ترجلت من سيارتي لزيارة فندق محلّي يقع هنا على الطريق الرئيسية، الذي كان الوصول إليه سهلاً جداً لدرجة أنني لم أستعن بخرائط غوغل. لذا، تخيّلوا المفاجأة التي شعرت بها عندما بحثت عن هذا الفندق لاحقاً على موقع غوغل ووجدت الرسالة التالية «لقد زرت هذا المكان قبل يومين».
الحديث هنا بصيغة المتحدّث كان من ميزة «لوكيشن هيستوري» Location History (تاريخ الموقع أو المكان) للتعقّب، المثيرة للجدل التي يملكها عملاق البحث، والتي يُعرف عنها أنّها أداة تساعد غوغل في تقديم اقتراحات أفضل حول أماكن الزيارة والمطاعم.
في حالتي، وضع غوغل فعلاً سجلاً مفصّلاً يضمّ جميع الأماكن التي زرتها، من التجوّل حول النافورة، والمكان الذي اشتريت منه الوقود، وحتى المكان الذي ركنت فيه سيارتي في طريق عودتي إلى المنزل وترجلت منها لالتقاط صورة لجسر السكك الحديدية في «جافيوتا»، في كاليفورنيا.
تعقُّب غوغل
تقول غوغل إنّ «لوكيشن هيستوري» هي ميزة يختارها المستخدم بنفسه، ولكنني لا أذكر أنني طلبتها. طرحت هذا السؤال على منصات التواصل الاجتماعي وتلقّيت إجابات مشابهة، حيث إنه لا أحد يتذكّر طلبه لهذه الميزة.
تقول مستخدمة غوغل ليسلي مورغان ناكاجيما من كابيتول، في كاليفورنيا: «عرفتُ أنني أتعرّض للتعقّب ولكنني وبكلّ سذاجة، لم أتوقع أنهم يحفظون كلّ شيء في جدول زمني. إلّا أنّ رؤية كل ما تمّ تسجيله أشعرتني بالخوف. فقد سجّلوا كلّ متجر، ومطعم ومقهى زرته، مع وقت الزيارة الدقيق. لقد شعرت بالرعب».
هناك سبب وجيه لعدم تذكّر ناكاجيما وغيرها من مستخدمي غوغل طلب الحصول على هذه الميزة. نعم، عندما تسجّلون دخولكم للمرّة الأولى في حساب غوغل، تكون ميزة «لوكيشن هيستوري» غير فعالة. ولكن في حال كنتم تريدون استخدام بعض ميزات غوغل، فستحصلون على إشعار يمنعكم من ذلك حتى تشغيلكم لهذه الميزة.
مثلاً، تضمّ خرائط غوغل ميزة تُعرف بـ«ماتش» (مطابقة)، والتي تقترح عليكم مطاعم بناء على تجاربكم السابقة وأذواقكم. عندما تنقرون عليها، يرسلكم غوغل إلى الإعدادات لتسمحوا بتفعيل تعقّب «لوكيشن هيستوري».
يدفع غوغل مستخدميه أيضاً نحو تشغيل هذه الميزة مقابل تزويدهم بتحديثات لحالة السير في الوقت الحقيقي وبناء على موقعهم الحالي، أو عبر صور غوغل، لـ«الاستفادة من التنظيم الآلي والبحث». وتجدر الإشارة إلى أنّ الشركة صرّحت بشكل كامل حول ما تفعله في سياسة مطبوعة بخطّ شديد الصغر لا يقرأها معظم المستخدمين.
وتقول الشركة إنّ ميزة «لوكيشن هيستوري» «تحفظ الأماكن التي تقصدونها حتى عندما لا تستخدمون خدمة معيّنة من غوغل». صحيح أنّ غوغل لم تبذل جهوداً لتصحيح مسار شعبية هذه الميزة، ولكنّها استحدثت تغييرين فيها لتهدئة مخاوف المستخدمين لجهة تنقيب بياناتهم.
في الوقت الحالي، إذا كنتم غير مرتاحين لفكرة حصول غوغل على كلّ هذه المعلومات، يمكنكم حذفها بنفسكم. ولكن مع أواخر هذا الصيف، تعتزم غوغل تقديم ميزة «حذف آلي» جديدة ستتخلّص من كلّ بياناتكم كلّ ثلاثة أو 18 شهراً.
ومع نهاية الصيف أيضاً، ستعلن الشركة عن «وضع الاستعارة» الجديد في خرائطها. وكانت غوغل قد كشفت أنّ المستخدمين سيتمكنون من النقر على هذه الميزة في متصفّحها للبحث دون أن يتعرّضوا للتعقّب.
كما يمكن للمستخدمين استعمال خرائط غوغل دائماً دون التعرّض للتعقّب من خلال تغيير الإعدادات في https:--www.myaccount.google.com.
أدوات حماية الخصوصية
وفيما يلي، ستتعرفون إلى الأدوات التي يمكنكم وقف تشغيلها للحصول على درجات مختلفة من الخصوصية.
> نشاط الشبكة والتطبيقات: غوغل تراقب عمليات البحث التي تجرونها، وتبرر فعلتها برغبتها بتزويدكم بنتائج أسرع وأبحاث أفضل.
- الإيجابيات: يعجبنا أن تساعدنا غوغل في العثور على مطاعم محلية ومحطات للوقود.
- السلبيات: هذه المراقبة هي «اتفاق مع الشيطان»... أي أنّ السماح بها يعني أنّكم تحملون جاسوساً في جيبكم. لذا، يجب أن تفكّروا جيّداً قبل وقف تشغيل هذه الميزة.
> أدوات التحكّم بالنشاط Activity controls: من خلال هذه الأدوات، تجمع شركة غوغل بيانات جهات اتصالكم وتقويماتكم بهدف مساعدتكم في تنظيم رحلة خاصة لعطلتكم المقبلة بما يتوافق مع الأحداث المسجّلة في رزنامتكم.
- الإيجابيات: المعلومات الدقيقة أثناء تنظيم العطلة مفيدة جداً.
- السلبيات: أثناء استخدامكم لأبحاث غوغل، هل تحبّذون حقاً حصول الشركة على عنوان والدتكم ورقم هاتفها؟
> النشاط الصوتي والسمعي: يعطي هذا النشاط للشركة الحقّ في تسجيل صوتكم عندما تطرحون الأسئلة وتصدرون الأوامر لمكبر صوت «غوغل هوم».
تقول غوغل إنّ «وقف تشغيل هذه الميزة سيحول دون حفظ المدخلات الصوتية في حسابكم من غوغل حتى عندما تسجلون دخولكم فيه». أو بمعنى آخر، وكما اكتشفت ناكاجيما فإن مساعد «غوغل هوم» الصوتي لا يعمل بعد تعطيل هذه الميزة مما دفعها إلى التفكير «بإعطاء الجهاز إلى أحد أصدقائها لأنّه دون فائدة».
- الإيجابيات: تقدّم مساعدات الصوت الذكية لمستخدميها تجربة مرحة ومفيدة، للتحقق من صحة الكلمات التي ينطقونها، وحلّ المسائل الرياضية والحصول على إجابات غامضة وتافهة.
- السلبيات: تتمتع هذه الأجهزة بجاهزية تامة للتنصت.
بعد إيقاف تشغيل هذه الميزة في خدمات الموقع، يمكنكم التوجه نحو منصة يوتيوب التي تملكها غوغل لتعطيل بحث يوتيوب وتاريخ المشاهدة فيه، بحيث تصبح المنصة غير قادرة على إصدار التوصيات بناء على أذواقكم في مقاطع الفيديو التي تشاهدونها، على حدّ زعم الشركة.
مخاوف ومحاسن
مع كلّ القلق والمخاوف التي تحيط بميزة «لوكيشن هيستوري»، لا بدّ من القول إنّها تملك بعض المحبين.
يقول مارك لاوندي، مصوّر فوتوغرافي من سان فرانسيسكو: «أنا أفكّر بالذعر من وجهة نظر أخرى: أعي تماماً أنني لا أخطّط لارتكاب أي جريمة، ولكن في حال تمّ يوماً اتهامي خطأ بارتكاب واحدة، لا شكّ في أن بيانات موقعي ستكون دليلاً على براءتي».
أمّا بيل بيبي، مصمم المواقع الإلكتروني الذي يقيم في دنفر، فيطرح سؤالاً مذهلاً: «هل تعتقدون أنّه من الأفضل لشركة غوغل أن تذكّر الناس كم تعرف عنهم أو أن تهمل الأمر؟» يضيف بيبي أنّ معظم الناس سيشعرون بالدهشة عندما يعرفون كمّ المعلومات التي تملكها غوغل عنهم وتساءل عن حقيقة اهتمامهم بهذا الأمر قبل تعرّضهم لحدث سيء بسبب هذه البيانات.
من جهتها، قالت ألكسندرا كورولوفا، أستاذة مساعدة في علوم الكومبيوتر في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، إنّ الشركات يجب أن تكون أكثر صراحة فيما يتعلّق بتعقّبها لمستخدميها.
وتضيف أنّ «التعقّب دون أدوات تحكّم فعالة للأفراد ليس بالأمر الجيّد بالنسبة لحريّة المجتمع والأفراد.
للاستمرار، وفي حال أصبح تعقّب المعلومات أمراً واقعاً، يجب تزويد الأفراد بأدوات تحكّم فعالة».
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أنّ غوغل امتنعت عن التعليق على ما ورد في المقال.
- «يو إس إيه توداي» خدمة «تريبيون ميديا»