«الدعوة» يجدد ثقته بالمالكي ويوكل «الشورى» لاختيار القيادة

في انتصار للتيار القريب من إيران واندحار لمحور القادة الذي يضم العبادي في العراق

مؤتمر صحافي في بغداد أمس جمع وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني (أ.ف.ب)
مؤتمر صحافي في بغداد أمس جمع وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني (أ.ف.ب)
TT

«الدعوة» يجدد ثقته بالمالكي ويوكل «الشورى» لاختيار القيادة

مؤتمر صحافي في بغداد أمس جمع وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني (أ.ف.ب)
مؤتمر صحافي في بغداد أمس جمع وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم ومسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني (أ.ف.ب)

جدد حزب «الدعوة الإسلامية» العراقي، أمس، ثقته بزعيمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، واختاره أميناً عاماً للحزب، في مؤتمره العام السابع عشر الذي انعقد في محافظة كربلاء، واستمر ليومين. وحصل المالكي على أغلبية نحو 340 صوتاً من عدد أعضاء مؤتمر الأمانة العامة للحزب الحاضرين، وعددهم نحو 400 داعية، ضمنهم 12 امرأة فقط.
وشغل المالكي منصب الأمانة العامة للحزب عقب تسنمه سدة رئاسة الوزراء عام 2006، ولم يسبق للحزب قبل ذلك التاريخ اختيار أمين عام له، وكان الأمر يقتصر على قيادة جماعية مؤلفة من نحو 11 عضواً.
ويأتي انعقاد المؤتمر الدعوي الجديد في ظل التراجع الكبير في نفوذ الحزب الذي هيمن على الحياة السياسية والسلطة التنفيذية للبلاد منذ عام 2005، حين شغل القيادي السابق في الحزب إبراهيم الجعفري منصب رئاسة الوزراء لعام واحد، ثم حصل نوري المالكي على ولايتين رئاسيتين مدة كل منهما 4 سنوات بين أعوام (2006 - 2014)، وختمها القيادي في الحزب حيدر العبادي بولاية واحدة لرئاسة الوزراء بين أعوام (2014 - 2018).
وتحمل قطاعات شعبية عراقية غير قليلة حزب الدعوة مسؤولية عدم الاستقرار، والفساد، وتصاعد أعمال العنف، وسوء الإدارة، التي طبعت مرحلة هيمنته على السلطة التنفيذية، خصوصاً في عهد المالكي الذي شهد سقوط نحو ثلث الأراضي العراقية بيد تنظيم «داعش».
وخلافاً للتوقعات التي سادت قبل انعقاد المؤتمر، وكانت تتحدث عن تغيرات جذرية في صفوف قيادة الحزب، وصعود جيل جديد من الشباب، فإن الوقائع أكدت عدم وجود تغييرات حقيقية إلا في حدود ضيقة جداً، منها خروج قياديين اثنين من «شورى» الحزب والقيادة.
وأشاد البيان الختامي للمؤتمر، الصادر أمس، بما سماها «أجواء الانسجام التام، والشعور العالي بالمسؤولية» التي سادت المؤتمر. وذكر أنه «ناقش على مدى يومين تقارير مكاتب الاختصاص المركزية، وجرى حوار معمق حولها وتقويمها، عبر اثنتا عشرة لجنة تفرعت عنه، وصادق على توصياتها، وقيم مسيرة (الدعوة) خلال المدة المحصورة بين المؤتمرين».
وكشف البيان عن «انتخاب مجلس شورى الدعوة بالاقتراع السري المباشر، وبحضور ممثلين عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأوكل انتخاب القيادة إلى مجلس شورى الدعوة».
وفي إشارة إلى تمسك الحزب بمشروعه الإسلامي، وتقاطعه مع بقية المشاريع غير الإسلامية، أكد البيان الختامي للمؤتمر «الانفتاح والتعاون مع القوى الإسلامية لتحقيق المشروع الإسلامي الذي يتبنى قضايا الأمة الإسلامية، والدفاع عن هويتها في العراق والمنطقة».
ودعا المؤتمرون إلى «التوازن والانفتاح في علاقات العراق الإقليمية والدولية، على أن تكون مصلحة العراق العليا هي الحاكمة». ووصف المؤتمرون التوتر المتصاعد في منطقة الخليج بين واشنطن وطهران بـ«الخطير»، وأهابوا بـ«القوى والدول التي يهمها الأمن والاستقرار في المنطقة المبادرة لنزع فتيل الحرب، والدفع باتجاه الحوار المتكافئ».
وتؤكد مصادر مختلفة من داخل المؤتمر على تنافس قائمتين على «مجلس شورى الحزب»، المؤلف من نحو خمسين عضواً، ويضطلع بمهمة اختيار القيادة؛ تمثل الأولى محور المالكي، وتضم 31 مرشحاً، وتخلو من جميع أسماء القيادة القديمة المنحلة في المؤتمر، عدا المالكي نفسه. فيما تضم القائمة الثانية محور القيادة (33 مرشحاً)، ضمنهم أعضاء القيادة السابقة، والمالكي نفسه.
لكن عضواً في حزب «الدعوة»، ومن الحاضرين في المؤتمر، نفى لـ«الشرق الأوسط» وجود قائمتين، وذكر أن «السياق المتبع هو ترشيح قائمة واحدة لمجلس الشورى يختارها أعضاء المؤتمر العام».
غير أن العضو، الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه، لم ينكر «وجود أجنحة وتكتلات متباينة داخل الحزب، يعبر عنها أحياناً بالقائمة الأولى والثانية، وهكذا». ولم ينفِ ما تردد عن «تنافس 3 لوبيات للتأثير على تصويت مؤتمر الحزب، وهي مجموعة (نخبة من الدعاة) للمالكي، و(ملتقى كربلاء) للقيادة السابقة، و(الدعاة الميامين). والأخير يمثل الدعاة السابقين والخارجين عن التنظيم، لكن تأثير المجموعة الأخيرة كان ضعيفاً»، مؤكداً «عدم حدوث تغيرات جذرية في هذا المؤتمر إلا في حدود ضيقة، وأن الأمور جرت كما كانت تجري في المؤتمرين الأخيرين السابقين».
وتميل بعض الاتجاهات القريبة من حزب الدعوة إلى الاعتقاد أن «اختيار المالكي أميناً عاماً مجدداً يمثل انقلاباً على الاتفاق الذي جرى بينه وبين قادة الدعوة، القاضي بعدم ترشيح قيادة الدعوة السابقة، كما أنه يعد انتصاراً للمحور القريب من إيران داخل الحزب، واندحاراً لمحور القادة الذي يضم حيدر العبادي وحليم الزهيري وآخرين».
وتأسس حزب «الدعوة الإسلامية» في العراق عام 1957، على يد المرجع الديني محمد باقر الصدر (عم مقتدى الصدر) الذي أعدمه نظام صدام حسين عام 1980، وطارد قياداته وأعضاءه الذين هرب معظمهم إلى إيران ولندن وسوريا، ثم عاد غالبية الدعاة بعد عام 2003، وحصلوا على منصب رئاسة الوزراء لثلاث دورات وزارية متتالية بين أعوام (2006 - 2018).



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.