سوء الصحة ونقص الغذاء... عقاب حوثي آخر يفتك بالأمهات في اليمن

TT

سوء الصحة ونقص الغذاء... عقاب حوثي آخر يفتك بالأمهات في اليمن

في ليلة حارة من ليالي صيف يونيو (حزيران) الماضي، فُجع محمد العلفي، القاطن بقرية نائية في منطقة خارف التي تبعد شمالاً من العاصمة صنعاء نحو 60 كيلومتراً بوفاة زوجته أثناء مخاض عسير. عجز العلفي عن توفير وسيلة مواصلات لإسعاف زوجته إلا في ساعة متأخرة من مخاض الولادة، لتموت هي ووليدها وهي في طريق إسعافها إلى العاصمة صنعاء، ليواجه العلفي محنة اجتماعية، حيث صار العائل الوحيد لثلاثة أطفال.
زوجة العلفي ليست الوحيدة في اليمن فحسب، بل تواجه آلاف الأمهات المصير ذاته، وبخاصة في المناطق والمدن النائية، حيث صارت المراكز الصحية مشلولة الخدمات، ولا توجد أي قابلة للولادة إلا فيما ندر. ومع استمرار الحرب المستعرة في اليمن اتسعت معاناة الأمهات والأطفال لتشمل من يقطنون مراكز المدن ومنها العاصمة صنعاء، المدينة الأكثر تطوراً في البلاد؛ إذ لم يعد بوسع كثير من الأمهات الحصول على ولادة آمنة أو على الأقل التفكير بتأمينها، فمع تردي الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الرواتب، عجز معظم أرباب الأسر عن توفير الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية، فضلاً عن الرعاية الطبية.
منى العبسي، الحامل في شهرها السادس، تلخص هذه المعاناة بقولها «في ولادتي الأولى والثانية تمكن زوجي الذي يعمل في وظيفة حكومية من توفير مبلغ مالي تفادياً لحدوث أي مخاطر أثناء الولادة». وتضيف بلهجة حزينة: «مع انقطاع الرواتب اضطر زوجي إلى العمل في مهنة وضيعة، لا تكفي لتلبية احتياجاتنا الغذائية؛ لذلك ليس في وسعنا إلا الولادة في المنزل والاحتكام لمشيئة القدر».
تعد تكاليف الولادة باهظة للغاية، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تفتك باليمنيين، فحازم فارع اضطر مطلع يوليو (تموز) الحالي إلى رهن سيارته الخاصة في مستشفى خاص بالعاصمة بعد أن عجز عن دفع مبلغ 150 ألف ريال فاتورة إنقاذ أخته التي واجهت خطر عسر الولادة (الدولار نحو 550 ريالاً)، حيث لم يجد لها حازم مكاناً للعلاج في المستشفيات الحكومية الخاضعة للحوثيين بحجة أن الأقسام ممتلئة، وفق ما أبلغ بذلك.
وما يضاعف مأساة الأمهات في اليمن انعدام ثقافة الصحة الإنجابية لدى بعض الأمهات، فشيماء العواضي لم يمض على إنجاب طفلها الثاني سوى خمسة أشهر، حتى أصبحت حاملاً بطفل ثالث، تقول شيماء: «لم أستعمل أدوات منع الحمل، ولم نستطع شراءها، لذلك صرت حاملاً، وعجز زوجي عن شراء الحليب الكافي للطفل الذي صار يعاني من سوء تغذية حاد، وبفعل تعاون أهل الخير انتقلنا لعلاج الطفل في العاصمة صنعاء».
وفي حين يؤكد الأطباء على أهمية التغذية الجيدة للحامل قبل الولادة وأثنائها وبعدها، يبدو ذلك صعباً للغاية في ظل جحيم الحرب الدائرة منذ أكثر من أربع سنوات، والتي حولت حياة اليمنيين إلى ضائقة اقتصادية لا مثيل لها على الإطلاق. وبحسب تقارير منظمة اليونيسف، يعاني أكثر من 10 ملايين يمني من الجوع الشديد، وتشكو أكثر من مليون امرأة حامل ومرضع من سوء التغذية، ووفقاً لوفاء صلاح، طبيبة نساء وولادة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» في صنعاء، فإن أغلب النساء اللاتي يترددن على المستشفيات والعيادات في السنوات الأخيرة يعانين من سوء تغذية حاد، مشيرة إلى أن بعض المنظمات كمنظمة اليونيسف وفّرت في بعض المراكز الصحية أغذية تساعد الحوامل على علاج سوء التغذية.
ومع مضي كل يوم من أيام الحرب في اليمن، تتسع الأرقام المرعبة التي تتحدث عن وفيات الأمهات وأطفالهن، ولعل زيارة واحدة لأكبر مستشفى لعلاج الأطفال والنساء بالعاصمة صنعاء (مستشفى السبعين) تكفي لرسم صورة الوضع المأساوي للوضع الصحي في البلاد. فمشهد الازدحام للأمهات والأطفال يطغى في جميع أزقة المستشفى، وفي الداخل يشد نظرك عشرات الأطفال وهم ملقون على أسرة وقد التهم أجسادهم سوء التغذية وصاروا عاجزين عن الحركة والتنفس وتناول الطعام إلا عبر الحقن.
وفي حين يشير تقرير الأمومة والأبوة في ظل الصراع الصادر حديثاً عن اليونيسف، إلى أن نحو 49 في المائة من المرافق الصحية في اليمن منهارة، وإلى أن ما نسبته 51 في المائة فقط لا تزال صامدة مع احتياجها إلى الأدوية والمستلزمات والكادر الطبي، يؤكد معتز العيزري، مدير وحدة مكافحة سوء التغذية بمستشفى السبعين، أن المستشفى يعمل بفضل دعم المنظمات كمنظمة اليونيسف التي توفر الغذاء والدواء ومستلزمات طبية. ويقر العيزري بأن الخدمات الصحية للمستشفى تراجعت كثيراً بسبب ظروف، حيث يواجه مشكلة الإقبال المتزايد من المرضى، مشيراً إلى أن المستشفى يستقبل يومياً، وخلال ست ساعات فقط من فترة الدوام، نحو 60 طفلاً يعانون من سوء تغذية حاد ومتوسط، بالإضافة إلى إقبال نحو 40 امرأة يومياً يعانين مشاكل الحمل والولادة وغيرها.
وفي ظل هذا الوضع المأسوي تؤكد منظمة اليونيسف في تقريرها عن الأمومة والأبوة في ظل الصراع أنها أطلقت مع شركائها مؤخراً برنامج قسائم البداية الصحية للنساء الحوامل والمرضعات من الفئات الفقيرة والضعيفة للوصول للمستشفيات ووضع أطفالهن بأمان ورعاية حديثي الولادة، إلى جانب تلقي العلاج من سوء التغذية، والوصول إلى وسائل منع الحمل.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.