«إس 400» لتركيا خطوة في استراتيجية روسية

فرقاطة روسية تعبر مضيق البوسفور.
فرقاطة روسية تعبر مضيق البوسفور.
TT

«إس 400» لتركيا خطوة في استراتيجية روسية

فرقاطة روسية تعبر مضيق البوسفور.
فرقاطة روسية تعبر مضيق البوسفور.

يرمز بدء تسليم روسيا نظام صواريخ «إس 400» إلى تركيا، إلى عمق التحولات الاستراتيجية والجيو - سياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتغيرات الجارية في خريطة التحالفات والتوازنات التي بدا أن المنطقة قد استقرت عليها منذ عقود عدة، لكنها فقد قبل سنوات الكثير من مضامينها. الهاجس التقني الذي أطنبت وسائل الإعلام في الحديث عنه منذ الإعلان عن صفقة شراء أنقرة للصواريخ الروسية المضادة للطائرات وللصواريخ الجوالة والباليستية، قبل عامين ليس بالهين. ذلك أن استخدام «إس 400» لمجموعة مختلفة من الرادارات العاملة وفق أساليب متعددة وموجات متنوعة، يتيح له تجميع كمية من المعلومات تشكل ثروة للطرف المشغل لنظام الصواريخ حول الطائرات التي يرصد ويلاحق. وبذلك يكشف الكثير من نقاط ضعف أنظمة التخفي التي تعتمدها الطائرات الأميركية والغربية الحديثة على غرار «إف 22 - رابتور» و«إف 35 لايتنينغ2» وهما من الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة التي تتميز بالقدرة على التهرب من الرصد الراداري، وبالتالي بإمكانية الاقتراب من الأهداف قبل إطلاق صواريخها. وهذا ما تبرر به الولايات المتحدة قرارها تعليق تسليم طائرات «إف 35» إلى تركيا ووقف برنامج تدريب الطيارين الأتراك عليها. بيد أن الموضوع التقني لا يختصر كل المسألة. فقد كررت تركيا مرات عدة أن ثلاث دول من حلف شمال الأطلسي «الناتو» هي اليونان وبلغاريا وسلوفاكيا تمتلك أنظمة «إس 300» المشابهة لنظامها الجديد وإن كانت من جيل أقدم قليلاً. يضاف إلى ذلك أن مصر قد اشترت منظومة «إس 300» وتفكر دول عدة من حلفاء الولايات المتحدة بالحصول على المنظومات ذاتها أو على «إس 400» في وقت قريب. عليه، تشدد أنقرة أن الاعتراض الشديد الذي تبديه واشنطن على الصفقة التركية - الروسية لا يرجع إلى حصول الجانب التركي على صواريخ متقدمة، خصوصاً بعدما رفضت واشنطن تزويد حليفتها المفترضة العضو في «الناتو» الجيل الجديد من صواريخ «باتريوت».
الولايات المتحدة نفت أن تكون قد رفضت بيع تركيا الصواريخ المتطورة، في الوقت الذي أبدى فيه الرئيس دونالد ترمب تفهمه لتوجه نظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى موسكو للحصول على ما يحتاجه من سلاح نوعي. وعلى عادته، حمّل ترمب إدارة باراك أوباما مسؤولية المماطلة في تزويد تركيا بصواريخ «باتريوت». العقوبات التي تلوح بها بعض الجهات في الكونغرس الأميركي في وجه تركيا وتشمل تجميد أصول وحسابات شخصيات تركية مشاركة في صفقة الصواريخ مع روسيا، ترجع إلى قانون أميركي ينطوي على فرض عقوبات على كل دولة تعقد صفقات تسلح كبيرة مع روسيا وشركتها الرئيسية لتصدير الأسلحة «روسابارون إكسبورت» وأقر في العام الماضي بسبب تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016 والدور الروسي في سوريا وأوكرانيا واحتلال القرم.
لكن ذلك لا يرسم كامل الصورة. يرى العديد من المسؤولين الغربيين أن البُعد الأخطر للصفقة التركية - الروسية يكمن في حملها بذور التفسخ إلى داخل حلف شمال الأطلسي الذي أخفق في تلبية نداءات تركيا بعد التدخل الروسي في سوريا سنة 2015 عندما شعرت أنقرة أنها باتت مستفردة بسبب دورها في دعم بعض فصائل المعارضة السورية. ووصل الأمر إلى حدود الصدام المباشر مع الروس عند إسقاط طائرة من طراز «سوخوي 24» اتهمتها تركيا بانتهاك مجالها الجوي واغتيال شرطي تركي للسفير الروسي في أنقرة بعد أشهر. الأزمة قصيرة المدى بين روسيا وتركيا والتي تبعتها محاولة انقلاب فاشلة في 2016. حملتا إردوغان على إعادة نظر عميقة في سياسته الخارجية.
وبالفعل، تغيرت منذ ذلك الحين مقاربته للمسألة السورية، حيث سعى إلى تفاهمات واسعة مع الروس وإنشاء مناطق تهدئة وضبط حركة الفصائل السورية المسلحة، بالإضافة إلى اعتذاره عن إسقاط الطائرة الروسية. نجم عن التبدل التركي هذا، تقارب مع موسكو ومع إيران التي ازدادت حاجتها إلى سند دولي بعد إلغاء ترمب للاتفاق النووي واستئناف العقوبات عليها. وبذلك ظهرت نواة تحالف جديد في المنطقة يقوم على تفاهم استراتيجي بين موسكو وطهران وتركيا، للدفاع عن مصالح هذه الدول في مواجهة السياسات الأميركية. ورغم الخلافات في عدد من الملفات، على غرار الخلاف التركي - الإيراني حول سوريا، وإصرار موسكو على التزام طهران بما يقتضيه الاتفاق النووي، إلا أن ذلك لا يلغي اندراج هذا التحالف في الرؤية الاستراتيجية الكبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يبذل جهوداً ملموسة لتفكيك التحالفات الغربية سواء الحلف الأطلسي الذي تمدد وباتت قواته في دول البلطيق على مشارف الأراضي الروسية، على نحو لا تستطيع موسكو تحمله أو السكوت عنه، أو الاتحاد الأوروبي الذي تجهد روسيا إلى إلغائه من الداخل على أيدي مؤيديها من قوى اليمين الشعبوي. بذلك تكتسب صفقة صواريخ «إس 400» أهميتها التي تتجاوز السياق العسكري المحض.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».