البرلمان اللبناني يناقش الموازنة «تحت الحصار»

«المحاربون القدامى» يعتصمون تحت شعار «اليوم الكبير»

TT

البرلمان اللبناني يناقش الموازنة «تحت الحصار»

يباشر البرلمان اللبناني اليوم مناقشة بنود موازنة المالية العامة للعام 2019 تمهيداً لإقرارها الخميس المقبل، وذلك بعد خضوعها لتعديلات جوهرية في لجنة المال والموازنة النيابية خلال الأسابيع الماضية، بهدف تخفيض الإنفاق وترشيق الموازنة وترشيدها.
وتحاصر النقاشات معضلتان، أولاهما قانونية كون الحكومة لم تنجز قطع الحساب المالي الذي يفترض بالبرلمان أن يستهل نقاشاته به. أما المعضلة الأخرى فتتمثل في اعتراضات فئات على التخفيضات التي لحقت بها، وأبرزها القطاعات العسكرية والأمنية التي يعتصم متقاعدوها أمام مداخل البرلمان لإعاقة وصول النواب إلى المجلس، مطلقين على تحركهم اسم «اليوم الكبير».
وسينطلق المجلس النيابي في المناقشة من دون تقديم الحكومة قطع الحساب الذي حالت الأزمة السياسية الأخيرة الناتجة عن أحداث الجبل دون انعقادها لإقراره، لكن المجلس سيناقش الموازنة من دونه، على أن يقدم لاحقاً عندما تنعقد الحكومة وفق «تسوية سياسية» لإقرار الموازنة التي تعد أولوية قبل انتهاء المهلة القانونية (الممددة) للصرف من خارج الموازنة في أواخر الشهر الجاري، بحسب ما قالت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» شددت على أن هذا التدبير «لإقرار الموازنة ولتقديم المصلحة الوطنية ومصلحة البلد ككل على الاعتبارات الأخرى».
وثمة شبه إجماع سياسي على تقديم قطوعات الحساب في وقت لاحق، وعبر عن هذا التوجه نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي رأى أن «الحل هو إقرار الموازنة بالاستناد إلى قطع حساب العام 2017 على أن يتم تقديم باقي قطوعات الحسابات تباعاً في وقت لاحق».
والموازنة الجديدة التي تتسم بالتخفيضات، تنفيذاً لمقررات مؤتمر «سيدر» ولدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام، واجهتها اعتراضات، حاول كل من الحكومة ومجلس النواب تبديدها، وأهمها الضرائب التي طالت العائدات المصرفية التي تفرض للمرة الأولى على هذا القطاع، بحسب ما قالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط».
وأكدت المصادر أن مشروع الموازنة الذي قدمته الحكومة ونوقش في لجنة المال والموازنة التي أجرت تعديلات عليه «يفرض ضرائب على المقتدرين، ولا يطال أصحاب الدخل المحدود»، مشددة على أنه «للمرة الأولى يطال الفوائد المصرفية»، رغم أن هذه الفوائد بقيت تحت سقف «المقبول والمعقول بما لا يمسّ القطاع بأي ضرر».
وأكد عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب نزيه نجم لـ«الشرق الأوسط» أن التخفيضات «بقيت ضمن السقف المقبول، وكذلك الضرائب على المقتدرين وهي قليلة جداً»، مبدياً استهجانه للاعتراضات التي تسجل على تلك التخفيضات أو الضرائب على الفوائد المصرفية. وشدد على أن «حماية البلد واقتصاده أولوية... البلد كلنا أصحابه، وعلى الجميع تقبل الإجراءات التي أقرت لمصلحة البلد». ولفت إلى أن «التخفيضات طالت المسؤولين أيضاً، وجرى التخفيض من رواتب النواب والمسؤولين وقُلصت التقديمات لهم... يجب الوقوف إلى جانب البلد، وهو يحتاج ذلك».
ووسط تأكيدات من وزارة المال على أن إجراءات التخفيض «لا تمس الطبقات الفقيرة إطلاقاً»، يعترض العسكريون المتقاعدون على تخفيض بعض مخصصاتهم، رغم المعلومات عن أن التخفيض لا يطال أصحاب الرتب والرواتب القليلة. ويؤكد نجم ذلك، قائلا إن «العسكريين أولادنا وإخوتنا، ولا نريد أن يكون بين العسكر والدولة أي خلاف أو تباين، لذلك صدرت تسوية تقضي بعدم تخفيض أي عائدات من العسكر أصحاب الرتب والرواتب الصغيرة، واقتصر الأمر على أصحاب الرتب والرواتب المرتفعة، وكانت التسوية تمضي بذلك، لكننا تفاجأنا أن هناك انزعاجاً». وأضاف: «على أي حال سيظهر ذلك خلال المناقشات» التي تستمر ثلاثة أيام.
وتتجه الحكومة إلى اعتماد صيغة تقضي بمساهمة أصحاب الرتب والرواتب المرتفعة بمبالغ مالية تصل إلى 150 ألف ليرة (100 دولار)، باعتبار أن ذلك «يحمي المتقاعدين كونه لا يمس بأصحاب الرواتب المنخفضة، ويحفظ المالية العامة».
لكن هذه الصيغة لا تقنع العسكريين المتقاعدين الذين يبدأون اليوم اعتصاماً لعرقلة دخول النواب إلى البرلمان لمناقشة الموازنة. ودعت «الهيئة الوطنية للمحاربين القدامى» إلى «اليوم الكبير» عبر الاعتصام الحاشد الذي دعت إليه حول مجلس النواب احتجاجا على إدراج المواد التي تمس بمعاشات المتقاعدين العسكريين والمدنيين ورواتب الموظفين «وذلك لإحداث صدمة إيجابية لدى النواب لكي يصحى ضمير الأمة»، بحسب بيان الهيئة.
ويناقش النواب مشروع الموازنة الذي أحاله إليهم رئيس مجلس النواب نبيه بري. وترأس بري أمس اجتماعاً عاماً لـ«كتلة التنمية والتحرير» بحث الموازنة العامة على ضوء المناقشات التي شهدتها لجنة المال والموازنة. وعبرت الكتلة عن تأييدها للموازنة كما أقرتها اللجنة: «بما يتناسب والضرورات المالية للدولة وحفظ الاستقرار النقدي».
ويأتي نقاش الموازنة بعد تأخير عن الموعد القانوني نحو تسعة أشهر، علما بأن القانون يفرض على وزارة المال إحالة الموازنة إلى الحكومة في مهلة أقصاها في نهاية أغسطس (آب)، على أن تُقرّ في نوفمبر (تشرين الثاني). وبعد إحالة وزارة المال الموازنة الحالية في الموعد القانوني في العام الماضي، تأخر نقاشها في الحكومة التي تعثر تشكيلها لأشهر، وبعدها تم تقديم نسخة معدلة ناقشتها الحكومة في 19 جلسة، قبل أن تُحال إلى البرلمان لمناقشتها في لجنة المال والموازنة على مدى أسابيع، قبل مناقشتها في جلسة عامة اليوم.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.