تعرف على تقنية «بلوكتشين» اللامركزية

أساس لعملة «فيسبوك ليبرا» المقبلة... ويمكن استخدامها لتأمين التصويت الرقمي وملفات المرضى والملكيات الفكرية

تقنية «بلوكتشين» تلغي مركزية التعاملات لصالح المعالجة الجماعية
تقنية «بلوكتشين» تلغي مركزية التعاملات لصالح المعالجة الجماعية
TT

تعرف على تقنية «بلوكتشين» اللامركزية

تقنية «بلوكتشين» تلغي مركزية التعاملات لصالح المعالجة الجماعية
تقنية «بلوكتشين» تلغي مركزية التعاملات لصالح المعالجة الجماعية

كشفت «فيسبوك» في يونيو (حزيران) الماضي عن خططها لإطلاق عملتها الرقمية المسماة «ليبرا» Libra (تعني الميزان) بدعم من الكثير من الشركات التي تشمل «ماستركارد» و«فيزا» و«سبوتيفاي»، وغيرها، التي ستعمل بتقنية «بلوكتشين» بشكل شبه مفتوح في البداية، لتنتقل بعد ذلك إلى الهيئة المفتوحة بالكامل. وفيما تعمل الشركة مع السلطات المشرعة حول وضع ضوابط لهذه العملة الرقمية الجديدة، فإن التساؤل هو ما هي تقنية «بلوكتشين» وما فائدتها، وكيف ستغير مفاهيم التعاملات الإلكترونية؟ وسنبسط في هذا الموضوع مفهوم التقنية الذي قد يكون معقداً لغير التقنيين.
أسس «بلوكتشين»
«بلوكتشين» Blockchain هي تقنية تشكل البنية التحتية للعملات الرقمية المختلفة (وغيرها من التعاملات التي سنتحدث عنها في هذا الموضوع أيضا)، مثل «بتكوين» وغيرها، وهي عبارة عن قاعدة بيانات للتعاملات مخزنة على الكثير من الكومبيوترات يزداد حجمها باستمرار مع إضافة المزيد من التعاملات المسماة بـ«الوحدات Block»، لتشكل سلسلة متصلة Chain من البيانات.
ولشرح فوائد هذه التقنية، يجب العودة إلى بدايات التعاملات المالية الحقيقية، حيث كان الناس في الماضي يتبادلون العملات الذهبية والفضية والبرونزية (وغيرها) لقاء البضائع والخدمات، ولكنها كانت ثقيلة للحمل وخصوصاً في التعاملات الكبيرة. وتحولت هذه الآلية إلى التعاملات الورقية التي تعني أنه يوجد مكان مركزي لديه كميات من العملات الذهبية والفضية والبرونزية، لتكون الأوراق المالية بمثابة وعد من المركز المالي بمنح صاحب الورقة ذهباً أو فضة أو غيرها من المعادن بقيمة محددة، ولتقع على عاتق المركز المالي مسؤولية نقل ملكية الذهب أو الفضة بين المستخدمين عند الطلب ووفقاً لتلك الأوراق.
وهذه المراكز الحالية هي المصارف والشركات الائتمانية (مثل «فيزا» و«ماستركارد» و«باي بال») التي تتأكد نظمها من أن مستخدماً ما لا يستطيع مشاركة المال نفسه مع أكثر من شخص في آن واحد (الاحتيال المصرفي)، لقاء حصول تلك المراكز المالية على أجور محددة. ولكن المركزية هذه تجعل من المراكز المالية ذات نفوذ كبير، وقد تنهار أنظمة مالية بالكامل في حال توقف عمل تلك المراكز.
وتأتي هنا فكرة «بلوكتشين» بالتخلي عن المركزية لصالح اللامركزية الاجتماعية، بحيث توجد نسخ من جميع التعاملات المالية على جميع أجهزة المستخدمين، ويمكن قراءة البيانات من أي كومبيوتر في حال توقف أي جهاز آخر عن العمل لأي سبب كان. وبرز هذا المفهوم في عام 2008 لدى اقتراح فكرة «بتكوين». ولا يمكن في هذا السيناريو التلاعب بالبيانات المالية أو حدوث احتيال مالي مركزي لأن البيانات مخزنة على جميع الأجهزة المشاركة، وأي تعديل فردي يعني أنه يمكن التعرف على المحتال فوراً، وخصوصاً أن أي تلاعب يتطلب العمل على معادلات رياضية مشفرة بالغة التعقيد وهو أمر يصعب التلاعب به فردياً. ونظراً لأن المستخدمين يشاركون كومبيوتراتهم في هذه البيئة، فيمكن تعويضهم لقاء تشغيل موارد الذاكرة والمعالج والاتصال بالإنترنت والطاقة بمكافآت على شكل أجزاء من العملات الرقمية.
وأصبح بالإمكان إزالة مركزية القوى المالية والتعاون بين الأفراد للحصول على نظام مالي جماعي موثوق. ويمكن لهذه التقنية خفض أجور التأكد من البيانات المالية للطرف الذي يقوم بعملية الدفع، وإيجاد أسواق مالية رقمية جديدة. ويمكن تشبيه هذه العملية بقواعد بيانات الشبكات الاجتماعية والمتاجر الإلكترونية وخدمات طلب سيارات الأجرة التي تعتبر قاعدة بيانات تربط المستخدمين ببعضهم البعض وتتأكد من البيانات المالية لطرف ما وتطلب خدمة أو منتجاً ما من الطرف الثاني وتحصل على أجور محددة خلال ذلك، الأمر نفسه الموجود في تقنية «بلوكتشين».
ويمكن استخدام هذه الأسس في الكثير من القطاعات الأخرى، مثل سلاسل الإمداد Supply Chain والملكيات الفكرية في العالم الرقمي، وتسهيل إدارة العقود بين الأطراف والسجلات الصحية للمرضى وعمليات التصويت دون تلاعب أي طرف بذلك. وتقدم شركة «كاسبيرسكي لاب» خدمة Polys التي تعتبر منصة قائمة على تقنية «بلوكتشين» تسمح بالاقتراع عبر الإنترنت دون خوف من التلاعب بالأصوات أو بالنتائج، وذلك لضمان أمن عملية التصويت. ويترتب على الطبيعة اللامركزية المجزأة لتقنية «بلوكتشين» تخزين البيانات في كتل موزعة على كل جهاز يتم استخدامه أثناء عملية التصويت، الأمر الذي يجعل من المستحيل على المخربين الإلكترونيين التدخل في نتائج التصويت، وغيرها.
تحديات وصعوبات
ونظراً للضجة الإعلامية الكبيرة التي صاحبت هذه التقنية وجهل الكثير من الناس بأسسها التقنية الصعبة وماهيتها، نجد أن الكثيرين سارعوا بشراء حصص في شركات خاسرة لمجرد أن تلك الشركات أضافت كلمة «بلوكتشين» إلى اسمها، ورفعوا قيمة عملة وهمية فكاهية منافسة لـ«بتكوين» (اسمها «دوغكوين» DogeCoin) لأكثر من ملياري دولار أميركي، بينما كانوا ضحايا لعملية نصب لعملة «بينكوين» PinCoin التي جمع مؤسسوها الأموال من العامة ولاذوا بالفرار. يذكر أن المنظمة الآلية اللامركزية Decentralized Autonomous Organization كانت قد جمعت عملات «إيثيريوم» Ethereum الرقمية بقيمة 150 مليون دولار قبل أن يتم اختراقها وسرقة 50 مليون دولاراً منها.
ولا يجب أن ننسى أن العمل على هذه العملة بطيء ويتطلب طاقة كهربائية كبيرة، حيث إن النظام يستطيع معالجة 3 أو 4 عمليات في الثانية مقارنة بـ1600 كمعدل لشركة «فيزا»، مثلا. ولفك تشفير العمليات، تحتاج الكومبيوترات إلى طاقة كهربائية كبيرة قد تكون قيمتها أعلى من قيمة العملات الرقمية الناجمة عن انتهاء العملية. كما يمكن استخدام هذه العملة دون التعريف بهوية صاحبها، الأمر الذي يجعلها مثالية في الأسواق السوداء وتجارة الممنوعات.
أضف إلى ذلك أنك تستطيع الاتصال بالمصرف أو الشركة المزودة للبطاقة الائتمانية وطلب إرسال كلمة سر أو رقم سري جديد أو حتى بطاقة جديد بالكامل في حال نسيان تلك المعلومات أو سرقة البطاقة، ولكن خدمة العملاء غير موجودة في العملات الرقمية حالياً، الأمر الذي يعني أنك ستخسر محتوى محفظتك الرقمية بالكامل في حال ضياع أو سرقة كلمة السر الخاصة بها وعدم وجود طريقة لاستبدال كلمة السر.
ولكن هذه التحديات قد تختفي بتطوير جيل جديد من المعالجات التي تستطيع فك التشفير بسرعة وباستهلاك منخفض للطاقة الكهربائية، أو بإيجاد برمجيات فعالة وآمنة لاستبدال كلمات السر المفقودة وحل النزعات المالية بين الأطراف المختلفة. ولا يجب التشكيك بقدرة هذه التقنية على إحداث نقلات جذرية في شتى القطاعات، ذلك أنها لا تزال في بداياتها وتحتاج إلى المزيد من التطوير قبل نضوجها بالشكل المتوقع لخدمة مليارات المستخدمين يوميا.



أبحاث الروبوتات… «ضلَّت طريقها»

رودني بروكس
رودني بروكس
TT

أبحاث الروبوتات… «ضلَّت طريقها»

رودني بروكس
رودني بروكس

يقول رودني بروكس: «أحب أن أنظر إلى ما يفعله الجميع، وأحاول أن أجد قاسماً مشتركاً يفترضونه جميعاً ضمنياً... لكنني أنكر وجوده».

رائد في علم الروبوتات

كان بروكس، رائد علم الروبوتات، يتحدث مباشرةً إلى الكاميرا في فيلم إيرول موريس «سريع، رخيص، وخارج عن السيطرة» عام 1997، الذي يجمع بين مقابلات مع بروكس، ومرّوض أسود، وبستاني متخصص في تقليم الأشجار، وباحث يدرس فئران الخلد العارية. قال بروكس حديثاً عن الفيلم: «أربعة رجال، كان كل منهم يحاول السيطرة على الطبيعة بطريقته الخاصة، وكنا جميعاً نفشل».

في الفيلم، كان بروكس يصف إنجازاً مبكراً. ففي ثمانينيات القرن الماضي، قيّدت قيود الحوسبة التقنية تطوير الروبوتات. لكنه وأثناء مراقبته للحشرات، أدرك أنها تمتلك قدرات عقلية محدودة، لكنها أكثر كفاءة بكثير من روبوتاته، وأن محاكاة بيولوجيا الحيوانات أذكى من محاولة التحكم في كل جانب من جوانب سلوك الروبوت عبر البرمجة. وقادته نجاحاته إلى التنبؤ بانتشار الروبوتات «في كل مكان حولنا».

بروكس مدير مختبر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا السابق، الذي كرّس حياته المهنية لجعل الآلات الذكية جزءاً من حياتنا اليومية والمشارك في ابتكار مكنسة «رومبا» الروبوتية الشهيرة، وهو في سن السبعين، يجد نفسه الآن متشككاً.

شكوك بقدرة الروبوتات... وأموال مهدورة

يعد رواد الأعمال اليوم بروبوتات لا تبدو بشرية فحسب، بل قادرة أيضاً على القيام بكل ما يستطيع الإنسان فعله.

يضخ مستثمرو التكنولوجيا مليارات الدولارات في هذا المسعى، لكن بروكس يرى أن الروبوتات البشرية متعددة الأغراض لن تعود إلى منازلنا قريباً، وأنها ليست آمنة بما يكفي للوجود حول البشر. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، نشر مقالاً نقدياً لاذعاً خلص فيه إلى أنه خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، «ستُهدر أموال طائلة في محاولة استخلاص أي تحسينات ممكنة من الروبوتات الشبيهة بالبشر الحالية. لكن هذه الروبوتات ستكون قد ولَّت منذ زمن بعيد، وسيتم نسيانها في الغالب».

أثار منشوره على مدونته ضجة كبيرة في عالم الروبوتات الصغير. كان هذا الشخص أسطورة في هذا المجال، وقد ساهمت رؤاه في انتشار موضة الروبوتات الشبيهة بالبشر.

وكتب كريس باكستون، الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، معلقاً: «سألني ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً عما إذا كنت أوافق على ما قاله بعد وقت قصير من نشره (وأنا لا أوافق)» على ما قاله.

أمثلة تاريخية

ويتذكر بروكس سيارة إرنست ديكمانز ذاتية القيادة، التي انطلقت في رحلاتها عبر أوروبا عام 1987. كان حاضراً عندما هزم حاسوب «آي بي إم» العملاق «ديب بلو» بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف عام 1997، وعندما تنبأ باحث الذكاء الاصطناعي جيف هينتون عام 2016 بأن علم الأشعة سيصبح من الماضي خلال خمس سنوات لأن برامج التعلم الآلي ستؤدي أعماله بشكل أفضل.

كانت كل هذه تطورات مهمة، لكن السائقين ولاعبي الشطرنج واختصاصيي الأشعة ما زالوا بيننا.

يصر بروكس على أنه يتصرف بواقعية. قال في مقابلة: «سنمر بفترة من الحماس الشديد، ثم ستأتي فترة من خيبة الأمل».

سباق تسلح نحو الروبوتات الشبيهة بالبشر

يقول بروكس، الذي يعمل الآن في مؤسسة «روبست»، إن المظهر الخارجي للروبوت يُوحي بقدراته. فالروبوتات المستخدمة على نطاق واسع اليوم مصممة لمهام محددة في ظروف معينة، وتبدو كذلك - كذراع تؤدي نفس الحركة المتكررة على خط الإنتاج، أو رافعات المنصات الآلية في مستودعات «أمازون». إنها ليست مبهرة. ويضيف: «يرى الناس الشكل الشبيه بالبشر، فيعتقدون أنه قادر على فعل كل ما يفعله الإنسان».

بعبارة أخرى، تُعد الروبوتات الشبيهة بالبشر فكرة مثالية لوادي السيليكون، حيث يُمثل النمو المحتمل كل شيء بالنسبة للشركات المدعومة برأس المال المغامر.

طموحات أم أوهام؟

لهذا السبب يبدو أن شركة تسلا، المملوكة لإيلون ماسك، تُراهن بكل شيء على روبوتها «أوبتيموس». في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، صرّح ماسك بأن بناء مثل هذه الروبوتات على نطاق واسع يُمثّل «معضلة مالية لا نهائية»، وتوقّع أن روبوت شركته «قد يُحقق إنتاجية تفوق إنتاجية الإنسان بخمسة أضعاف سنوياً لقدرته على العمل على مدار الساعة». ويعتقد، من بين أمور أخرى، أن أوبتيموس سيكون جراحاً بارعاً، وهو ادعاء جريء، إذ تُعدّ البراعة البشرية من أصعب التحديات في مجال الروبوتات.

ليس ماسك الوحيد الذي يطمح إلى تحقيق أهداف كبيرة. فمن بين شركات أخرى، جمعت شركة Figure AI الناشئة ما يقارب ملياري دولار منذ عام 2022 لتطوير خط إنتاجها من الروبوتات الشبيهة بـ C-3PO، التي تُستخدم في مجالات متنوعة من التصنيع إلى رعاية المسنين. كما يمكنك إنفاق 20 ألف دولار للحصول على روبوت من إنتاج شركة 1X Technologies في بالو ألتو، ووضعه في منزلك العام المقبل، ولكن سيتم دعم استقلاليته المحدودة من قِبل موظفي الشركة، الذين سيتحكمون به عن بُعد ضمن خطة لتعليمه مهامَ جديدة.

صعوبة محاكاة البشر

هذه ليست سوى أحدث محاولة لتحقيق ما وصفه بروكس وزملاؤه في حينه في ورقة بحثية نُشرت عام 1999 بتطوير «الكأس المقدسة». وقد تعثرت المحاولات السابقة لبناء روبوتات بشرية متعددة الأغراض بسبب صعوبة المشي على قدمين، وغيرها من الصعوبات المتعلقة بمحاكاة الشكل البشري باستخدام الإلكترونيات.

ثم هناك العدد الهائل من المواقف التي قد يجد الإنسان نفسه فيها. كيف يُمكن كتابة برنامج يُساعد الروبوت، لحل إحدى المهام الروتينية الشائعة التي يُمكن الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذها، على التنقل في كل منزل، وجمع الغسيل، وفرزه؟

الذكاء الاصطناعي التوليدي

يُقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي إجابة جديدة: تعليم الروبوت القيام بذلك بنفس الطريقة التي نُعلم بها أجهزة الكمبيوتر التعرف على الأشخاص، أو نسخ التسجيلات الصوتية، أو الاستجابة لطلبات مثل «اكتب أغنية راب من التسعينيات».

يُعدّ تدريب الشبكات العصبية باستخدام كميات هائلة من البيانات تقنيةً مُثبتة، وهناك كمّ هائل من البيانات التي تُظهر البشر وهم يتحركون في بيئتهم - عقود من اللقطات المصورة لأشخاص يقومون بأعمال مختلفة تُغذّي مراكز البيانات.

قد تبدو النتائج مُبهرة، على الأقل في مقاطع الفيديو، حيث يُمكن رؤية روبوتات بشرية من شركة Figure وغيرها من الشركات وهي تطوي الملابس، أو تُرتّب الألعاب، أو تُصنّف قطع الغيار في مصنع BMW بولاية كارولاينا الجنوبية.

الإنسان وأخطار الروبوت

لكن ما لا يُرى في معظم مقاطع الفيديو هو وجود أشخاص بالقرب من الروبوتات. يقول بروكس إنه لن يقترب من أي روبوت بشري لمسافة تقل عن متر واحد. ويضيف أنه إذا - وعندما - فقدت هذه الروبوتات توازنها، فإن الآليات القوية التي تجعلها مفيدة، تُحوّلها إلى أداة خطرة.

تُلزم لوائح السلامة عموماً الأفراد بالابتعاد عن الروبوتات في البيئات الصناعية. ويقول آرون براذر، مدير قسم الروبوتات والأنظمة المستقلة في ASTM International، وهي منظمة معنية بوضع المعايير، إن الروبوتات البشرية ليست غير آمنة بطبيعتها، ولكنها تتطلب إرشادات واضحة، خاصةً عند خروجها من البيئات التي تدرب فيها البشر على العمل جنباً إلى جنب معها.

ويضيف براذر: «بالنسبة للروبوتات التي تدخل المنازل، وخاصة الروبوتات الشبيهة بالبشر التي يتم التحكم بها عن بُعد، فنحن في منطقة جديدة».

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رفع رئيس قسم سلامة المنتجات السابق في شركة «فيغر» Figure دعوى قضائية ضد الشركة بتهمة الفصل التعسفي، مدعياً أنه طُرد بعد محاولته تطبيق إرشادات سلامة صارمة. رفضت الشركة التعليق على تقنيتها، لكن أحد ممثليها نفى الادعاءات الواردة في الدعوى، قائلاً إن الموظف فُصل بسبب ضعف أدائه. من جهته، قال ممثل عن شركة 1X إن روبوتها المنزلي يعتمد على آليات جديدة «تجعله آمناً ومتوافقاً بشكل فريد مع البشر».

قدرة الأصابع الحسّية المذهلة... يصعب ترجمتها للآلات

يشكّك بروكس بشدة في قدرة الشبكات العصبية على حلّ مشكلة البراعة. لا يمتلك البشر لغةً لجمع وتخزين ونقل البيانات المتعلقة باللمس، كما هو الحال بالنسبة للغة والصور. تجمع قدرة أصابعنا الحسية المذهلة أنواعاً شتى من المعلومات التي يصعب علينا ترجمتها للآلات. ويرى بروكس أن البيانات المرئية التي يفضلها الجيل الجديد من الشركات الناشئة في مجال الروبوتات لن تتمكن ببساطة من محاكاة ما نستطيع فعله بأصابعنا.

ويقول بروكس: «لقد صنع طلابي العديد من الأيدي والأذرع، وشحنوا عشرات الآلاف من أذرع الروبوت. أنا على يقين تام بأن الروبوتات الشبيهة بالبشر لن تصل إلى مستوى قدرات التلاعب (الحركي) البشري».

يجادل الباحثون بأنه إذا لم تكن البيانات المرئية وحدها كافية، فيمكنهم إضافة مستشعرات لمسية إلى روبوتاتهم، أو استخدام البيانات الداخلية التي يجمعها الروبوت عند تشغيله عن بُعد بواسطة مستخدم بشري. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه التقنيات ستكون رخيصة بما يكفي لجعل هذه الشركات مستدامة.

لكن هناك أيضاً احتمالات عديدة بين براعة الإنسان وفشل الروبوت. يقول براس فيلاغابودي، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة أجيليتي روبوتيكس: «يطرح بروكس العديد من النقاط المهمة، لكنني أختلف معه في نقطة واحدة، وهي أننا بحاجة إلى بلوغ مستوى براعة الإنسان لنستفيد من الروبوتات متعددة الأغراض».

واقعي... لا متشائم

يصف بروكس نفسه بأنه واقعي، لا متشائم. ويكمن قلقه الرئيسي في أن التركيز المفرط على أحدث أساليب التدريب سيؤدي إلى إهمال أفكار واعدة أخرى. ويتوقع أن تعمل الروبوتات يوماً ما جنباً إلى جنب مع البشر، وأننا قد نطلق عليها اسم «الروبوتات الشبيهة بالبشر»، لكنها ستكون، كما يقول، مزودة بعجلات وأذرع متعددة، وربما لن تكون متعددة الأغراض.

وهو يعمل حالياً فوق مستودع النماذج الأولية في سان كارلوس، كاليفورنيا، حيث تتعلم روبوتات شركة روبست عملها، لكنه يتوقع الابتعاد عن العمل في الشركات خلال السنوات القليلة المقبلة. ليس للتقاعد، بل لكتابة كتاب عن طبيعة الذكاء، ولماذا لن يتمكن البشر من ابتكاره اصطناعياً قبل 300 عام أخرى.

يقول عن حلمه المتنامي بالذكاء الاصطناعي: «لقد كان هذا حلمي طوال حياتي». ويضيف: «ما أكرهه الآن هو الذكاء الاصطناعي العام. لطالما سعينا نحو الذكاء الاصطناعي العام! وقريباً سيُطلقون عليه اسم الذكاء الاصطناعي الفائق».

«لا أعرف ما سيأتي بعد ذلك، لكنه سيكون الذكاء الاصطناعي الخارق».

* باختصار، خدمة «نيويورك تايمز».


خبراء يحذرون: الذكاء الاصطناعي قد ينفذ هجمات إلكترونية بمفرده

صورة مركبة عن الذكاء الاصطناعي (رويترز)
صورة مركبة عن الذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

خبراء يحذرون: الذكاء الاصطناعي قد ينفذ هجمات إلكترونية بمفرده

صورة مركبة عن الذكاء الاصطناعي (رويترز)
صورة مركبة عن الذكاء الاصطناعي (رويترز)

حذرت مجموعة من الخبراء من قيام نماذج الذكاء الاصطناعي بتحسين مهاراتها في الاختراق، مشيرين إلى أن قيامها بتنفيذ هجمات إلكترونية بشكل كامل بمفردها يبدو أنه «أمر لا مفر منه».

وبحسب موقع «أكسيوس»، سيُدلي قادة من شركتي «أنثروبيك» و«غوغل» بشهادتهم اليوم أمام لجنتين فرعيتين تابعتين للجنة الأمن الداخلي بمجلس النواب الأميركي، حول كيفية إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى لمشهد التهديدات الإلكترونية.

وكتب لوغان غراهام، رئيس فريق اختبار الذكاء الاصطناعي في «أنثروبيك»، في شهادته الافتتاحية التي نُشرت حصرياً على موقع «أكسيوس»: «نعتقد أن هذا هو المؤشر الأول لمستقبل قد تُمكّن فيه نماذج الذكاء الاصطناعي، على الرغم من وجود ضمانات قوية، الجهات المُهدِّدة من شنّ هجمات إلكترونية على نطاق غير مسبوق».

وأضاف: «قد تصبح هذه الهجمات الإلكترونية أكثر تعقيداً من حيث طبيعتها وحجمها».

وحذرت شركة «أوبن إيه آي»، الأسبوع الماضي، من أن نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية ستمتلك على الأرجح قدرات سيبرانية عالية الخطورة، مما يقلل بشكل كبير من المهارة والوقت اللازمين لتنفيذ أنواع معينة من الهجمات السيبرانية.

بالإضافة إلى ذلك، نشر فريق من الباحثين في جامعة ستانفورد ورقة بحثية توضح كيف اكتشف برنامج ذكاء اصطناعي يُدعى أرتميس ثغرات في إحدى الشبكات التابعة لقسم الهندسة بالجامعة، متفوقاً على 9 من أصل 10 باحثين بشريين شاركوا في التجربة.

كما أفاد باحثون في مختبرات Irregular Labs، المتخصصة في اختبارات الضغط الأمني ​​على نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة، أنهم لاحظوا «أدلة متزايدة» على تحسن نماذج الذكاء الاصطناعي في مهام الهجوم السيبراني.

ويشمل ذلك تحسينات في الهندسة العكسية، وبناء الثغرات، وتسلسل الثغرات، وتحليل الشفرات.

وقبل ثمانية عشر شهراً فقط، كانت تلك النماذج تعاني من «قدرات برمجية محدودة، ونقص في عمق الاستدلال ومشكلات أخرى»، كما أشارت شركة Irregular Labs.

وأضافت الشركة: «تخيلوا ما ستكون قادرة عليه بعد ثمانية عشر شهراً من الآن».

لكن، على الرغم من ذلك، لا تزال الهجمات الإلكترونية التي تعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي بعيدة المنال. ففي الوقت الراهن، تتطلب هذه الهجمات أدوات متخصصة، أو تدخلاً بشرياً، أو اختراقاً لأنظمة المؤسسات.

وقد تجلى ذلك بوضوح في تقرير «أنثروبيك» الصادم الشهر الماضي، إذ اضطر قراصنة الحكومة الصينية إلى خداع برنامج كلود للذكاء الاصطناعي والتابع للشركة ليقنعوه بأنه يُجري اختبار اختراق عادي قبل أن يبدأ باختراق المؤسسات.

وسيُخصص المشرعون جلسة الاستماع اليوم (الأربعاء) للبحث في الطرق التي يستخدم بها قراصنة الدول ومجرمو الإنترنت الذكاء الاصطناعي، وما إذا كانت هناك حاجة إلى أي تغييرات في السياسات واللوائح التنظيمية لتحسين التصدي لهذه الهجمات.


5 توقعات لدور الذكاء الاصطناعي المتنامي في الإعلام عام 2026

5 توقعات لدور الذكاء الاصطناعي المتنامي في الإعلام عام 2026
TT

5 توقعات لدور الذكاء الاصطناعي المتنامي في الإعلام عام 2026

5 توقعات لدور الذكاء الاصطناعي المتنامي في الإعلام عام 2026

يدخل قطاع الإعلام مرحلة محورية في علاقته بالذكاء الاصطناعي، تتسم بتسارع تبنيه وازدياد التحديات. وفيما يلي خمسة توقعات رئيسية لعام 2026، تسلط الضوء على كيفية إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي للصحافة والنشر والعلاقات العامة، كما كتب بيت باشال (*):

حقوق النشر

1.تفاقم نزاعات حقوق النشر

من المتوقع أن يتفاقم الجدل العالق حول حقوق النشر بين الناشرين وشركات الذكاء الاصطناعي قبل أن يتحسن. ورغم وجود اتفاقيات ترخيص، فإن التوتر الأساسي لا يزال قائماً: إذ يطالب الناشرون بتعويضات مقابل استخدام المحتوى، بينما تدافع شركات الذكاء الاصطناعي عن مبدأ الاستخدام العادل.

يلجأ كثير من الناشرين حالياً إلى حظر برامج زحف الذكاء الاصطناعي، ما يحد من الوصول إلى البيانات الحديثة، ويجعل أدوات الذكاء الاصطناعي أقل تنافسية. ومع ذلك، تتمتع «غوغل» بميزة فريدة نظراً لتوحيد محرك البحث وبرامج زحف الذكاء الاصطناعي لديها، فلا يمكن لأي ناشر حظر محرك بحث «غوغل».

ويضع هذا الوضع المنافسين، مثل «أوبن إيه آي» و«بيربليكسيتي»، في موقف غير مواتٍ، ويتوقع باشال أن تُعطي شركات الذكاء الاصطناعي الأولوية للتنافسية على حساب الامتثال لأوامر الآخرين.

غرفة الأخبار

2. تحوّل غرف الأخبار نحو منتجات الذكاء الاصطناعي لجني الإيرادات

يتطور دور الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار من مجرد أدوات لرفع الكفاءة إلى منتجات مُدرّة للدخل.

ويعكس تبني صحيفة «نيويورك تايمز» للذكاء الاصطناعي في مجال النسخ وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي ازدياد الثقة بهذه التقنية. والأهم من ذلك، أن مبادرات مثل «Times AI Agent»، التي تُحوّل الأرشيفات إلى مجموعات بيانات جاهزة للذكاء الاصطناعي، تُشير إلى توجه نحو منتجات الذكاء الاصطناعي القابلة للاستثمار.

وبينما لا تزال الربحية غير مؤكدة، فإن الناشرين يُبدون استعداداً كبيراً للتجربة، على الرغم من الجدل الدائر، مثل ردة فعل نقابة «بوليتيكو» (Politico) على أداة ذكاء اصطناعي لقسمها المتميز. ويُشير هذا التوجه إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُصبح جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيات المنتجات التي تهدف إلى تحسين الأرباح.

انتعاش قطاع العلاقات العامة

3. نهضة العلاقات العامة «الرشيقة»

على عكس التوقعات بتراجعها، تشهد العلاقات العامة انتعاشاً مدفوعاً بالذكاء الاصطناعي. يُولي الذكاء الاصطناعي التوليدي أهميةً بالغةً للمصداقية عبر منصات متعددة، ما يجعل الاستشهاد الواسع النطاق أكثر أهمية من أي وقت مضى. تُعزز هذه الديناميكية أهمية العلاقات العامة، حيث يُسهم تأمين التغطية - حتى على المواقع الصغيرة - في تعزيز الظهور في الأنظمة البيئية القائمة على الذكاء الاصطناعي.

مع ذلك، يواجه القطاع ضغوطاً لتبني الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى لخفض التكاليف، ما يُجبر شركات العلاقات العامة على أن تُصبح أكثر رشاقةً وذكاءً. والنتيجة هي قطاع علاقات عامة مُعزز ولكنه مُتحول، يتكيف مع تأثير الذكاء الاصطناعي على المحتوى والمصداقية.

أصالة الكتابة البشرية

4. الأصالة تُعيد تأكيد ذاتها

على الرغم من المخاوف من هيمنة الذكاء الاصطناعي على الصحافة، فإن الكتابة البشرية تظل أساسية. فبينما يُمكن للذكاء الاصطناعي البحث والكتابة، فإن استخدامه يُغير ثقة الجمهور وعلاقاته.

استعادت الأصالة أهميتها، حيث يُنظر إلى سرد القصص الذي يقوده الإنسان كأنه عامل تمييز. لا يزال الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً داعماً، ما يُتيح التوسع الفعّال من حيث التكلفة في صيغ، مثل مقاطع الفيديو التوضيحية القصيرة. وفي نهاية المطاف يعمل الذكاء الاصطناعي بوصفه مُسرِّعاً وليس بديلاً، ما يُساعد وسائل الإعلام على التنويع دون التضحية بالأصالة.

التوجه المباشر إلى الجمهور

5. التركيز على الجماهير مباشرة

يستعد الناشرون لعالم يسمى «غوغل الأصغر»، حيث يُعد الاعتماد على ما تقدمه محركات البحث المحسنة أمراً محفوفاً بالمخاطر؛ لذا تتجه الأولوية نحو بناء علاقات مباشرة مع الجمهور من خلال التطبيقات الخاصة والنشرات الإخبارية والفعاليات المباشرة، وهي قنوات تتميز بتفاعل وولاء أكبر.

ومع ذلك، مع تبني مزيد من الناشرين لهذه الاستراتيجيات، ستشتد المنافسة على جذب الانتباه.

الصورة الأكبر

لم يعد تبني الذكاء الاصطناعي في وسائل الإعلام خياراً. مع استخدام 34 في المائة من الأشخاص للذكاء الاصطناعي في البحث عن المعلومات - أي بارتفاع من 18 في المائة قبل عام - وإدراج أكثر من نصف الصحافيين للذكاء الاصطناعي في سير عملهم أسبوعياً، يتكيف القطاع الإعلامي بسرعة. وبينما لا تزال مسائل حقوق النشر وتحقيق الربح عالقة، يُتوقع أن يكون عام 2026 هو العام الذي تُعدّ فيه شركات الإعلام دليلها الخاص للبقاء في عصر الذكاء الاصطناعي.

*مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا»