اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
TT

اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)

يرفض سُنة لبنان الاتهامات الموسمية لهم بالتطرف، ويصرون على أن إلصاق هذه الاتهامات بهم هو صنيعة مندسين وأجهزة تخدم أجندات واضحة الأهداف. ويعتبرون أن خلف هذه الأجندات جهات تعمل على ربط أي حادث أمني طابعه التطرف في لبنان بحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدفهم وتتهمهم بـ«الداعشية»، كما حصل مع عملية طرابلس الإرهابية ليلة عيد الفطر، مطلع يونيو (حزيران) الماضي، والتي أدّت إلى استشهاد أربعة عسكريين من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، على يد عبد الرحمن مبسوط الذي قضى خلال العملية.
يستنكر سُنة لبنان التمييز بين المجموعات التي ذهبت إلى سوريا لتقاتل إلى جانب النظام ولم يتعرض لأفرادها أيُّ جهاز أمني، وبين مَن التحقوا بجماعات مسلحة ضد النظام السوري ويتعرضون للملاحقة والسجن. وقد تحدث النائب ووزير العدل السابق سمير الجسر، عن هذا التمييز، وذكر أن مهندساً غادر إلى سوريا لبضعة أيام واكتشف أن الحرب هناك ليست لمصلحة الشعب السوري، وعندما عاد حُكم عليه بالسجن خمس سنوات.

مظلومية السُّنَّة اللبنانيين

ويوضح الشيخ صفوان الشعار، من دار الفتوى، أن «الإرهاب لا أصل له في الدين وقد أُلصق بالإسلام، وهو صنيعة عالمية وليس صناعة عربية خالصة، فإمكانات المنطقة العربية تقنياً وتمويلاً لا تسمح بصناعة الإرهاب بالشكل والمستوى والتجهيزات التي شهدناها. والحملات التي تطاول سُنة لبنان هي انحرافات لتشويه الإسلام، وهي لا تقتصر على لبنان، وتُشن لصالح سياسات مغرضة».
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «لبنان بعيد عن التطرف، واللبنانيون بعيدون عن هذا المنتج الذي تموله سياسات خارجية لمصلحتها، بهدف بذر الخلاف والفتنة. والسُّنَّة في لبنان واعون لهذا المخطط، وهم في كل استحقاق يتضامنون مع المؤسسة الأمنية ويدعمون جهودها. والأمر ليس سهلاً لأن لبنان استراتيجي لبعض القوى الخارجية».
ويضيف الشعار: «نحن نشعر باستهداف للسُّنَّة ومحاولة شيطنتهم وتصويرهم على أنهم إرهابيون. ولا ننسى أنه بالتزامن مع (حادثة مبسوط)، خرجت مجموعة تضم عشرات المسلحين في البقاع مدججة بالسلاح ولم تحصل اعتقالات رغم إطلاق أفرادها النار على ثكنة للجيش، وتصويره كأنه هو المعتدي على السلم الأهلي. ولم تُتهم بيئة هذه المجموعة بالإرهاب، ولم تُشن الحملات الإعلامية ضدها. كذلك عندما اندلعت أحداث الجبل قبل أسبوع، لم يتم اتهام الدروز كلهم بأنهم إرهابيون. لماذا تنحصر الاتهامات فقط بالسُّنَّة؟ لكن رغم ذلك نحن نغلّب الحكمة والعقل ونسعى إلى عدم تكبير دائرة الانشقاق داخل المجتمع اللبناني ونسعى لوحدة اللبنانيين، لحرصنا على العيش المشترك كما نص عليه اتفاق الطائف، لإنهاء الحرب الأهلية. ونحن نلتزم به لأنه الطريق إلى المواطنة. بالتالي مَن يخرج عن (الطائف) يخرج عن العيش المشترك ويفتح باب الفتنة».
ويشدد الشعار على أن «مواجهة شيطنة السُّنَّة والتطرف على حد سواء تتطلب إقامة دولة العدالة والقانون والأمن، فالواضح أن الفوضى القائمة على الحدود اللبنانية والتسهيلات لرعاية حالات التطرف وعبور العتاد والمسلحين تطرح علامات استفهام عن مصالح مستفيدين أصحاب مشاريع مجهولة».
ويقول مسؤول أمني سابق إن «زرع التطرف في لبنان بدأ ببصمة مخابراتية تخدم النظام الأمني السوري - اللبناني، الذي وضع يده على لبنان خلال الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتحديداً مع التوجه إلى ضرب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال اختراق المخيمات الفلسطينية وإنشاء خلايا إرهابية فيها مرعية من هذا النظام. حينها كانت الأرض خصبة مع تأسيس (القاعدة). ويقول أحد الذين عايشوا تلك المرحلة إن تقاطع مصالح بين النظام السوري ونظام الخميني والجماعات المتطرفة التابعة لـ(القاعدة) مهّد الظروف لظهور حالات تطرف لبنانية تأسست وإن لم تتوسع جماهيرياً، ليبقى الإرهاب مستورداً بقياداته، رغم وجود لبنانيين تم تجنيدهم، كما حصل في مخيم نهر البارد مع زعيم (فتح الإسلام) شاكر العبسي».
ويضيف المسؤول أن «العمل على توليد الإرهاب في لبنان نشط مع ارتفاع نسبة الفقر. وأسهم الخلاف السياسي في رعايته، فكان يتم التركيز على أصحاب الشخصيات المضطربة بسبب المعاناة المعيشية، فتتم دعوتهم إلى الصلاة جماعةً وترغيبهم بأن يتجمعوا في خلايا من خلال جمعيات تتلظى بالعمل الاجتماعي، فيتولاهم داعية ويشجعهم على التمرد على أهلهم، ومن ثمّ يبدأ تدريبهم على الجهاد، وإقناعهم بالقتال ضد الكفار. وغالبية هؤلاء أُصيبوا بخيبة. ومَن عاد منهم وجد أنه أصبح (مجاهداً سابقاً) منسياً وفقيراً معدماً ولا أحد يهتم به».

حملات إلكترونية لشيطنة السُّنَّة

وفي حين تنشط الحملات الإلكترونية لتصوير سُنة لبنان على أنهم «إرهابيون محتملون»، ما يفرض على الطوائف الأخرى البحث عمن يحميها منهم، يقول وزير الإعلام السابق والأستاذ الجامعي للإعلام ملحم رياشي، لـ«الشرق الأوسط» إن «أبلسة السُّنَّة في لبنان باءت بالفشل. هناك محاولات غير ناجحة وسرديات مبتذلة مكشوفة ومفضوحة. فقد أثبت السُّنَّة أنهم طائفة اعتدال وليست طائفة تطرف بالمعنى الإرهابي للكلمة، فهي ليست موجودة على هذا التقاطع، رغم وجود عناصر فالتة. لكن حرب سوريا برهنت على الاعتدال السُّني اللبناني، ففي حين وفد المئات من المقاتلين المتطرفين الفرنسيين والآلاف من تونس إلى سوريا، لم تُسجَّل إلا أعداد قليلة من السُّنَّة اللبنانيين الذين حاربوا في الداخل السوري».
أما المحامية مهى فتحة، عضو هيئة السجناء وأسرهم في دار الفتوى، فتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وصم السُّنَّة بالتطرف بدأ مع دعم المقاومة الفلسطينية وتمويلها من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، ومع تعاطف المسلمين في لبنان وفي العالم العربي مع القضية الفلسطينية. وسعت الدولة الصهيونية منذ ذلك الحين إلى تصوير أي مقاومة على أنها إرهاب. ومع الخلافات وتطور الانقسامات في العالم العربي والإسلامي، كان هناك من يعمل على دمغ السُّنَّة بالإرهاب».
وتضيف المحامية فتحة: «في لبنان، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام إلى فريق بعينه، بدأت موجة ثانية من تصوير السُّنَّة على أنهم متطرفون لإضعافهم وإضعاف المحكمة الدولية. وحصل شرخ كبير في لبنان بين ما كان يسمى (8 آذار) و(14 آذار) على أساس طائفي. وبعد ذلك بدأت صناعة حركات متطرفة كـ(فتح الإسلام)، ومع الثورة في سوريا (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش) وغيرهما. وكل مصادر التطرف محركها واحد مع تغيير في أسماء المنفذين. وهي صناعة صهيونية لا علاقة لها بالأديان، تدير دمى متحركة. كما أن السجون اللبنانية تسهم في صناعة الإرهاب بسبب القمع وسوء الإدارة وعدم التأهيل. وما يجري في السجون يؤدي إلى ردود فعل ورغبة في الانتقام، لا سيما عندما يُسجن أبرياء ويتعرضون لسوء المعاملة، وما إن يخرجوا حتى ينضموا إلى صفوف المتطرفين».

الإرهاب لم يجد في لبنان بيئة حاضنة

أما الإعلامي رياض طوق، المتخصص في قضايا الإرهاب والشؤون الأمنية، فيشير إلى أن «جهود المنظمات الإرهابية كـ(جبهة النصرة) أصيبت بإحباط، وتحديداً في طرابلس، لأن جهودها لم تثمر ولم تجد بيئة حاضنة لمشروعها بين أبناء المدينة، واعتبرت أن سُنة لبنان غير جديرين بالقتال وتخلت بالتالي عن بناء جو سياسي خاص بها في لبنان».
ويضيف أن «المتطرفين حصلوا على فرصتهم لتجنيد لبنانيين بعد حرب عرسال عام 2014، عندما أصبح لتنظيم (داعش) و(جبهة النصرة) مراكز قيادة في جرود عرسال ورأس بعلبك، ما سهّل تواصلهم مع الداخل اللبناني، ولم يعد ضرورياً السفر إلى تركيا ومنها إلى الرقة لمن يريد الالتحاق بأحد هذين التنظيمين. فالموقع الجغرافي سهّل التجنيد والتزود بالعبوات والأحزمة الناسفة. لكن بعد عملية فجر الجرود وسيطرة الجيش على هذه المناطق وطرد الإرهابيين منها تغيَّر الوضع».
ويوضح: «السبب في انحسار المد المتطرف يعود أيضاً إلى الأمن الوقائي، فالأجهزة الأمنية تلقت دعماً لوجيستياً ومالياً أوروبياً وأميركياً للتعامل مع أخطار الإرهاب وضرب الإرهابيين. وحصل تنافس بين هذه الأجهزة للإقبال على التدريب والقيام بعمليات نوعية استباقية فاقت النشاط الأمني الاستباقي في كثير من الدول المتقدمة. وما ساعدها في ذلك حرية العمل من دون ضوابط والقدرة على توقيف المشتبه بهم للحصول على المعلومات».
ويشير طوق إلى أن «ما سهل عمل الأجهزة هو التفاهم السياسي الذي بدأ مع حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 وتولي وزيرين من السُّنَّة هما نهاد المشنوق وزارة الداخلية، واللواء أشرف ريفي وزارة العدل، بالإضافة إلى قيام شعبة المعلومات المحسوبة من حصة السُّنَّة بأهم عمليات رصد الإرهابيين والقبض عليهم، ما طمأن سُنة لبنان وأمّن الغطاء المطلوب لمكافحة الإرهاب من دون أن يعيق عملها التجاذب الطائفي. أما الحملات على السُّنَّة واتهامهم بالإرهاب، فهي حملات سياسية تُستخدم لتصفية الحسابات. وعندما يسود التوافق تغيب هذه الحملات وتعود السُّنَّة طائفة اعتدال».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.