اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
TT

اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)

يرفض سُنة لبنان الاتهامات الموسمية لهم بالتطرف، ويصرون على أن إلصاق هذه الاتهامات بهم هو صنيعة مندسين وأجهزة تخدم أجندات واضحة الأهداف. ويعتبرون أن خلف هذه الأجندات جهات تعمل على ربط أي حادث أمني طابعه التطرف في لبنان بحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدفهم وتتهمهم بـ«الداعشية»، كما حصل مع عملية طرابلس الإرهابية ليلة عيد الفطر، مطلع يونيو (حزيران) الماضي، والتي أدّت إلى استشهاد أربعة عسكريين من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، على يد عبد الرحمن مبسوط الذي قضى خلال العملية.
يستنكر سُنة لبنان التمييز بين المجموعات التي ذهبت إلى سوريا لتقاتل إلى جانب النظام ولم يتعرض لأفرادها أيُّ جهاز أمني، وبين مَن التحقوا بجماعات مسلحة ضد النظام السوري ويتعرضون للملاحقة والسجن. وقد تحدث النائب ووزير العدل السابق سمير الجسر، عن هذا التمييز، وذكر أن مهندساً غادر إلى سوريا لبضعة أيام واكتشف أن الحرب هناك ليست لمصلحة الشعب السوري، وعندما عاد حُكم عليه بالسجن خمس سنوات.

مظلومية السُّنَّة اللبنانيين

ويوضح الشيخ صفوان الشعار، من دار الفتوى، أن «الإرهاب لا أصل له في الدين وقد أُلصق بالإسلام، وهو صنيعة عالمية وليس صناعة عربية خالصة، فإمكانات المنطقة العربية تقنياً وتمويلاً لا تسمح بصناعة الإرهاب بالشكل والمستوى والتجهيزات التي شهدناها. والحملات التي تطاول سُنة لبنان هي انحرافات لتشويه الإسلام، وهي لا تقتصر على لبنان، وتُشن لصالح سياسات مغرضة».
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «لبنان بعيد عن التطرف، واللبنانيون بعيدون عن هذا المنتج الذي تموله سياسات خارجية لمصلحتها، بهدف بذر الخلاف والفتنة. والسُّنَّة في لبنان واعون لهذا المخطط، وهم في كل استحقاق يتضامنون مع المؤسسة الأمنية ويدعمون جهودها. والأمر ليس سهلاً لأن لبنان استراتيجي لبعض القوى الخارجية».
ويضيف الشعار: «نحن نشعر باستهداف للسُّنَّة ومحاولة شيطنتهم وتصويرهم على أنهم إرهابيون. ولا ننسى أنه بالتزامن مع (حادثة مبسوط)، خرجت مجموعة تضم عشرات المسلحين في البقاع مدججة بالسلاح ولم تحصل اعتقالات رغم إطلاق أفرادها النار على ثكنة للجيش، وتصويره كأنه هو المعتدي على السلم الأهلي. ولم تُتهم بيئة هذه المجموعة بالإرهاب، ولم تُشن الحملات الإعلامية ضدها. كذلك عندما اندلعت أحداث الجبل قبل أسبوع، لم يتم اتهام الدروز كلهم بأنهم إرهابيون. لماذا تنحصر الاتهامات فقط بالسُّنَّة؟ لكن رغم ذلك نحن نغلّب الحكمة والعقل ونسعى إلى عدم تكبير دائرة الانشقاق داخل المجتمع اللبناني ونسعى لوحدة اللبنانيين، لحرصنا على العيش المشترك كما نص عليه اتفاق الطائف، لإنهاء الحرب الأهلية. ونحن نلتزم به لأنه الطريق إلى المواطنة. بالتالي مَن يخرج عن (الطائف) يخرج عن العيش المشترك ويفتح باب الفتنة».
ويشدد الشعار على أن «مواجهة شيطنة السُّنَّة والتطرف على حد سواء تتطلب إقامة دولة العدالة والقانون والأمن، فالواضح أن الفوضى القائمة على الحدود اللبنانية والتسهيلات لرعاية حالات التطرف وعبور العتاد والمسلحين تطرح علامات استفهام عن مصالح مستفيدين أصحاب مشاريع مجهولة».
ويقول مسؤول أمني سابق إن «زرع التطرف في لبنان بدأ ببصمة مخابراتية تخدم النظام الأمني السوري - اللبناني، الذي وضع يده على لبنان خلال الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتحديداً مع التوجه إلى ضرب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال اختراق المخيمات الفلسطينية وإنشاء خلايا إرهابية فيها مرعية من هذا النظام. حينها كانت الأرض خصبة مع تأسيس (القاعدة). ويقول أحد الذين عايشوا تلك المرحلة إن تقاطع مصالح بين النظام السوري ونظام الخميني والجماعات المتطرفة التابعة لـ(القاعدة) مهّد الظروف لظهور حالات تطرف لبنانية تأسست وإن لم تتوسع جماهيرياً، ليبقى الإرهاب مستورداً بقياداته، رغم وجود لبنانيين تم تجنيدهم، كما حصل في مخيم نهر البارد مع زعيم (فتح الإسلام) شاكر العبسي».
ويضيف المسؤول أن «العمل على توليد الإرهاب في لبنان نشط مع ارتفاع نسبة الفقر. وأسهم الخلاف السياسي في رعايته، فكان يتم التركيز على أصحاب الشخصيات المضطربة بسبب المعاناة المعيشية، فتتم دعوتهم إلى الصلاة جماعةً وترغيبهم بأن يتجمعوا في خلايا من خلال جمعيات تتلظى بالعمل الاجتماعي، فيتولاهم داعية ويشجعهم على التمرد على أهلهم، ومن ثمّ يبدأ تدريبهم على الجهاد، وإقناعهم بالقتال ضد الكفار. وغالبية هؤلاء أُصيبوا بخيبة. ومَن عاد منهم وجد أنه أصبح (مجاهداً سابقاً) منسياً وفقيراً معدماً ولا أحد يهتم به».

حملات إلكترونية لشيطنة السُّنَّة

وفي حين تنشط الحملات الإلكترونية لتصوير سُنة لبنان على أنهم «إرهابيون محتملون»، ما يفرض على الطوائف الأخرى البحث عمن يحميها منهم، يقول وزير الإعلام السابق والأستاذ الجامعي للإعلام ملحم رياشي، لـ«الشرق الأوسط» إن «أبلسة السُّنَّة في لبنان باءت بالفشل. هناك محاولات غير ناجحة وسرديات مبتذلة مكشوفة ومفضوحة. فقد أثبت السُّنَّة أنهم طائفة اعتدال وليست طائفة تطرف بالمعنى الإرهابي للكلمة، فهي ليست موجودة على هذا التقاطع، رغم وجود عناصر فالتة. لكن حرب سوريا برهنت على الاعتدال السُّني اللبناني، ففي حين وفد المئات من المقاتلين المتطرفين الفرنسيين والآلاف من تونس إلى سوريا، لم تُسجَّل إلا أعداد قليلة من السُّنَّة اللبنانيين الذين حاربوا في الداخل السوري».
أما المحامية مهى فتحة، عضو هيئة السجناء وأسرهم في دار الفتوى، فتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وصم السُّنَّة بالتطرف بدأ مع دعم المقاومة الفلسطينية وتمويلها من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، ومع تعاطف المسلمين في لبنان وفي العالم العربي مع القضية الفلسطينية. وسعت الدولة الصهيونية منذ ذلك الحين إلى تصوير أي مقاومة على أنها إرهاب. ومع الخلافات وتطور الانقسامات في العالم العربي والإسلامي، كان هناك من يعمل على دمغ السُّنَّة بالإرهاب».
وتضيف المحامية فتحة: «في لبنان، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام إلى فريق بعينه، بدأت موجة ثانية من تصوير السُّنَّة على أنهم متطرفون لإضعافهم وإضعاف المحكمة الدولية. وحصل شرخ كبير في لبنان بين ما كان يسمى (8 آذار) و(14 آذار) على أساس طائفي. وبعد ذلك بدأت صناعة حركات متطرفة كـ(فتح الإسلام)، ومع الثورة في سوريا (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش) وغيرهما. وكل مصادر التطرف محركها واحد مع تغيير في أسماء المنفذين. وهي صناعة صهيونية لا علاقة لها بالأديان، تدير دمى متحركة. كما أن السجون اللبنانية تسهم في صناعة الإرهاب بسبب القمع وسوء الإدارة وعدم التأهيل. وما يجري في السجون يؤدي إلى ردود فعل ورغبة في الانتقام، لا سيما عندما يُسجن أبرياء ويتعرضون لسوء المعاملة، وما إن يخرجوا حتى ينضموا إلى صفوف المتطرفين».

الإرهاب لم يجد في لبنان بيئة حاضنة

أما الإعلامي رياض طوق، المتخصص في قضايا الإرهاب والشؤون الأمنية، فيشير إلى أن «جهود المنظمات الإرهابية كـ(جبهة النصرة) أصيبت بإحباط، وتحديداً في طرابلس، لأن جهودها لم تثمر ولم تجد بيئة حاضنة لمشروعها بين أبناء المدينة، واعتبرت أن سُنة لبنان غير جديرين بالقتال وتخلت بالتالي عن بناء جو سياسي خاص بها في لبنان».
ويضيف أن «المتطرفين حصلوا على فرصتهم لتجنيد لبنانيين بعد حرب عرسال عام 2014، عندما أصبح لتنظيم (داعش) و(جبهة النصرة) مراكز قيادة في جرود عرسال ورأس بعلبك، ما سهّل تواصلهم مع الداخل اللبناني، ولم يعد ضرورياً السفر إلى تركيا ومنها إلى الرقة لمن يريد الالتحاق بأحد هذين التنظيمين. فالموقع الجغرافي سهّل التجنيد والتزود بالعبوات والأحزمة الناسفة. لكن بعد عملية فجر الجرود وسيطرة الجيش على هذه المناطق وطرد الإرهابيين منها تغيَّر الوضع».
ويوضح: «السبب في انحسار المد المتطرف يعود أيضاً إلى الأمن الوقائي، فالأجهزة الأمنية تلقت دعماً لوجيستياً ومالياً أوروبياً وأميركياً للتعامل مع أخطار الإرهاب وضرب الإرهابيين. وحصل تنافس بين هذه الأجهزة للإقبال على التدريب والقيام بعمليات نوعية استباقية فاقت النشاط الأمني الاستباقي في كثير من الدول المتقدمة. وما ساعدها في ذلك حرية العمل من دون ضوابط والقدرة على توقيف المشتبه بهم للحصول على المعلومات».
ويشير طوق إلى أن «ما سهل عمل الأجهزة هو التفاهم السياسي الذي بدأ مع حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 وتولي وزيرين من السُّنَّة هما نهاد المشنوق وزارة الداخلية، واللواء أشرف ريفي وزارة العدل، بالإضافة إلى قيام شعبة المعلومات المحسوبة من حصة السُّنَّة بأهم عمليات رصد الإرهابيين والقبض عليهم، ما طمأن سُنة لبنان وأمّن الغطاء المطلوب لمكافحة الإرهاب من دون أن يعيق عملها التجاذب الطائفي. أما الحملات على السُّنَّة واتهامهم بالإرهاب، فهي حملات سياسية تُستخدم لتصفية الحسابات. وعندما يسود التوافق تغيب هذه الحملات وتعود السُّنَّة طائفة اعتدال».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.