اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
TT

اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)

يرفض سُنة لبنان الاتهامات الموسمية لهم بالتطرف، ويصرون على أن إلصاق هذه الاتهامات بهم هو صنيعة مندسين وأجهزة تخدم أجندات واضحة الأهداف. ويعتبرون أن خلف هذه الأجندات جهات تعمل على ربط أي حادث أمني طابعه التطرف في لبنان بحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدفهم وتتهمهم بـ«الداعشية»، كما حصل مع عملية طرابلس الإرهابية ليلة عيد الفطر، مطلع يونيو (حزيران) الماضي، والتي أدّت إلى استشهاد أربعة عسكريين من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، على يد عبد الرحمن مبسوط الذي قضى خلال العملية.
يستنكر سُنة لبنان التمييز بين المجموعات التي ذهبت إلى سوريا لتقاتل إلى جانب النظام ولم يتعرض لأفرادها أيُّ جهاز أمني، وبين مَن التحقوا بجماعات مسلحة ضد النظام السوري ويتعرضون للملاحقة والسجن. وقد تحدث النائب ووزير العدل السابق سمير الجسر، عن هذا التمييز، وذكر أن مهندساً غادر إلى سوريا لبضعة أيام واكتشف أن الحرب هناك ليست لمصلحة الشعب السوري، وعندما عاد حُكم عليه بالسجن خمس سنوات.

مظلومية السُّنَّة اللبنانيين

ويوضح الشيخ صفوان الشعار، من دار الفتوى، أن «الإرهاب لا أصل له في الدين وقد أُلصق بالإسلام، وهو صنيعة عالمية وليس صناعة عربية خالصة، فإمكانات المنطقة العربية تقنياً وتمويلاً لا تسمح بصناعة الإرهاب بالشكل والمستوى والتجهيزات التي شهدناها. والحملات التي تطاول سُنة لبنان هي انحرافات لتشويه الإسلام، وهي لا تقتصر على لبنان، وتُشن لصالح سياسات مغرضة».
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «لبنان بعيد عن التطرف، واللبنانيون بعيدون عن هذا المنتج الذي تموله سياسات خارجية لمصلحتها، بهدف بذر الخلاف والفتنة. والسُّنَّة في لبنان واعون لهذا المخطط، وهم في كل استحقاق يتضامنون مع المؤسسة الأمنية ويدعمون جهودها. والأمر ليس سهلاً لأن لبنان استراتيجي لبعض القوى الخارجية».
ويضيف الشعار: «نحن نشعر باستهداف للسُّنَّة ومحاولة شيطنتهم وتصويرهم على أنهم إرهابيون. ولا ننسى أنه بالتزامن مع (حادثة مبسوط)، خرجت مجموعة تضم عشرات المسلحين في البقاع مدججة بالسلاح ولم تحصل اعتقالات رغم إطلاق أفرادها النار على ثكنة للجيش، وتصويره كأنه هو المعتدي على السلم الأهلي. ولم تُتهم بيئة هذه المجموعة بالإرهاب، ولم تُشن الحملات الإعلامية ضدها. كذلك عندما اندلعت أحداث الجبل قبل أسبوع، لم يتم اتهام الدروز كلهم بأنهم إرهابيون. لماذا تنحصر الاتهامات فقط بالسُّنَّة؟ لكن رغم ذلك نحن نغلّب الحكمة والعقل ونسعى إلى عدم تكبير دائرة الانشقاق داخل المجتمع اللبناني ونسعى لوحدة اللبنانيين، لحرصنا على العيش المشترك كما نص عليه اتفاق الطائف، لإنهاء الحرب الأهلية. ونحن نلتزم به لأنه الطريق إلى المواطنة. بالتالي مَن يخرج عن (الطائف) يخرج عن العيش المشترك ويفتح باب الفتنة».
ويشدد الشعار على أن «مواجهة شيطنة السُّنَّة والتطرف على حد سواء تتطلب إقامة دولة العدالة والقانون والأمن، فالواضح أن الفوضى القائمة على الحدود اللبنانية والتسهيلات لرعاية حالات التطرف وعبور العتاد والمسلحين تطرح علامات استفهام عن مصالح مستفيدين أصحاب مشاريع مجهولة».
ويقول مسؤول أمني سابق إن «زرع التطرف في لبنان بدأ ببصمة مخابراتية تخدم النظام الأمني السوري - اللبناني، الذي وضع يده على لبنان خلال الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتحديداً مع التوجه إلى ضرب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال اختراق المخيمات الفلسطينية وإنشاء خلايا إرهابية فيها مرعية من هذا النظام. حينها كانت الأرض خصبة مع تأسيس (القاعدة). ويقول أحد الذين عايشوا تلك المرحلة إن تقاطع مصالح بين النظام السوري ونظام الخميني والجماعات المتطرفة التابعة لـ(القاعدة) مهّد الظروف لظهور حالات تطرف لبنانية تأسست وإن لم تتوسع جماهيرياً، ليبقى الإرهاب مستورداً بقياداته، رغم وجود لبنانيين تم تجنيدهم، كما حصل في مخيم نهر البارد مع زعيم (فتح الإسلام) شاكر العبسي».
ويضيف المسؤول أن «العمل على توليد الإرهاب في لبنان نشط مع ارتفاع نسبة الفقر. وأسهم الخلاف السياسي في رعايته، فكان يتم التركيز على أصحاب الشخصيات المضطربة بسبب المعاناة المعيشية، فتتم دعوتهم إلى الصلاة جماعةً وترغيبهم بأن يتجمعوا في خلايا من خلال جمعيات تتلظى بالعمل الاجتماعي، فيتولاهم داعية ويشجعهم على التمرد على أهلهم، ومن ثمّ يبدأ تدريبهم على الجهاد، وإقناعهم بالقتال ضد الكفار. وغالبية هؤلاء أُصيبوا بخيبة. ومَن عاد منهم وجد أنه أصبح (مجاهداً سابقاً) منسياً وفقيراً معدماً ولا أحد يهتم به».

حملات إلكترونية لشيطنة السُّنَّة

وفي حين تنشط الحملات الإلكترونية لتصوير سُنة لبنان على أنهم «إرهابيون محتملون»، ما يفرض على الطوائف الأخرى البحث عمن يحميها منهم، يقول وزير الإعلام السابق والأستاذ الجامعي للإعلام ملحم رياشي، لـ«الشرق الأوسط» إن «أبلسة السُّنَّة في لبنان باءت بالفشل. هناك محاولات غير ناجحة وسرديات مبتذلة مكشوفة ومفضوحة. فقد أثبت السُّنَّة أنهم طائفة اعتدال وليست طائفة تطرف بالمعنى الإرهابي للكلمة، فهي ليست موجودة على هذا التقاطع، رغم وجود عناصر فالتة. لكن حرب سوريا برهنت على الاعتدال السُّني اللبناني، ففي حين وفد المئات من المقاتلين المتطرفين الفرنسيين والآلاف من تونس إلى سوريا، لم تُسجَّل إلا أعداد قليلة من السُّنَّة اللبنانيين الذين حاربوا في الداخل السوري».
أما المحامية مهى فتحة، عضو هيئة السجناء وأسرهم في دار الفتوى، فتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وصم السُّنَّة بالتطرف بدأ مع دعم المقاومة الفلسطينية وتمويلها من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، ومع تعاطف المسلمين في لبنان وفي العالم العربي مع القضية الفلسطينية. وسعت الدولة الصهيونية منذ ذلك الحين إلى تصوير أي مقاومة على أنها إرهاب. ومع الخلافات وتطور الانقسامات في العالم العربي والإسلامي، كان هناك من يعمل على دمغ السُّنَّة بالإرهاب».
وتضيف المحامية فتحة: «في لبنان، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام إلى فريق بعينه، بدأت موجة ثانية من تصوير السُّنَّة على أنهم متطرفون لإضعافهم وإضعاف المحكمة الدولية. وحصل شرخ كبير في لبنان بين ما كان يسمى (8 آذار) و(14 آذار) على أساس طائفي. وبعد ذلك بدأت صناعة حركات متطرفة كـ(فتح الإسلام)، ومع الثورة في سوريا (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش) وغيرهما. وكل مصادر التطرف محركها واحد مع تغيير في أسماء المنفذين. وهي صناعة صهيونية لا علاقة لها بالأديان، تدير دمى متحركة. كما أن السجون اللبنانية تسهم في صناعة الإرهاب بسبب القمع وسوء الإدارة وعدم التأهيل. وما يجري في السجون يؤدي إلى ردود فعل ورغبة في الانتقام، لا سيما عندما يُسجن أبرياء ويتعرضون لسوء المعاملة، وما إن يخرجوا حتى ينضموا إلى صفوف المتطرفين».

الإرهاب لم يجد في لبنان بيئة حاضنة

أما الإعلامي رياض طوق، المتخصص في قضايا الإرهاب والشؤون الأمنية، فيشير إلى أن «جهود المنظمات الإرهابية كـ(جبهة النصرة) أصيبت بإحباط، وتحديداً في طرابلس، لأن جهودها لم تثمر ولم تجد بيئة حاضنة لمشروعها بين أبناء المدينة، واعتبرت أن سُنة لبنان غير جديرين بالقتال وتخلت بالتالي عن بناء جو سياسي خاص بها في لبنان».
ويضيف أن «المتطرفين حصلوا على فرصتهم لتجنيد لبنانيين بعد حرب عرسال عام 2014، عندما أصبح لتنظيم (داعش) و(جبهة النصرة) مراكز قيادة في جرود عرسال ورأس بعلبك، ما سهّل تواصلهم مع الداخل اللبناني، ولم يعد ضرورياً السفر إلى تركيا ومنها إلى الرقة لمن يريد الالتحاق بأحد هذين التنظيمين. فالموقع الجغرافي سهّل التجنيد والتزود بالعبوات والأحزمة الناسفة. لكن بعد عملية فجر الجرود وسيطرة الجيش على هذه المناطق وطرد الإرهابيين منها تغيَّر الوضع».
ويوضح: «السبب في انحسار المد المتطرف يعود أيضاً إلى الأمن الوقائي، فالأجهزة الأمنية تلقت دعماً لوجيستياً ومالياً أوروبياً وأميركياً للتعامل مع أخطار الإرهاب وضرب الإرهابيين. وحصل تنافس بين هذه الأجهزة للإقبال على التدريب والقيام بعمليات نوعية استباقية فاقت النشاط الأمني الاستباقي في كثير من الدول المتقدمة. وما ساعدها في ذلك حرية العمل من دون ضوابط والقدرة على توقيف المشتبه بهم للحصول على المعلومات».
ويشير طوق إلى أن «ما سهل عمل الأجهزة هو التفاهم السياسي الذي بدأ مع حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 وتولي وزيرين من السُّنَّة هما نهاد المشنوق وزارة الداخلية، واللواء أشرف ريفي وزارة العدل، بالإضافة إلى قيام شعبة المعلومات المحسوبة من حصة السُّنَّة بأهم عمليات رصد الإرهابيين والقبض عليهم، ما طمأن سُنة لبنان وأمّن الغطاء المطلوب لمكافحة الإرهاب من دون أن يعيق عملها التجاذب الطائفي. أما الحملات على السُّنَّة واتهامهم بالإرهاب، فهي حملات سياسية تُستخدم لتصفية الحسابات. وعندما يسود التوافق تغيب هذه الحملات وتعود السُّنَّة طائفة اعتدال».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».