إعادة فرض العقوبات الدولية «وليس الأميركية» التي كان معمولاً بها على إيران لما قبل الاتفاق. وسيكون مثل هذا القرار ملزماً لأنه صادر عن مجلس الأمن الدولي. ومن هنا، تأتي التحذيرات الإيرانية المتكررة لأوروبا لثنيها عن «النهج الخطأ»، أي عن ولوج هذه الطريق.
غير أن الأوروبيين ليسوا راغبين، والأرجح غير مستعدين للدخول في مواجهة مع إيران. والرأي السائد لدى المحللين في باريس أن الوصول إلى هذه المرحلة سيعني الخروج عن الضغوط السياسية والاقتصادية إلى المواجهة العسكرية. فلا الولايات المتحدة، ولا إسرائيل، ستقفان مكتوفتي الأيدي، وتفرجان على طهران وهي تطور برنامجها النووي، وتخزن المخصب منه للوصول إلى «العتبة النووية». وبحسب العلماء، فإن كمية ألف كلغ من اليورانيوم جيد التخصيب تكفي، في حال امتلاك المعرفة العلمية والتكنولوجيا، لإنتاج قنبلة نووية واحدة. وأمس، قرع وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت ناقوس الخطر، محذراً من «التسابق» على امتلاك السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، ومعتبراً أن إيران بحاجة لعام واحد فقط للوصول إلى هذه المرحلة.
وواضح أن الأوروبيين لا يريدون لهذا السيناريو أن يتحقق. ولذا فهم يبحثون ويتشاورون. ولكن حتى اليوم، لم تنتج مشاوراتهم حلاً لأن مفاتيح الحل في أمكنة أخرى. وتجربة الوساطة الفرنسية الأخيرة أوضح دليل على ذلك.



إسرائيل تقصف دمشق... وتُهجّر أهالي قرى في جنوب سوريا

TT

إسرائيل تقصف دمشق... وتُهجّر أهالي قرى في جنوب سوريا

جنود إسرائيليون يعبرون الخميس السياج الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا (أ.ب)
جنود إسرائيليون يعبرون الخميس السياج الذي يفصل مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل عن سوريا (أ.ب)

عززت إسرائيل المخاوف من وجودها بشكل طويل في الجولان السوري، بالبدء في تهجير أهالي قرى بالجنوب السوري، بموازاة شن الطيران الحربي غارات على محيط دمشق.

وأفادت وسائل إعلام سورية، الخميس، بأن «جيش الاحتلال دخل الأطراف الغربية لبلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة، وطالب الأهالي بتسليمه ما لديهم من أسلحة».

ووفق وسائل الإعلام السورية، فإن «الجيش الإسرائيلي هجّر أهالي قريتي الحرية والحميدية واستولى عليهما، ودخل إلى بلدة أم باطنة مدعوماً بعربات عسكرية ودبابات، فضلاً عن رصد دبابات داخل مدينة القنيطرة جنوبي سوريا».

وشن الطيران الإسرائيلي غارات على محيط العاصمة السورية، وقال سكان في أحياء دمشق الغربية، إنهم سمعوا انفجارَين قويَين يعتقد أنهما في مطار المزة العسكري، وأضاف السكان أنهم سمعوا أصوات طائرات حربية تحلق في أجواء ريف دمشق الجنوبي الغربي.

بدوره أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الخميس، لمستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، ضرورة منع «الأنشطة الإرهابية» من الأراضي السورية ضد إسرائيل بعد إطاحة بشار الأسد.

وقال نتنياهو في بيان، إنه التقى سوليفان في القدس، وتطرق معه إلى «الحاجة الأساسية إلى مساعدة الأقليات في سوريا، ومنع النشاط الإرهابي من الأراضي السورية ضد إسرائيل».

إقامة طويلة

وتتوافق التحركات العسكرية الإسرائيلية مع ما كشفت عنه مصادر عسكرية في تل أبيب، بأن الممارسات التي يقوم بها الجيش في الجزء الشرقي من الجولان، تدل على أنه يستعد لإقامة طويلة الأمد في الأراضي السورية، التي احتلها إثر انسحاب قوات النظام السوري من مواقعها في المنطقة العازلة وفض الاشتباك في الجولان.

وتجرى هذه العمليات وسط موافقة أميركية صامتة، وهو ما يُقلق أوساطاً عدة تخشى من فتح الشهية لتدمير خطوط الحدود وتوسيع نطاق الاستيطان في سوريا.

وأشارت المصادر إلى أن هذه العمليات تتم من دون معارضة دولية علنية، باستثناء فرنسا التي نشرت بيان تحذير.

وكان الجنرال مايك كوريلا، قائد القوات الأميركية المركزية في الشرق الأوسط (سنتكوم) زار إسرائيل، الأربعاء، واطلع على تفاصيل العمليات، وعلى نتائج القصف الإسرائيلي، الذي دمر نحو 80 في المائة من مقدرات الجيش السوري، وحطم له سلاح الجو وسلاح البحرية والمضادات الجوية ومخازن الأسلحة، كما أجرى وزير الأمن، يسرائيل كاتس، مكالمة مع نظيره الأميركي، لويد أوستن.

بنية تحتية

وقالت مصادر عسكرية في تل أبيب، إن الجيش الإسرائيلي شرع بتحويل المواقع العسكرية السورية، التي احتلتها الكتيبة 101 من وحدة المظليين، إلى مواقع عسكرية إسرائيلية.

وذكر تقرير عبري أن «الجيش الإسرائيلي بدأ بتأسيس بنية تحتية لوجيستية شاملة، حيث تم إحضار حاويات تحتوي على خدمات مثل الحمامات، والمطابخ، وحتى المكاتب الخاصة بالضباط»، ورجح أن «يتوسع النشاط ليشمل أعمدة اتصالات».

وأفاد بأن الجيش الإسرائيلي أحكم سيطرته على المناطق الحيوية في المنطقة، واحتل قمم التلال التي تكشف مساحات واسعة من سوريا، خصوصاً في المناطق الحدودية، وأقام حواجز عسكرية في التقاطعات داخل القرى السورية، مثل الحواجز المنتشرة في الضفة الغربية.

ومع نشر أنباء تقول إن عمليات الجيش تدل على أنه يخطط للبقاء هناك لمدة سنة على الأقل، قالت المصادر العسكرية لإذاعة الجيش الإسرائيلي إنه «من المبكر تقييم مدى استدامة هذا الوضع، ولكن قادة الجيش يعتقدون أنه لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور الآن في سوريا مع القيادات الجديدة، التي تدل تجربتها على أنها تحمل تاريخاً طافحاً بممارسات العنف الشديد والإرهاب من جهة، وتبث من جهة ثانية رسائل متناقضة حول المستقبل».

وأضافت المصادر: «وفي الحالتين ستواجه إسرائيل تحديات مستقبلية تتطلب بقاء طويل الأمد في المنطقة وتعزيز عدد القوات، ما قد يتطلب استدعاء قوات الاحتياط».

اليمين المتطرف

وتثير العمليات الإسرائيلية في الأراضي السورية قلقاً لدى أوساط عقلانية من أن تفتح شهية اليمين المتطرف على توسيع الاستيطان اليهودي في سوريا. ففي الأراضي التي تم احتلالها سنة 1967 أقامت إسرائيل نحو 30 مستوطنة يهودية، وتبرر إسرائيل احتلالها الأراضي السورية الجديدة بحماية هذه المستوطنات.

وقد لوحظ أن نتنياهو الذي وقف على أرض الجولان يوم الأحد الماضي، وأعلن إلغاء اتفاقية فصل القوات مع سوريا، تكلم خلال محاكمته الثلاثاء عن «شيء بنيوي يحصل هنا، هزة أرضية لم تكن منذ مائة سنة، منذ اتفاق (سايكس - بيكو 1916)».

وبحسب متابعين لسياسته فإنه لم يقصد بذلك إعطاء درس في التاريخ عن اتفاق من عام 1916 بين الدولتين العظميين الاستعماريتين في حينه، بريطانيا وفرنسا، اللتين قُسّمت بينهما أراضي الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط، وأوجدت منظومة الدول القائمة حتى الآن؛ بل قصد أنه يضع حداً لمنظومة الحدود في المنطقة.

ولربما باشر تكريس إرثه بصفته رئيس الحكومة الذي وسع حدود إسرائيل مثل دافيد بن غوريون وليفي أشكول، وليس الذي قلصها أو سعى لتقلصيها مثل مناحيم بيغن وإسحق رابين وأرئيل شارون وإيهود أولمرت وإيهود باراك.