محاولة لكشف سر الفتاة إيمانويلا في مقابر الحجاج الألمان بالفاتيكان

TT

محاولة لكشف سر الفتاة إيمانويلا في مقابر الحجاج الألمان بالفاتيكان

مقابر الحجاج الألمان، الواقعة خلف الأسوار السميكة للفاتيكان، هي مكان للراحة والسكينة. هناك تنمو أشجار سرو، وتتهادى أشجار النخيل أمام الرياح، وتزقزق الطيور، فيما عدا ذلك يسود هدوء.
لا تكاد تسمع شيئاً من صخب السائحين في ساحة بطرس القريبة. يستطيع أي شخص ألماني، عادة، أن يطلب من قوات الحرس السويسري، المكلفة بحماية المقبرة، عند البوابة، السماح بدخول المقابر.
عادة ما يُسمح بذلك. لكن ليس الآن، حيث ستصبح مقبرة كامبو سانتو تويتونيكو، اليوم (الخميس)، مسرحاً لحدث من شأنه أن يحل أحد أكثر حالات الاختفاء غموضاً في تاريخ الفاتيكان.
وحسب تقرير لوكالة «د.ب.أ» فسوف يتم فتح قبرين، يعتقد أن بهما رفات الفتاة إيمانويلا أورلاندي، نجلة خادم البلاط البابوي، التي اختفت قبل 36 عاماً، ولا يعرف أحد حتى الآن، سبب اختفائها. وحيث إنه لم يتم الكشف عن خبايا هذه الواقعة حتى الآن، فإن هناك منذ ذلك الحين تكهنات متضاربة بشأن الواقعة.
يقول أليساندرو جيسوتي، المتحدث باسم البابا، إن الحالة «طويلة ومؤلمة ومعقدة».
كان يوم الثاني والعشرين من يونيو (حزيران) 1983، عندما لم تعد الفتاة إيمانويلا، البالغة 15 عاماً، للمنزل، وذلك بعد حضور درس في الموسيقى. كانت إيمانويلا نجلة أحد خدام البابا الأسبق، يوحنا بولس الثاني.
كانت محاولات كشف الجريمة كثيرة، ومبهمة أيضاً، حيث اعتقد المحققون، لفترة، أن إيمانويلا وقعت ضحية لمجرمين أرادوا ابتزاز براءة علي أغا، الذي حاول اغتيال البابا. ثم رجّح المحققون أن دبلوماسياً في الفاتيكان اختطفها واستغلها في حفلات ماجنة.
أصبح عالم الجريمة في روما، هو الآخر، طرفاً في التحقيقات، حيث فتح المحققون، في سبيل البحث عن آثار للجريمة، قبر إنريكو دي بيديس، الزعيم في المافيا الإيطالية، بكاتدرائية سانت أبوليناري في روما، لكن ذلك كله لم يفض إلى نتيجة.
ثم عُثر في خريف العام الماضي على عظام، بالقرب من سفارة للفاتيكان في روما، وتم فحصها، بلا نتيجة أيضاً، حيث تبين أن العظام ليست للفتاة إيمانويلا، بل تعود لأحد العصور القديمة.
نشر صحافي إيطالي، قبل عامين، وثيقة يعتقد أنها مزيفة، كان يريد من خلالها إثبات أن الفاتيكان هو الذي أراد للفتاة إيمانويلا أن تختفي.
أخبار كاذبة، رحلات خاطئة، وآمال مخيبة، لا حصر لها، عانت منها الأسرة.
ينتظر لفتح القبر الواقعة في مقبرة سانتو تويتونيكو، أن يلقي الضوء على كل هذا الغموض.
اعتبر بيترو أورلاندي، شقيق إيمانويلا، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، هذه التطورات «فصلاً جديداً».
أورلاندي هو الذي يناضل بلا كلل منذ سنوات، من أجل الكشف عن الحقيقة، يقول: «لم يكن هناك تعاون من الفاتيكان، على مدى 36 عاماً»، مضيفاً: «يقرّ الفاتيكان ولأول مرة، من خلال موافقته على فتح القبر، بالمسؤولية الداخلية عن مقتل إيمانويلا» أو بوجود متواطئين داخل دولة الكنيسة.
أشار شقيق القتيلة إلى أنه كانت هناك الكثير من الخيوط التي تؤدي إلى مقبرة الحجاج، والتي تقع خلف أسوار الفاتيكان، لكنها لا تزال أرضاً تقع تحت سيادة الدولة الإيطالية.
هنا يرقد رفات جثامين رجال دين وأمراء من المنطقة الناطقة بالألمانية والمنطقة الفلمنكية. تتوجه الأنظار بشكل خاص إلى قبر عنده تمثال من المرمر، لملَك، حيث جثمان الأميرة صوفيا، وهي قريبة للكاردينال جوستاف أدولف فون هوهين لوهي. تزعم عائلة أورلاندي أنها تلقت إشارة تقول: «ابحثوا حيث ينظر الملَك». يرى بيترو أورلاندي أن موافقة الفاتيكان، إضافة إلى ذلك، على فتح القبر الملاصق، تعني أن التحقيقات دقيقة هذه المرة.
كما يرى أن البابا فرنسيس هو الذي يسعى هذه المرة للكشف عن أسرار الجريمة، «حيث التقيته بُعيد توليه منصبه، وقال إن إيمانويلا في الجنة».
إذن، آن الأوان للخطوة التالية، بالنسبة للمأساة العائلية، حيث كانت آخر مرة تفتح فيها هذه المقابر عام 2010، وذلك لإجراء ترميمات على يد نحاتين، حسبما أوضح هانز بيتر فيشر، رئيس المقبرة، في حديث لموقع «فاتيكان نيوز»، الإخباري الخاص بالفاتيكان، مشيراً إلى أن المسؤولين عن المقبرة وافقوا قبل بعض الوقت على فتح المقابر.
ولم نستطع الوصول فيما بعد لرئيس المقبرة، لنسأله عن سبب فتح هذه المقابر بالذات، وما إذا كانت هناك علاقة لذلك بالمدفونين.
سيتواجد أقرباء لإيمانويلا، ولأصحاب الجثامين المدفونة، عند فتح المقابر، إضافة بالطبع إلى خبراء في الجريمة ومحققين. وسيضطر الصحافيون إلى البقاء في الخارج. سيتم فحص العظام التي يعثر عليها، لتحديد عمر أصحابها، وستكون هناك مقارنة للحمض النووي. هناك لافتة على القبر الذي وضع عنده تمثال يراد له أن يكون لملَك، مكتوب عليها «السكينة في السلام»، لن تعود السكينة بسرعة، على الأقل هذا الأسبوع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».