العم «زكي»... «شيخ الحلاقين» في غزة وأمين أسرار زبائنه

العم زكي يحلق ذقن أحد زبائنه
العم زكي يحلق ذقن أحد زبائنه
TT

العم «زكي»... «شيخ الحلاقين» في غزة وأمين أسرار زبائنه

العم زكي يحلق ذقن أحد زبائنه
العم زكي يحلق ذقن أحد زبائنه

منذ نحو 60 عاماً، يحافظ الحلاق زكي أبو إدغيم على أسلوبه الحيوي والمرح في التعامل مع الزبائن الذين يؤمون صالونه الواقع على بعدِ أمتارٍ من سوق مخيم دير البلح الشعبية وسط قطاع غزة. ليس ليصففوا شعرهم فقط، فالاستماع لقصص الزمن الجميل وحكاياته التي يرويها «العم زكي» على مسامعهم بصورة شبه يومية، هو هدفٌ لهم أيضاً.
أبو إدغيم الذي يبلغ من العمر 73 عاماً. تعلّم الحلاقة سنة 1965. وبدأ العمل بها من خلال افتتاح صالونه الشخصي عام 1966. لينضم بذلك لعددٍ محدود جداً من «أصحاب الكار الغزيين» الذين كانوا يعتمدون في ذلك الوقت على أدواتِ المهنة البدائية المصنوعة يدوياً، قبل أن يتطور بهم الحال ويُدخلوا المعدات الكهربائية إلى القطاع.
يقول أبو إدغيم في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «مذ بدأت العمل (حلاقاً)، أدركت تماماً أنّ مهنتي تحتاج للحيوية والفرح؛ لأنّ الزبون قد يزورك بمزاجٍ متعكر وهموم مثقلة، ولكي تكسبه عليك أن تعدل له مزاجه وقد يكون ذلك بقصة ترويها، أو بحكاية طريفة تخبّره فيها عن أصول الأشياء والعائلات»، مضيفاً: «بهذا الأساس صرت قريباً للناس، وأصبح الجلوس في الصالون لانتظار دورهم في الحلاقة، من الأشياء المفضلة بالنسبة لهم».
استخدم أقدم حلّاق في قطاع غزة ببداياته معدات بدائية جداً كما طريقة تصفيف الشعر التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ويشير إلى أنّه انطلق بعمله من مدينة دير البلح، بعد أن تعلّم المهنة على يدِ حلاقٍ ماهر بناءً على رغبة والده، وظلّ كذلك حتّى عام 1998، الذي قرر فيه الانتقال للسعودية في محاولة لتحسين دخله، وبقي هناك خمس سنوات.
بعدها عاد لمسقط رأسه ليستكمل عمله في ذات الصالون الذي لا يزال يحتفظ بتفاصيله القديمة التي تجعله يبدو كقطعة أنتيكا يَلحظ الناظر لها عبق التاريخ كأنّه يفوح من جنباتها. لافتاً إلى أنّ عمله في فلسطين لم يقتصر على مدينته، بل توزع في وقتٍ ما، بين محافظات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، التي لطالما أبدى أهلها إعجابهم بالعم زكي ورشاقته وخفته بالتنقل بين البيوت ودقة مواعيده.
يتابع أبو إدغيم الذي يلقبه الناس بـ«شيخ الحلاقين» حديثه بينما كان يحلق لأحد الزبائن: «في ساعات الصباح الباكر أفتح أبواب الصالون وأجهزه لاستقبال الزبائن، الذين يفضلون الحلاقة على يداي صباحاً وغالباً هم من كبار السن، الذين اعتدت منذ سنوات طويلة على تصفيف شعورهم أسبوعياً في نفس اليوم والوقت».
بعد أن يقضي ساعاته الصباحية الأربع داخل الصالون، يُسلم أمور العمل لاثنين من أحفاده، ويتجهز للانطلاق برحلته اليومية على دراجته الهوائية الخفيفة بصحبة حقيبة معداته، لزيارة زبائن «البيوت»، وهم من أصدقاء طفولته، وبعضهم من أصحاب المرض الذين لا يقوون على الانتقال للصالون، منبهاً إلى أنّ ذاك هو ما يبقيه نشيطاً مرحاً، فالأمر بالنسبة له لا يقف عند «الحلاقة».
وبالحديث عن واقع مهنته بين الأمس واليوم يذكر أبو إدغيم أنّ الماضي بالنسبة هو الأجمل، فبساطة الناس وقلة عددهم، وشوارع المخيم التي احتفظ بذكرياتٍ في كلّ زقاق من أزقتها، شكّلت له مصدر شغف بالعمل، موضحاً أنّه كان سابقاً يُمضى معظم وقته بعيداً عن الصالون، متتبعاً الزبائن وبيوتهم، حريصاً على الوصول لهم في الوقت المسجل لديه على دفتره الخاص.
أمّا اليوم فالحال اختلف وفقاً لكلامه، فعدا عن ولَع الشباب والأطفال بقصات الموضة الحديثة، أصبحت اليوم فكرة الحلاقة في المنازل تكاد تكون معدومة عند معظم الحلاقين من أصحاب الجيل الجديد، منوهاً بأنّ مهنته جعلته قريباً من هموم الناس وأفراحهم يشاركهم في معظمها، حتّى أنّه صار مصدر ثقة بالنسبة لهم، يسألونه عن رأيه في بعض أمور حياتهم، وذلك لعلمهم بمدى خبرته وكذلك لاستماعه لمئات القصص التي يستطيع أن يبني موقفاً على العبر التي يستخلصها منها.
علّم «شيخ الحلاقين» ثلاثة من أبنائه وعدداً آخر من أحفاده أصول المهنة، وأصبحوا مع الوقت مُعينين له في عمله داخل الصالون، واعتمد عليهم في مجاراة بعض القصّات الحديثة التي تُرضي ذوق الشباب والأطفال، ليحافظ بذلك على زبائنه ويظلّ قريباً منهم. يردف: «أبنائي الثلاثة يعملون الآن حلاقين للرجال في تركيا، ومن يساندني في عملي هم أحفادي»، مبدياً سعادته وفخره بهذا الأمر الذي جعله ينظر لنفسه على أنّها بذرة زُرعت منذ عشرات السنوات وأصبحت اليوم شجرة ممتدة.



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.