الكونغرس الأميركي «يرفض» رفع الحد الأدنى للأجور خشية إهدار 1.3 مليون وظيفة

مخاوف من آثار سلبية على تنافسية الشركات الكبرى

أكثر من 20 في المائة من العمال ذوي الأجور المتدنية يغادرون وظائفهم  أو يبدأون وظائف جديدة بحثاً عن أجور أعلى (رويترز)
أكثر من 20 في المائة من العمال ذوي الأجور المتدنية يغادرون وظائفهم أو يبدأون وظائف جديدة بحثاً عن أجور أعلى (رويترز)
TT

الكونغرس الأميركي «يرفض» رفع الحد الأدنى للأجور خشية إهدار 1.3 مليون وظيفة

أكثر من 20 في المائة من العمال ذوي الأجور المتدنية يغادرون وظائفهم  أو يبدأون وظائف جديدة بحثاً عن أجور أعلى (رويترز)
أكثر من 20 في المائة من العمال ذوي الأجور المتدنية يغادرون وظائفهم أو يبدأون وظائف جديدة بحثاً عن أجور أعلى (رويترز)

كشف تقرير صادر عن الكونغرس الأميركي، أن رفع الحد الأدنى لأجور العمال الأميركيين إلى 15 دولاراً في الساعة، سوف يؤدي إلى فقدان 1.3 مليون وظيفة في قطاعات الاقتصاد المختلفة. وتسبب التقرير، الذي صدر أول من أمس عن مكتب الموازنة بالكونغرس، في صدمة للعديد من الديمقراطيين الاشتراكيين والتقدميين الذين ينادون بضرورة رفع الحد الأدنى للأجور في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وعلى مستوى جميع القطاعات.
ورغم أن التقرير أشار إلى أن رفع الأجور إلى 15 دولاراً في الساعة من شأنه أن يرفع مستوى معيشة 17 مليون عامل، وانتشال 1.3 مليون أسرة أميركية من الفقر، إلا أن هناك اعتراضاً كبيراً من المشرعين الجمهوريين على القانون.
وقدم التقرير تحليلاً مفصلاً عن توابع تطبيق فكرة رفع الأجور الفيدرالية، موضحاً أن فقدان 1.3 مليون وظيفة نتيجة لذلك يعد تقديراً متوسطاً لحجم النتائج السلبية التي ستنجم عن تطبيق الفكرة، بينما يشير التقدير الأعلى إلى أن هذا الرقم قد يرتفع إلى 3.7 مليون وظيفة. كما سيؤدي ذلك إلى انخفاض الدخل الحقيقي الأميركي بشكل عام بمقدار 9 مليارات دولار في عام 2025، ويرجع ذلك إلى انخفاض دخل الشركات الذي سيكون مرتبطاً بزيادة تكاليف العمالة، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات في جميع نواحي الاقتصاد.
من جانب آخر، يبدي العديد من الاقتصادين قلقهم من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تراجع تنافسية الشركات الأميركية والاقتصاد الوطني بشكل عام، وقد تلجأ بعض المصانع والشركات الكبيرة إلى نقل وحدات إنتاجها إلى دول أخرى لديها عمالة أرخص. وينص مشروع القانون الذي قدمه النائب الديمقراطي بوبي سكوت (ولاية فرجينيا)، على زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في الساعة على مدى خمس سنوات، على أن يتم رفع هذا الحد في المستقبل طبقاً لمعدلات التضخم السائدة، بالإضافة إلى إلغاء الحد الأدنى للأجور المعمول به حالياً للعمال المهرة والعمال ذوي الإعاقة والعمال الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً.
وفي حالة تم تمرير القانون، من المتوقع أن يحصل 27.3 مليون عامل على زيادة في الأجور، منهم 17 مليون شخص سترتفع أجورهم بشكل مباشر، و10 ملايين شخص آخرين ممن يحصلون على أكثر من 15 دولاراً في الساعة قد يكسبون المزيد من المال، وفقاً لما ذكره تقرير مكتب الموازنة بالكونغرس.
ومن المقرر أن يطرح الديمقراطيون في المجلس مشروع القانون للتصويت عليه خلال الأسابيع المقبلة، بعد قتال استمر لشهور بين اليساريين والمعتدلين داخل الحزب الديمقراطي. ورفضت مجموعة من الوسطيين الديمقراطيين دعم الاقتراح، خوفاً من التداعيات المحتملة للشركات المحلية، وما زال عدد كبير منهم يشككون في التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن رفع الأجور.
ويضغط الديمقراطيون في مجلس النواب بقوة لتمرير مشروع القانون، وبلا شك فإن لذلك أسباباً سياسية، سواء كانت تتعلق بالانتخابات التشريعية للأعضاء الديمقراطيين أو الانتخابات الرئاسية المقبلة التي يزاحم فيها المرشحون الديمقراطيون الاشتراكيين بقوة. ومن ناحية أخرى، يرفض الجمهوريون بشدة فكرة رفع الأجور، على الأقل في الوقت الحالي، خصوصاً أن الاقتصاد الأميركي يسير بشكل جيد في ظل سياسات ترمب. ويريد الجمهوريون الاحتفاظ بهذا الزخم الذي خلقه الرواج الاقتصادي خلال العامين الماضيين حتى يكون أساس حملة ترمب الانتخابية.
ويرى سكوت، الذي رعى مشروع القانون، أن النتائج التي توصل إليها مكتب الموازنة في الكونغرس تؤكد حجم الفوائد التي ستعود على الاقتصاد والعمال الأميركيين في حالة رفع الحد الأدنى للأجور، ويقصد هنا رفع مستويات المعيشة وانتشال ملايين الأسر الأميركية من الفقر. إلا أنه لم يشر إلى التوابع السلبية التي سوف ترتبط بهذا القرار.
وقال، في بيان أول من أمس: «تقرير مكتب الموازنة بالكونغرس يخلص إلى نتيجة واضحة: فوائد قانون رفع الأجور بالنسبة للعمال الأميركيين تفوق بكثير أي تكاليف محتملة»، مشيراً إلى أن توقعات المكتب كانت غير دقيقة فيما يتعلق بالخسائر التي ستتعرض لها سوق العمل بسبب رفع الأجور.
فيما دعا النائب الجمهوري ستيف ووماك، وهو أعلى عضو في لجنة الموازنة بمجلس النواب، الديمقراطيين، إلى التخلي عن فكرة رفع الأجور والحفاظ على التقدم الذي يحققه الاقتصاد الأميركي. وقال، أول من أمس: «العمال والأسر الأميركية سيفقدون وظائفهم إذا تم إقرار هذا القانون. أدعو الديمقراطيين في مجلس النواب إلى عدم التقدم باقتراح من شأنه وقف هذا التقدم وإلحاق الضرر بملايين العائلات في هذه العملية».
وتجادل الاقتصادية هايدي شيرهولز، من معهد السياسة الاقتصادية، بأن «انخفاض العمالة لا يعني بالضرورة أن العمال سيصبحون في وضع أسوأ، لأن حصة كبيرة من العمال ذوي الأجور المنخفضة يتنقلون من وظائفهم بشكل مستمر وروتيني كل ثلاثة أشهر بسبب انخفاض الأجور»، مشيرة إلى أن أكثر من 20 في المائة من العمال ذوي الأجور المتدنية يغادرون وظائفهم، أو يبدأون وظائف جديدة بحثاً عن أجور أعلى.
ومن المعلوم أن مستويات الفقر في المجتمع الأميركي تختلف بشكل كبير عن الفقر في الدول النامية، إلا أن مسألة رفع الحد الأدنى للأجور كانت، ولا تزال، مسألة حرجة ومثيرة للجدل بين المشرعين الأميركيين.



«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

وضعت الاضطرابات الكبيرة في سوق السندات «الاحتياطي الفيدرالي» في موقف بالغ الصعوبة، حيث يواجه خيارين حاسمين: إما أن يسعى لتهدئة المخاوف المتعلقة بالتضخم على المدى الطويل، أو أن يستجيب لشكاوى الرئيس المنتخب دونالد ترمب بشأن «ارتفاع معدلات الفائدة بشكل مفرط». وبينما لا يمكنه تحقيق كلا الهدفين في الوقت نفسه، من المرجح أن يختار معالجة الأول، مما يفتح المجال لصراع لفظي مستمر مع البيت الأبيض على مدار العام المقبل.

ولم يعد بالإمكان تجاهل الزيادة الملحوظة في معدلات الاقتراض من سندات الخزانة الأميركية في الأسابيع الأولى من عام 2025، حيث تشير السوق إلى الدخول في مرحلة جديدة ومقلقة تتطلب قدراً كبيراً من الحذر من البنك المركزي والحكومة على حد سواء، وفق «رويترز».

ومن أبرز هذه الإشارات الحمراء هو ظهور زيادة ملحوظة في علاوة المخاطر التي يطالب بها المستثمرون لحيازة السندات الحكومية الأميركية طويلة الأجل. ويتم قياس هذه الفجوة عادة كتعويض إضافي يُطلب عند الالتزام بسندات طويلة الأجل حتى تاريخ الاستحقاق، بدلاً من شراء سندات قصيرة الأجل وإعادة تدويرها مع مرور الوقت.

وقد كانت العلاوة الزمنية غائبة إلى حد كبير عن السوق لأكثر من عقد من الزمن، ولكن تقديرات «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك تشير إلى أن العلاوة الزمنية لمدة 10 سنوات قد ارتفعت بشكل حاد هذا العام، لتتجاوز نصف النقطة المئوية لأول مرة منذ عام 2014.

وقد لا تكون علاوة المخاطر بنسبة 50 نقطة أساس مفرطة وفقاً للمعايير التاريخية، لكنها تفوق متوسط العشر سنوات الماضية بمقدار 50 نقطة أساس.

وتشير اتجاهات العلاوة الزمنية إلى مستوى من عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن التضخم على المدى الطويل، وتراكم الديون، والسياسات المالية، وهي حالة لم تشهدها السوق منذ سنوات عديدة. ويرجع هذا بلا شك إلى مزيج من العجز الكبير في الموازنة والاقتصاد القوي، إلى جانب تعهدات الرئيس القادم بشأن خفض الضرائب، وفرض قيود على الهجرة، وزيادة التعريفات الجمركية.

وتظهر هذه المخاوف أيضاً في مؤشرات الديون الأخرى التي بدأت تتحرك بشكل مستقل عن توجيه سياسة «الاحتياطي الفيدرالي». فقد قام «الفيدرالي» بخفض سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة منذ سبتمبر (أيلول)، ومع ذلك ارتفع عائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات بمقدار 100 نقطة أساس منذ ذلك الحين. وزادت عوائد سندات الخزانة لمدة 30 عاماً بشكل أسرع، مهددة بالوصول إلى 5 في المائة لأول مرة منذ أكثر من عام، وهو مستوى قريب جداً من المعدلات التي سادت قبل أزمة البنوك في 2008.

وبينما لم تتحرك عوائد السندات لمدة عامين، التي تعكس سياسة «الفيدرالي» من كثب، بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، فقد اتسع الفارق بين العوائد على السندات لمدة سنتين و30 عاماً ليصل إلى أوسع مستوى له منذ أن بدأ «الفيدرالي» في تشديد السياسة قبل ثلاث سنوات تقريباً.

وكان من المتوقع أن تتوقف توقعات التضخم طويلة الأجل، التي تراقبها سوق السندات المحمية من التضخم والمقايضات، عن الانخفاض في سبتمبر وأن ترتفع مرة أخرى نحو 2.5 في المائة، متجاوزة هدف «الفيدرالي» بنصف نقطة مئوية.

هل يتجه «الفيدرالي» نحو سياسة أكثر تشدداً؟

إذا بدأ «الفيدرالي» يفقد السيطرة على الجزء الطويل من سوق السندات، فقد يُضطر إلى اتخاذ منحى أكثر تشدداً لاستعادة التزامه بتحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة على المدى المستدام.

وهذا يعني أنه، في حال لم يحدث تباطؤ حاد في الاقتصاد أو تغيير كبير في سياسات ترمب المعلنة، فمن الممكن تماماً ألا يقوم «الفيدرالي» بأي تخفيض آخر في هذه الدورة. وهو أمر قد لا يرضي الرئيس الجديد الذي أبدى بالفعل معارضته للفيدرالي وتساؤلاته حول ضرورة استقلاله.

ليس لدي فكرة

حاول محافظ «الفيدرالي» كريستوفر والر أن يتوسط في تصريح له يوم الأربعاء قائلاً إن السياسة ما زالت مشددة تاريخياً، على الرغم من أنها ليست كافية لفرض ركود، وأضاف أن الزيادات في الأسعار الناجمة عن تعريفات ترمب لا تغير من وجهة نظر «الفيدرالي».

لكنه أيضاً أشار إلى أن «الفيدرالي» - مثل معظم مستثمري السندات - أصبح في لعبة تخمين. بينما قال والر إنه يشك في أن يتم تنفيذ السياسات الأكثر قسوة من قبل إدارة ترمب، أضاف أن التوصل إلى توقع بشأن التوقعات الاقتصادية للفيدرالي في ديسمبر كان «مشكلة صعبة».

«ليس لدي فكرة عما سيحدث»، اختتم قوله.

من الواضح أنه ليس وحده في ذلك. إذا كان كبار مسؤولي «الفيدرالي» لا يعرفون ماذا يتوقعون من ترمب، فإن مستثمري السندات العاديين لا يعرفون أيضاً.

ويبدو أن هناك سيناريوهين محتملين: إذا قرر «الفيدرالي» تسريع خفض الفائدة بما يتماشى مع ما يبدو أن ترمب يريده، دون حدوث تحول كبير في الأسس الاقتصادية لتبرير هذه الخطوة، فإن مستثمري السندات سيفترضون أن البنك المركزي ليس مهتماً بشكل كبير بتحقيق هدفه البالغ 2 في المائة.

وسيواصل مستثمرو السندات على الأرجح تسعير هذا الخطر، مما يؤدي إلى «إلغاء» توقعات التضخم، كما يقول المتخصصون في السياسات.

لكن «الفيدرالي» قد صرح بشكل متكرر بأن احتواء توقعات التضخم هو أحد أدواره الرئيسية، لذلك من الصعب تصوره يتجاهل هذه التطورات.

وحتى إذا لم تغير التعريفات الجمركية التي هدد بها ترمب حسابات التضخم بشكل أساسي، فإن خطة ترمب لتمويل التخفيضات الضريبية وتشديد أسواق العمل من خلال تشديد سياسات الهجرة والطرد، من المؤكد أنها ستزيد من المخاطر التضخمية التي تفاقمت بالفعل.

وإذا تمكن ترمب من تقليص الإنفاق الحكومي وتقليص الوظائف الفيدرالية، فقد يحقق بعض التقدم في معالجة هذه الأزمة. لكن القليل يتوقع أن يكون هذا أمراً سريعاً أو سهلاً، خاصة أنه قد لا يملك الأصوات في الكونغرس لتمرير العديد من أجزاء أجندته.

ولعل الرئيس المقبل يستطيع مساعدة بنك الاحتياطي الفيدرالي - ونفسه - من خلال توضيح أن أسعار الفائدة التي يعتبرها «مرتفعة للغاية» تمثل عائدات السندات الطويلة الأجل. بهذه الطريقة، سيكون بوسعه أن يترك بنك الاحتياطي الفيدرالي يقوم بوظيفته ويمنح نفسه مساحة أكبر للمناورة.

لكن مع تبقي أقل من أسبوعين على التنصيب، فإن التكهنات حول ما قد يحدث أو لا يحدث يمكن أن تتسبب في اضطراب كبير في الأسواق.