«عيد السينما في لبنان» يضع صناعة الأفلام الأفريقية تحت المجهر

في نسخته الثالثة ينظم طاولة مستديرة وعرضاً لفيلم «لست ساحرة»

«عيد السينما في لبنان» يضع صناعة الأفلام الأفريقية تحت المجهر
TT

«عيد السينما في لبنان» يضع صناعة الأفلام الأفريقية تحت المجهر

«عيد السينما في لبنان» يضع صناعة الأفلام الأفريقية تحت المجهر

يعود «عيد السينما»، في نسخته الثالثة، هذا العام، إلى لبنان، متخذاً من السينما الأفريقية العنوان العريض له. فهذا الحدث الذي دأب اللبنانيون على الاحتفال به منذ عام 2016 سيجري تنظيمه في 11 يوليو (تموز) الحالي في مركز «مانشيون» في منطقة زقاق البلاط، وهو عادة ما يفتح أبوابه مجاناً أمام هواة الفنون على أنواعها.
وسيتم في هذه النسخة إقامة طاولة مستديرة تتناول صناعة السينما الأفريقية، ومدى تطورها، وتهميشها، في الوقت نفسه. ويشارك فيها كل من المخرجة زينة صفير المسؤولة في مهرجان «أيام بيروت السينمائية» والمنتجة والمخرجة السينمائية كارمن لبكي والناقد السينمائي إلياس دمّر. ويتبعها عرض الفيلم السينمائي الأفريقي «لست ساحرة» (I am not a witch)، للمخرجة رانغانو نيوني من زامبيا. وكان هذا الفيلم قد عرض لأول مرة في مهرجان «كان» السينمائي في عام 2017، وكذلك ضمن «مهرجان سينما الشباب» في بيروت العام الماضي.
ويحكي الفيلم قصة فتاة صغيرة تعيش في قرية في زامبيا تتهم بأنها ساحرة، فيكبلونها، ويمنعونها من الحركة، بحجة التحول إلى ماعز في حال انقطع الحبل المقيدة به. وتأخذها أفكارها وأحلامها إلى عالم خاص بها يجعلها تفكر بمستقبلها في حال تحررت وتحولت إلى الحيوان المذكور.
«الفيلم يتضمن الحس الفكاهي القاسي، الذي يخفي وراءه معاناة طفولة معذبة في زامبيا»، تقول هدى حنّيش وهي جزائرية الأصل وتقف وراء تأسيس هذا المهرجان سنوياً في لبنان مع صديقة لها تدعى لورا زين. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «السينما الأفريقية بشكل عام تشبه اللبنانية بأوضاعها وصناعتها وتهميشها من نواح عديدة. وأحياناً وتماماً كما في صناعتنا اللبنانية يخرق أحد الأفلام السينمائية القواعد التي تسري عادة عليها فتخرج إلى النور وتلاقي استحسان النقاد العالميين، كما حصل مع مخرجة الفيلم المذكور رانغانو نيوني». وعن سبب اختيار هذا المهرجان للأفلام الأفريقية موضوعاً رئيسياً له توضح هدى في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «أنها سينما منتشرة، ونحن كلبنانيين نعرف صناعتها المستقدمة من البلدان الشمالية فيها كالمغرب وتونس والجزائر، إلا أننا ندرجها على لائحة الأفلام العربية، لا سيما تلك الموقعة من مصر. ولذلك رغبنا في إلقاء الضوء على تاريخها وصناعتها وكيفية تطورها».
وتشير هدى حنيش التي بدأت قصتها مع عيد السينما بالصدفة عندما اختارته وصديقتها لورا كموضوع لرسالة الماجستير في تخرجهما من الجامعة، إلى أن الطاولة المستديرة التي ينظمها المهرجان في مناسبة «عيد السينما» ستتحدث فيه كارمن لبكي عن مخرجة الفيلم وعن التحديات التي واجهتها خلال تنفيذه. فيما سيتم المقارنة بين أعمال السينما الأفريقية، أمس واليوم، مع الناقد السينمائي إلياس دمّر. أما زينة صفير، ولأنها مطلعة على أفلام أفريقيا الشمالية بفضل موقعها كمشرفة ومنظمة لمهرجان بيروت السينمائي، فسيكون محور حديثها في الطاولة المستديرة حول هذه الأعمال والدور الذي لعبته عبر الزمن.
من جهتها ترى زينة صفير، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها ستتناول في مناقشاتها على الطاولة المستديرة قضية تهميش أفلام أفريقيا الشمالية، خصوصاً أن هذه الصناعة في المجمل لا تملك تجارب كثيرة لمع اسمها في الخارج. وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مخرجون كثر لمع اسمهم من أفريقيا أمثال سليمان سيسي من مالي، ومحمد الصالح هارون من تشاد. ودخلوا مهرجانات عالمية ضمن فئات أفلام مختلفة فلاقت أعمالهم الاهتمام المطلوب. ولكن هذا الأمر لم يعط هذه الصناعة حقها في الوقت نفسه. ونلاحظ اليوم توجيه شركات إنتاج عالمية اهتمامها إلى الأفلام الأفريقية. كما أن المغرب العربي يعدّ صاحب أكبر صناعة سينمائية في أفريقيا، وتلاقي كل من المغرب وتونس دعماً وتشجيعاً مادياً يصب في صالحها في هذا المجال، إن من خلال مساعدات تقدمها الدولة أو صناديق دعم أجنبية».
ويعد «عيد السينما» موعداً سنوياً يحتفل به العالم في نهاية شهر يونيو (حزيران)، ويستمر لسبعة أيام متتالية. «إننا نحاول تطوير هذا العيد في لبنان، خصوصاً أننا نعتمده موعداً ثابتاً في كل عام»، توضح هدى حنيشي، وتضيف: «ففي النسخة الأولى اتخذنا من موسيقى الأفلام السينمائية عنواناً لها، فيما اخترنا الأفلام الخاصة بالمرأة في نسخته الثانية. ونتمنى أن نستطيع تطويره ليصبح موعداً سنوياً يسمح للبنانيين بحضور الأفلام السينمائية بأسعار مخفضة، كما يحدث في فرنسا صاحبة إطلاق هذا العيد عالمياً».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».