خروج الفراعنة من كأس أفريقيا ينعش الحس القومي لدى المصريين

احتفاء شعبي بمنتخبي الجزائر وتونس

مشجعون مصريون حرصوا على مؤازرة المنتخب التونسي (الشرق الأوسط)
مشجعون مصريون حرصوا على مؤازرة المنتخب التونسي (الشرق الأوسط)
TT

خروج الفراعنة من كأس أفريقيا ينعش الحس القومي لدى المصريين

مشجعون مصريون حرصوا على مؤازرة المنتخب التونسي (الشرق الأوسط)
مشجعون مصريون حرصوا على مؤازرة المنتخب التونسي (الشرق الأوسط)

رغم الصدمة التي أصابت الشعب المصري بخروج منتخب الفراعنة من دور الـ16 ببطولة أمم أفريقيا الجارية، التي تزامن معها زخم إعلامي وجماهيري كبير بكل أنحاء «المحروسة»، فإن ثمة نزعة قومية بدت لافتة عند المصريين الذين احتفوا بصعود المنتخبين العربيين الجزائر وتونس إلى الدور نصف النهائي، مع الإشادة بمستوى المنتخبين سواء الفني والبدني والمهاري والحماسي، وخصوصاً منتخب الجزائر الذي ظهر لاعبوه بشكل مميز جداً بالبطولة، وخطفوا الأضواء بمستواهم الثابت والرائع بجميع مبارياتهم، ما دعا قطاعاً كبيراً من الشعب المصري إلى تشجيعهم عطفاً على روح «محاربي الصحراء» القتالية بالملعب وحماسهم الزائد، الذي افتقده لاعبو المنتخب المصري، خلال البطولة التي خرجوا منها على يد منتخب جنوب أفريقيا في دور الـ16 بالعودة 10 سنوات للوراء، كان الصراع مشتعلاً بين جمهور مصر والجزائر بمنصات العالم الافتراضي، والإعلامي، عقب المباراة الفاصلة بالتصفيات المؤهلة لـبطولة كأس العالم بجنوب أفريقيا عام 2010، التي أقيمت بالعاصمة السودانية الخرطوم في عام 2009، وفاز فيها المنتخب الجزائري بهدف دون رد، وتأهل إلى نهائيات كأس العالم على حساب الفراعنة.
ونجحت السنوات العشر في محو آثار الأزمة، وتحول جمهور البلدين من خصمين كرويين، إلى مساندين، وخصوصاً الجمهور المصري، مضيف البطولة، الذي سمعت صيحاته أكثر من مرة بالمقاهي الشعبية، عقب تسجيل «محاربي الصحراء» الأهداف، وخصوصا في مباراتهم العصيبة أمام «كوت ديفوار» التي صعدت من خلالها عبر ركلات الحظ الترجيحية.
ورغم أن الحس القومي العربي موجود لدى أغلب المصريين بشكل دائم، فإن المناسبات والأحداث الكبرى تنعشه بشكل لافت، بحسب ما تؤكده الدكتورة سامية قدري، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض الأزمات الكروية والدبلوماسية قد تصيب هذا الحس بدرجة من الخمول، لكنها لا تقضي عليه أو تمحوه من قلوب الشعوب». وأضافت قدري: «مشاعر الجماهير المصرية تدعم بوضوح المنتخبين العربيين وتتمنى أن يفوز أحدهما بالبطولة من أرض مصر، التي يحبها كل العرب، لأنها تحتضن الجميع، وخصوصاً بعد خروج منتخب الفراعنة من دور الـ16».
وتصدر المنتخب الجزائري مجموعته بتسع نقاط من ثلاثة انتصارات، وقدم أداء نال استحسان الجميع، قبل أن يحقق الفوز على غينيا في دور الستة عشر، وساحل العاج في دور الثمانية، ويواجه نيجيريا في الدور قبل النهائي.
خالد البرماوي، الخبير الإعلامي المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «انتعاشة الحس القومي في مصر بتشجيع منتخبي تونس والجزائر ساهم فيها عدم مواجهة منتخب الفراعنة لأي منتخب عربي في دور المجموعات أو حتى بالدور الـ16». وعزا البرماوي انتعاشة هذا الشعور في الوقت الحالي لوجود الكثير من الأصوات العاقلة بين الجمهور الرياضي المصري، الذي يعتبر من الجماهير المتخصصة التي تتمتع بدرجة عالية من الاحترافية والذكاء.
وأضاف البرماوي: «مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، أصدروا آلاف التعليقات الداعمة لمنتخبي تونس والجزائر، وهذا أمر ملحوظ بشدة. وفي موقع (غوغل) الشهير فإن البحث عن مواعيد مباراتي تونس والجزائر في نصف النهائي كان من أكثر الأمور التي بحث عنها المصريون أمس، وهذا يفيد بأن الشعب المصري مهتم بالمباراتين، ويدعم الفريقين العربيين بشدة».
وكتب الصحافي المصري إسلام عقل على صفحته على موقع «فيسبوك» بعد صعود الجزائر لنصف نهائي بطولة كأس أمم أفريقيا: «شعب ثائر ومنتخب فائز‬، هنيئاً لرجال الجزائر وشعبها الأصيل‬، أنا أحب الجزائر‬ منذ سنوات، تراباً، وأرضاً، وشعباً يغامر».
وعلق لاعب المنتخب المصري السابق، محمد ناجي جدو، صاحب هدف فوز مصر بالمباراة النهائية ببطولة أمم أفريقيا عام 2010، على مستوى لاعبي الجزائر على موقع «تويتر»: «منتخب الجزائر أحلى وأحلى».
وحصلت الجزائر على لقب البطولة مرة واحدة في النسخة التي استضافتها على أرضها عام 1990، كما فازت بها تونس مرة واحدة أيضاً عام 2004 بعد استضافة البطولة ولعب النهائي أمام المنتخب المغربي.
ويقول أحمد سعيد، صاحب مقهى بمنطقة فيصل لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نعول على صعود المنتخب المصري للأدوار النهائية لتحقيق بعض المكاسب المادية جراء إقبال المشجعين لمشاهدة المباراة، لكن بخروج الفراعنة تغير الحال تماماً، ورغم ذلك فإن بعض المشجعين يحرصون على حضور مباريات منتخبي الجزائر وتونس لتشجيعهما».
ويضيف: «منتخب الجزائر أجبر الجميع على احترامه بسبب أدائه المميز بالبطولة، كذلك منتخب تونس الذي يرتفع مستوى لاعبوه بشكل تدريجي». موضحاً أن الأزمات الكروية بين الجماهير العربية، لا تعكس مدى حب الشعوب العربية لبعضها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».