اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
TT

اتهام السُّنَّة في لبنان بالتطرف... له غايات سياسية

عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)
عناصر من «جبهة النصرة» في الداخل السوري (الشرق الأوسط)

يرفض سُنة لبنان الاتهامات الموسمية لهم بالتطرف، ويصرون على أن إلصاق هذه الاتهامات بهم هو صنيعة مندسين وأجهزة تخدم أجندات واضحة الأهداف. ويعتبرون أن خلف هذه الأجندات جهات تعمل على ربط أي حادث أمني طابعه التطرف في لبنان بحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدفهم وتتهمهم بـ«الداعشية»، كما حصل مع عملية طرابلس الإرهابية ليلة عيد الفطر، مطلع يونيو (حزيران) الماضي، والتي أدّت إلى استشهاد أربعة عسكريين من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، على يد عبد الرحمن مبسوط الذي قضى خلال العملية.
يستنكر سُنة لبنان التمييز بين المجموعات التي ذهبت إلى سوريا لتقاتل إلى جانب النظام ولم يتعرض لأفرادها أيُّ جهاز أمني، وبين مَن التحقوا بجماعات مسلحة ضد النظام السوري ويتعرضون للملاحقة والسجن. وقد تحدث النائب ووزير العدل السابق سمير الجسر، عن هذا التمييز، وذكر أن مهندساً غادر إلى سوريا لبضعة أيام واكتشف أن الحرب هناك ليست لمصلحة الشعب السوري، وعندما عاد حُكم عليه بالسجن خمس سنوات.

مظلومية السُّنَّة اللبنانيين

ويوضح الشيخ صفوان الشعار، من دار الفتوى، أن «الإرهاب لا أصل له في الدين وقد أُلصق بالإسلام، وهو صنيعة عالمية وليس صناعة عربية خالصة، فإمكانات المنطقة العربية تقنياً وتمويلاً لا تسمح بصناعة الإرهاب بالشكل والمستوى والتجهيزات التي شهدناها. والحملات التي تطاول سُنة لبنان هي انحرافات لتشويه الإسلام، وهي لا تقتصر على لبنان، وتُشن لصالح سياسات مغرضة».
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «لبنان بعيد عن التطرف، واللبنانيون بعيدون عن هذا المنتج الذي تموله سياسات خارجية لمصلحتها، بهدف بذر الخلاف والفتنة. والسُّنَّة في لبنان واعون لهذا المخطط، وهم في كل استحقاق يتضامنون مع المؤسسة الأمنية ويدعمون جهودها. والأمر ليس سهلاً لأن لبنان استراتيجي لبعض القوى الخارجية».
ويضيف الشعار: «نحن نشعر باستهداف للسُّنَّة ومحاولة شيطنتهم وتصويرهم على أنهم إرهابيون. ولا ننسى أنه بالتزامن مع (حادثة مبسوط)، خرجت مجموعة تضم عشرات المسلحين في البقاع مدججة بالسلاح ولم تحصل اعتقالات رغم إطلاق أفرادها النار على ثكنة للجيش، وتصويره كأنه هو المعتدي على السلم الأهلي. ولم تُتهم بيئة هذه المجموعة بالإرهاب، ولم تُشن الحملات الإعلامية ضدها. كذلك عندما اندلعت أحداث الجبل قبل أسبوع، لم يتم اتهام الدروز كلهم بأنهم إرهابيون. لماذا تنحصر الاتهامات فقط بالسُّنَّة؟ لكن رغم ذلك نحن نغلّب الحكمة والعقل ونسعى إلى عدم تكبير دائرة الانشقاق داخل المجتمع اللبناني ونسعى لوحدة اللبنانيين، لحرصنا على العيش المشترك كما نص عليه اتفاق الطائف، لإنهاء الحرب الأهلية. ونحن نلتزم به لأنه الطريق إلى المواطنة. بالتالي مَن يخرج عن (الطائف) يخرج عن العيش المشترك ويفتح باب الفتنة».
ويشدد الشعار على أن «مواجهة شيطنة السُّنَّة والتطرف على حد سواء تتطلب إقامة دولة العدالة والقانون والأمن، فالواضح أن الفوضى القائمة على الحدود اللبنانية والتسهيلات لرعاية حالات التطرف وعبور العتاد والمسلحين تطرح علامات استفهام عن مصالح مستفيدين أصحاب مشاريع مجهولة».
ويقول مسؤول أمني سابق إن «زرع التطرف في لبنان بدأ ببصمة مخابراتية تخدم النظام الأمني السوري - اللبناني، الذي وضع يده على لبنان خلال الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتحديداً مع التوجه إلى ضرب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال اختراق المخيمات الفلسطينية وإنشاء خلايا إرهابية فيها مرعية من هذا النظام. حينها كانت الأرض خصبة مع تأسيس (القاعدة). ويقول أحد الذين عايشوا تلك المرحلة إن تقاطع مصالح بين النظام السوري ونظام الخميني والجماعات المتطرفة التابعة لـ(القاعدة) مهّد الظروف لظهور حالات تطرف لبنانية تأسست وإن لم تتوسع جماهيرياً، ليبقى الإرهاب مستورداً بقياداته، رغم وجود لبنانيين تم تجنيدهم، كما حصل في مخيم نهر البارد مع زعيم (فتح الإسلام) شاكر العبسي».
ويضيف المسؤول أن «العمل على توليد الإرهاب في لبنان نشط مع ارتفاع نسبة الفقر. وأسهم الخلاف السياسي في رعايته، فكان يتم التركيز على أصحاب الشخصيات المضطربة بسبب المعاناة المعيشية، فتتم دعوتهم إلى الصلاة جماعةً وترغيبهم بأن يتجمعوا في خلايا من خلال جمعيات تتلظى بالعمل الاجتماعي، فيتولاهم داعية ويشجعهم على التمرد على أهلهم، ومن ثمّ يبدأ تدريبهم على الجهاد، وإقناعهم بالقتال ضد الكفار. وغالبية هؤلاء أُصيبوا بخيبة. ومَن عاد منهم وجد أنه أصبح (مجاهداً سابقاً) منسياً وفقيراً معدماً ولا أحد يهتم به».

حملات إلكترونية لشيطنة السُّنَّة

وفي حين تنشط الحملات الإلكترونية لتصوير سُنة لبنان على أنهم «إرهابيون محتملون»، ما يفرض على الطوائف الأخرى البحث عمن يحميها منهم، يقول وزير الإعلام السابق والأستاذ الجامعي للإعلام ملحم رياشي، لـ«الشرق الأوسط» إن «أبلسة السُّنَّة في لبنان باءت بالفشل. هناك محاولات غير ناجحة وسرديات مبتذلة مكشوفة ومفضوحة. فقد أثبت السُّنَّة أنهم طائفة اعتدال وليست طائفة تطرف بالمعنى الإرهابي للكلمة، فهي ليست موجودة على هذا التقاطع، رغم وجود عناصر فالتة. لكن حرب سوريا برهنت على الاعتدال السُّني اللبناني، ففي حين وفد المئات من المقاتلين المتطرفين الفرنسيين والآلاف من تونس إلى سوريا، لم تُسجَّل إلا أعداد قليلة من السُّنَّة اللبنانيين الذين حاربوا في الداخل السوري».
أما المحامية مهى فتحة، عضو هيئة السجناء وأسرهم في دار الفتوى، فتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «وصم السُّنَّة بالتطرف بدأ مع دعم المقاومة الفلسطينية وتمويلها من الدول العربية، وتحديداً الخليجية، ومع تعاطف المسلمين في لبنان وفي العالم العربي مع القضية الفلسطينية. وسعت الدولة الصهيونية منذ ذلك الحين إلى تصوير أي مقاومة على أنها إرهاب. ومع الخلافات وتطور الانقسامات في العالم العربي والإسلامي، كان هناك من يعمل على دمغ السُّنَّة بالإرهاب».
وتضيف المحامية فتحة: «في لبنان، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه أصابع الاتهام إلى فريق بعينه، بدأت موجة ثانية من تصوير السُّنَّة على أنهم متطرفون لإضعافهم وإضعاف المحكمة الدولية. وحصل شرخ كبير في لبنان بين ما كان يسمى (8 آذار) و(14 آذار) على أساس طائفي. وبعد ذلك بدأت صناعة حركات متطرفة كـ(فتح الإسلام)، ومع الثورة في سوريا (جبهة النصرة) وتنظيم (داعش) وغيرهما. وكل مصادر التطرف محركها واحد مع تغيير في أسماء المنفذين. وهي صناعة صهيونية لا علاقة لها بالأديان، تدير دمى متحركة. كما أن السجون اللبنانية تسهم في صناعة الإرهاب بسبب القمع وسوء الإدارة وعدم التأهيل. وما يجري في السجون يؤدي إلى ردود فعل ورغبة في الانتقام، لا سيما عندما يُسجن أبرياء ويتعرضون لسوء المعاملة، وما إن يخرجوا حتى ينضموا إلى صفوف المتطرفين».

الإرهاب لم يجد في لبنان بيئة حاضنة

أما الإعلامي رياض طوق، المتخصص في قضايا الإرهاب والشؤون الأمنية، فيشير إلى أن «جهود المنظمات الإرهابية كـ(جبهة النصرة) أصيبت بإحباط، وتحديداً في طرابلس، لأن جهودها لم تثمر ولم تجد بيئة حاضنة لمشروعها بين أبناء المدينة، واعتبرت أن سُنة لبنان غير جديرين بالقتال وتخلت بالتالي عن بناء جو سياسي خاص بها في لبنان».
ويضيف أن «المتطرفين حصلوا على فرصتهم لتجنيد لبنانيين بعد حرب عرسال عام 2014، عندما أصبح لتنظيم (داعش) و(جبهة النصرة) مراكز قيادة في جرود عرسال ورأس بعلبك، ما سهّل تواصلهم مع الداخل اللبناني، ولم يعد ضرورياً السفر إلى تركيا ومنها إلى الرقة لمن يريد الالتحاق بأحد هذين التنظيمين. فالموقع الجغرافي سهّل التجنيد والتزود بالعبوات والأحزمة الناسفة. لكن بعد عملية فجر الجرود وسيطرة الجيش على هذه المناطق وطرد الإرهابيين منها تغيَّر الوضع».
ويوضح: «السبب في انحسار المد المتطرف يعود أيضاً إلى الأمن الوقائي، فالأجهزة الأمنية تلقت دعماً لوجيستياً ومالياً أوروبياً وأميركياً للتعامل مع أخطار الإرهاب وضرب الإرهابيين. وحصل تنافس بين هذه الأجهزة للإقبال على التدريب والقيام بعمليات نوعية استباقية فاقت النشاط الأمني الاستباقي في كثير من الدول المتقدمة. وما ساعدها في ذلك حرية العمل من دون ضوابط والقدرة على توقيف المشتبه بهم للحصول على المعلومات».
ويشير طوق إلى أن «ما سهل عمل الأجهزة هو التفاهم السياسي الذي بدأ مع حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 وتولي وزيرين من السُّنَّة هما نهاد المشنوق وزارة الداخلية، واللواء أشرف ريفي وزارة العدل، بالإضافة إلى قيام شعبة المعلومات المحسوبة من حصة السُّنَّة بأهم عمليات رصد الإرهابيين والقبض عليهم، ما طمأن سُنة لبنان وأمّن الغطاء المطلوب لمكافحة الإرهاب من دون أن يعيق عملها التجاذب الطائفي. أما الحملات على السُّنَّة واتهامهم بالإرهاب، فهي حملات سياسية تُستخدم لتصفية الحسابات. وعندما يسود التوافق تغيب هذه الحملات وتعود السُّنَّة طائفة اعتدال».


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».