بعد يومين من إعلان النجم الفرنسي أنطوان غريزمان رحيله عن أتلتيكو مدريد في مقطع فيديو مصور بهاتف محمول جعله يبدو وكأنه رهينة، سُئل المدير الفني الأرجنتيني دييغو سيميوني عن اللاعب الذي يمكنه تعويض غريزمان. ابتسم سيميوني وقال: «إننا بحاجة إلى لاعب يلعب خلف المهاجم، ويسجل 20 هدفا في الموسم، ولا يكون سعره مرتفعا، وبالطبع لن يكون هذا سهلا».
وينطبق اثنان من الثلاثة أمور التي قالها سيميوني على صانع الألعاب البرتغالي جواو فيلكس، فهو لاعب موهوب للغاية يمكنه اللعب كمهاجم ثان، كما يتميز بصغر سنه فهو في التاسعة عشرة من عمره، ويرى البعض أنه سيكون قادرا في المستقبل على الحصول على جائزة أفضل لاعب في العالم. وعلاوة على ذلك، سجل فيلكس 20 هدفا وصنع 11 هدفا الموسم الماضي مع نادي بنفيكا البرتغالي، مقارنة بـ21 هدفا و10 تمريرات حاسمة بالنسبة لغريزمان.
لكن فيلكس كلف خزينة أتلتيكو مدريد 126 مليون يورو، وهو المبلغ الذي يفوق حتى ما حصل عليه أتلتيكو مدريد من رحيل غريزمان، الذي تراجع الشرط الجزائي في عقده مع النادي إلى 120 مليون يورو في الأول من يوليو (تموز) الجاري، يحصل منها نادي ريـال سوسيداد على 24 مليون يورو. وبالتالي، يصبح فيلكس هو الصفقة الأغلى في تاريخ أتلتيكو مدريد، وبفارق 55 مليون يورو كاملة عن ثاني أغلى صفقة في تاريخ النادي، والتي كانت تحمل اسم الفرنسي ليمار، الذي ضمه النادي في مثل هذا التوقيت من الصيف الماضي مقابل 70 مليون يورو.
وتعد صفقة فيلكس بمثابة تحول كبير في الفلسفة التي يعتمد عليها نادي أتلتيكو مدريد، التي كانت تقوم على عدم الإنفاق بشكل سخي على التعاقد مع اللاعبين الجدد. ويطرح هذا تساؤلات حول قدرة فيلكس على التأقلم مع الطريقة التي يلعب بها هذا الفريق، وعن الدور الذي سيقوم به داخل فريق مجبر على القيام بتغييرات كبيرة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستطيع الفريق القيام بذلك؟ وهل يستطيع سيميوني أن يقود هذا التحول؟ ولو حدث ذلك، هل يستطيع هذا الفتى البرتغالي أن يقود هذا التغيير؟
في البداية، يجب التأكيد على أن فلسفة أتلتيكو مدريد كانت تقوم على القتال والمعاناة ومواجهة الصعاب بكل صلابة. وبالتالي، كان يتعين على الفريق أن يلعب بطريقة معينة أثبت الفريق نجاحه التام في تطبيقها والقتال من أجلها. وقال حارس مرمى أتلتيكو مدريد السابق، جيرمان بورغوس، والذي يعمل مساعدا لسيميوني في الوقت الحالي، ذات مرة: «لم يكن بإمكاني أن ألعب لنادي ريـال مدريد بسبب الطريقة التي أظهر عليها. لو لعبت معهم لجعلوني أقص شعري. أما أتلتيكو مدريد فهو مرادف للعمال العاديين وسائقي التاكسي والباعة».
وعندما فاز أتلتيكو مدريد بلقب الدوري الإسباني في موسم 2014، شبه نجم الفريق البرتغالي تياغو مينديس أتلتيكو مدريد بشخصية «روبن هود». وقال سيميوني ساخرا إن الفرق في الميزانية بين أتلتيكو مدريد وبين أكبر ناديين في إسبانيا - برشلونة وريـال مدريد - يصل إلى «400 مليون يورو فقط». وفور إطلاق صافرة نهاية المباراة في اليوم الأخير في الموسم الذي حصل فيها أتلتيكو مدريد على هذا اللقب، كانت قيمة التشكيلة الأساسية للاعبي الفريق تقل عن 40 مليون يورو، أي أقل من سعر لاعب مثل سيسك فابريغاس!
وخلال الاحتفالات، قال سيميوني لحشد من الجماهير: «هذه ليست بطولة للدوري الإسباني الممتاز فحسب، فهذا اللقب يعني أشياء أكثر أهمية من ذلك، ويعني أنه لو كانت لديك الثقة في قدراتك وإمكانياتك وعملت بكل قوة فسوف تحقق هدفك في نهاية المطاف». وفي نهاية هذا الموسم، رحل هداف الفريق. وفي الصيف السابق، كان هداف الفريق قد رحل عن النادي أيضا. وخلال هذا الصيف، سوف يرحل هداف الفريق كذلك. لكن الوضع الآن لم يعد كما كان في السابق، ولم يعد النادي يبخل على التعاقد مع لاعبين جدد بأسعار كبيرة. لقد اعتاد أتلتيكو مدريد على اللعب في ضوء الحدود والإمكانيات المتاحة أمامه، لكنه الآن يحاول تدعيم صفوفه بصفقات من العيار الثقيل، رغم أن برشلونة وريـال مدريد ما زالا عملاقين يصعب الدخول معهما في منافسة قوية.
وخلال الخمس سنوات الماضية، أنفق أتلتيكو مدريد 569 مليون يورو. وشهد الصيف الحالي تطورا أكثر أهمية، لأن التعاقد مع فيلكس يعني أن النادي قد أنفق في فترة الانتقالات الصيفية الحالية حتى الآن 180 مليون يورو. ويعود السبب في ذلك بصورة كبيرة إلى المقابل المادي الذي حصل عليه النادي من رحيل عدد من اللاعبين مثل غريزمان ولوكاس هيرنانديز ودييغو غودين وخوانفران توريس ورودريغو هيرنانديز. وبمجرد إعلان غريزمان عن رحيله عن النادي، كان ذلك يعني ارتفاع حصيلة النادي من بيع اللاعبين إلى 260 مليون يورو. لقد رحل «الحرس القديم»، وبالتالي كان يتعين على سيميوني أن يقوم ببناء فريق جديد، وربما بهوية جديدة. لكن هل يستطيع اللاعبون الجدد أن يواصلوا المسيرة ويقودوا النادي لتحقيق مزيد من الإنجازات؟
قال سيميوني لقناة «فوكس نيوز» الأميركية: «هذا واحد من أصعب المشروعات التي عملنا عليها منذ وصولي للنادي. يرحل عدد كبير من اللاعبين، وبالتالي فهي لحظة تحول صعبة، ولدينا تحد كبير في الوقت الراهن. لقد بدأت مرحلة التحول العام الماضي، لكن من المؤكد أن العملية ستكون معقدة». وقد أشار سيميوني في وقت سابق إلى أن الرجل الذي سيحل محل غريزمان «لن يكون متكاملا، لكن حتى غريزمان عندما انضم إلينا قادما من سان سيباستيان لم يكن بالمستوى الذي وصل إليه الآن قبل خمس سنوات وهو في الثالثة والعشرين من عمره». وأكد غريزمان على أن هذه هي الفلسفة التي يعتمد عليها أتلتيكو مدريد دائما في الصفقات التي يعقدها، حيث دائما ما يبحث عن التعاقد مع لاعبين صغار في السن ويعمل على تطويرهم.
وقال سيميوني إنه كان يبحث عن لاعب يمكنه «استيعاب أفكارنا، ويلعب بطريقة مماثلة للطريقة التي نلعب بها». وقال في مقابلة صحافية أخرى إن أفضل المديرين الفنيين هم الذين تكون لديهم «طريقة محددة»، وهي تصريحات تعكس الطريقة التي يفكر بها المدير الفني الأرجنتيني. ومن حيث عمر اللاعب، قد يكون فيلكس هو اللاعب الذي كان يبحث عنه أتلتيكو مدريد، لكن اللاعب البرتغالي السابق سيماو عبر عن رأيه في هذا الموضوع خلال الأسبوع الجاري عندما قال: «لكي أكون صريحا، يمكنني القول إن جواو فيلكس لا يناسب أتلتيكو مدريد في ضوء الطريقة التي يلعب بها سيميوني. لقد كان غريزمان يبذل مجهودا كبيرا في النواحي الدفاعية، للدرجة التي كانت تجعله في بعض الأحيان غير قادر على القيام بدوره الهجومي كما ينبغي. عقلية سيميوني تعتمد في الأساس على الدفاع ثم الدفاع ثم الدفاع، وينظر إلى النواحي الهجومية في النهاية».
قد لا يكون هذا إنصافا، لكن من الواضح أن سيميوني لديه طريقة لعب واضحة، تجعل الكثيرين يتساءلون عن قدرة فيلكس على الاندماج فيها والتكيف معها ومساعدة الفريق على الوصول لمستويات جديدة. لكن المؤكد أن القائد الحقيقي للفريق هو سيميوني، الذي يجلس على مقاعد البدلاء ببدلته السوداء الشهيرة ويقود الفريق للعب وفقا للفلسفة التي يؤمن بها.
وتكون هناك لحظات يبدو فيها أتلتيكو مدريد فريقا قادرا على التطور، لكن الفريق يميل إلى العودة إلى الطريقة التي يعرفها جيدا، وبالتالي يبقى التطور غير مكتمل. ومن بين الأسباب التي جعلت رودري يرحل عن أتلتيكو مدريد إلى مانشستر سيتي رغبته في اللعب بطريقة مختلفة. وقد ذكرت صحيفة «إل بايس» الإسبانية أن غريزمان اشتكى لزملائه من الطريقة التي يلعب بها الفريق والتي تعتمد على الناحية الدفاعية في المقام الأول. وقد أعرب عدد آخر من لاعبي الفريق عن إحباطهم من الطريقة التي يلعب بها الفريق، وقالوا ذلك صراحة للاعبي فرق منافسة بعد نهاية إحدى المباريات الموسم الماضي.
وعندما أعاد سيميوني دييغو كوستا للفريق مرة أخرى، كان ذلك بمثابة لفتة رمزية تعني أن أتلتيكو مدريد الجديد هو نفسه الفريق القديم! وكان من الطبيعي، على سبيل المثال، أن يتم النظر إلى إعادة كوستا على أنها تعني فشل للصفقات الجديدة والأفكار الجديدة. وكان ذلك يعني على ما يبدو أن اللاعبين الجدد لم يتكيفوا مع متطلبات المدير الفني، وأن المدير الفني لم يتمكن من مساعدة هؤلاء اللاعبين على اللعب بطريقته. ومنذ أن رحل كوستا عن الفريق في أول مرة، تعاقد أتلتيكو مدريد مع عدد كبير من المهاجمين، مثل ماريو ماندزوكيتش، وراؤول خيمينيز، وغريزمان، وجاكسون مارتينيز، ولوسيانو فيتو، وكيفين غاميرو، وفيرناندو توريس، ودييغو كوستا مرة أخرى، ونيكولا كالينيتش، وألفارو موراتا. ويمكن القول بأن غريزمان فقط من بين كل هؤلاء اللاعبين هو الذي حقق نجاحا كبيرا مع الفريق (رغم أن البعض قد يرى أن موراتا قد نجح أيضا). وحتى كوستا لم يظهر بنفس المستوى بعد عودته، ربما لأن الظروف المحيطة قد تغيرت.
لكن هذه المرة، فإن الأمور تختلف تماما، نظرا لحجم التغييرات التي حدثت، وعدد اللاعبين الذين رحلوا عن الفريق. لكن يبقى شيء واحد مؤكد وهو أن جواو فيلكس لاعب مختلف أيضا.
تعاقد أتلتيكو مع فيلكس مقابل 126 مليون يورو... خطوة محسوبة أم مغامرة فاشلة
النادي يتحول إلى تدعيم صفوفه بصفقات باهظة ويدخل مع برشلونة والريـال في منافسة قوية
تعاقد أتلتيكو مع فيلكس مقابل 126 مليون يورو... خطوة محسوبة أم مغامرة فاشلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة