كيانو ريفز لـ«الشرق الأوسط»: لست مديناً لأحد... ولا أحد مدين لي

لا يتذكر بيروت ولم يعتمد إلا على نفسه

يرتدي البذلة في الصحراء
يرتدي البذلة في الصحراء
TT

كيانو ريفز لـ«الشرق الأوسط»: لست مديناً لأحد... ولا أحد مدين لي

يرتدي البذلة في الصحراء
يرتدي البذلة في الصحراء

يشبه الممثل الأميركي كيانو ريفز، شخصية مايكل لاينياررد بطل روايات «الذئب الوحيد»Lone Wolf) )، التي ابتكرها المؤلف لويس جوزف فانس، لأول مرة سنة 1914. لاينياررد بطل يعمل لصالح نفسه، وقد يتحوّل إلى مشاكس للقانون، لكنه يعمل لصالحه في كل مرّة. بطل وحيد لا صديق له ولا صاحب ولا يثق بأحد ولا أحد يثق به.
بقياس تلك الملامح على كيانو ريفز كشخص فعلي، نجده يشبه تلك الشخصية الخيالية. فهو من نجوم السينما الحاليين الذين لا نراهم يعملون مع سواهم من الممثلين المعروفين إلا في مرات قليلة ومتباعدة. لا تدر أفلامه حالياً ما تدره أفلام من بطولة روبرت داوني جونيور أو توم كروز، لكن ذلك لا يؤثر عليه أو يضيره. هو ممثل ناجح في مقام منفصل ووضع مستقل.
على الشاشة يتجسد ذلك أكثر وأكثر. جل أفلامه تصوّره بطلاً وحيداً لا يمكن له أن يعتمد إلا على نفسه، ولا أحد يستطيع الاعتماد عليه. اذكر اسمه تتراءى لك شخصيته في سلسلة أفلام «ذا ماتريكس»، الثلاثية التي لا تزال، منذ أن قدم الفيلم الأول منها سنة 1999، واحدة من أكثر مسلسلات السينما إثارة، لا بحسب المعارك التي تقع فقط، والتي أجاد فيها ريفز القتال ضد عدد لا ينقطع من الرجال كلهم يشبهون بعضهم البعض، بل بحسبان قدراته البدنية التي طوّرها للمناسبة.
البحث عن أسباب دفينة لتميّزه قد يؤدي بنا إلى نبش بعض التاريخ: وُلد ريفز في بيروت، لبنان سنة 1964، والدته بريطانية، ووالده أميركي من هاواي من أصل صيني وجدته صينية بالكامل. كيف لا يمكن إذن أن يشعر الصبي بالاختلاف، خصوصاً إذا ما عرفنا أن حياته قد خلت من رعاية الأب منذ أن كان في الثالثة من العمر؟
لا يفيد بعد ذلك أن والدته تزوّجت مرّة ثانية (من المخرج الكندي بول آرون)، ثم تطلقت منه سنة 1971، بينما كان كيانو ما زال في السابعة من عمره. ولا يفيد أن والدته تزوّجت مرتين بعد ذلك، وأن كيانو وجد نفسه ينتقل للعيش في تورونتو حيناً وهاواي حيناً آخر. هذا كله يشبه الحال الذي نراه عليه في معظم أفلامه، بما فيها فيلمه الجديد «جون وِك - 3»: مستقل، منفرد ولا يستطيع أن يعتمد على أحد. بكلمتين: ذئب منفرد.
-- الشعور بالاستقلال
سلسلة «جون وِك» ذاتها انطلقت أول مرّة في عام 2014، ونجاح الفيلم أدّى إلى جزء ثانٍ سنة 2017، ثم إلى هذا الجزء الجديد الذي نراه فيه يحمل على أعدائه غير المحصورين. هو نفسه، كما يقول في هذا اللقاء، لا يعرف عددهم ولا حتى عدد من قتل منهم.
هو يضرب ليقتل، لكنه ليس «سوبر هيرو»، بحيث إنه لا يُصاب بسوء. ونقرأ معاناته عندما يبذل أقصى جهده للبقاء حياً. في المقابل، ولتوضيح الفكرة، فإن ستيفن سيغال (الذي يكبره باثنتي عشرة سنة) ما زال يقاتل أعداءه كمن يخبز البيتزا، بلا عناء يذكر.
وهذا نص الحوار:
> هل تثير اهتمامك شخصية البطل المنفرد؟ ما الملامح التي تجدها فيها وتثير حبك لها؟
- تثير اهتمامي كثيراً، لكن في الأساس هي هناك لكي تثير الاهتمام، ولا يمكن تمثيلها إلا إذا كانت أثارت اهتمام الممثل بصرف النظر عمن هو. في الحقيقة معظم الأفلام تقدّم أبطالاً من هذا النوع، ولو لم يكن وحيداً بالفعل. أقصد أن ظهور الممثل الذي يقود الفيلم عليه أن يكون مميزاً على نحو أو آخر.
> لكن هل هناك تطابق فعلي بين هذه الشخصية وبين منوال حياتك؟
- لا أستطيع الجواب على ذلك من دون أن أتحدث عن حياتي، وأنا لا أريد ذلك. أعتقد أن هناك ملامح مشتركة، لكني لن أضيع وقتي ووقتك في الحديث عنها.
> هل من بين التميّز عن باقي الممثلين أنك تفضل استخدام الدراجة النارية في تنقلاتك عوض السيارة؟
- (يضحك) ربما.
> ما الذي يمنحه لك ركوب الدراجة؟
- كل شيء. هناك شعائر خاصة. حين تركب السيارة لا تقوم بما تقوم به عندما تستخدم الدراجة النارية. ثيابك تختلف، وأساساً ليس المطلوب منك أن تضع خوذة أمان. لكن هناك ترتيبات أساسية لا بد منها. أحب أن أمشي إلى دراجتي. أحب الاهتزازات التي تقع. الحركة. ثم هناك شعور كبير بالاستقلالية. أحب حقيقة أني أستطيع أن أجوب العالم فوقها. الدراجة تمثل فعلاً مثيراً للغاية. إثارة بدنية ومكان لكي تفكر وتشعر، أو لا تفكر ولا تشعر. هل جربتها؟
> مرّة واحدة في لبنان. هل تذكر الكثير من طفولتك في بيروت؟
- تقريباً لا شيء. تركنا لبنان عندما كنت ما زلت طفلاً.
> هل تعرضت لحادثة خلال قيادتك الدراجة؟
- نعم مرّة واحدة. كان الوقت ليلاً وسقطت نتيجة اصطدام. كانت المرّة الوحيدة التي أصرخ فيها طالباً النجدة.
-- شخصيات يحبها
> هل اعتمدت على أحد خلال مسيرتك كممثل؟ أو في حياتك الشخصية؟
- كل منا لا بد أن يعتمد على جزء ما من المساعدة. لكني لست من النوع الذي يطلب. أعتقد أنني لست مديناً لأحد ولا أحد مدين لي. أعتمد على نفسي في كل شيء ومنذ سنوات بعيدة.
> من دون الدخول في التفاصيل، أعرف أنه كان عليك الاعتماد على نفسك منذ أن كنت فتى صغيراً. هل هناك رابط بين أدوارك الحالية كبطل منفرد وبين ذلك الشعور بالانفراد الناتج عن تلك الفترة؟
- السؤال أعمق مما أود البحث فيه. أعتقد أننا جميعاً نحمل ما نمر به من أحداث ومواقف وأحاسيس طوال حياتنا. نحملها في داخلنا. لكن عندما مثلت أول أدواري البطولية لم أشعر بأنني أبني شخصيتي السينمائية على غرار شخصيتي الحقيقية.
> في عام 1994 توليت بطولة أول فيلم نقلك سريعاً إلى الشهرة وهو «سرعة». لكن هذا جاء في أعقاب أدوار بارزة في أفلام درامية أخرى مثل «دراكولا» لفرنسيس فورد كوبولا و«لغط كبير حول لا شيء» لكينيث براناه. هل كنت تبحث عن دور مختلف آنذاك؟
- لا أعتقد أنني كنت أبحث عن شيء محدد. دوري في «سرعة» كان مهمّاً لدي لكني لم أكن المرشح الأول له. السيناريو دار على عدد كبير من الممثلين قبلي، ميكي رورك وتوم هانكس وجوني دب وسيلفستر ستالون وبروس ويليس وعدد كبير آخر. لكن المخرج (جون دي بونت) رشحني للدور في مواجهة شركة «فوكس» التي أرادت نجماً أكبر.
> في حديث سابق بيننا قبل عدة سنوات، ذكرت لي أنك بدورك رفضت الدور بادئ الأمر؟
- لم أرفض الدور مطلقاً. عملياً كانت عندي ملاحظات أساسية على السيناريو. بدا لي شبيهاً بسيناريو فيلم «داي هارد». دي بونت جلب كاتباً آخر أعاد الكتابة، وهي التي شكلت الفيلم الفعلي.
> ما هي الشخصية التي تحبها أكثر من سواها من بين الشخصيات العديدة التي مثلتها؟
- ألتقي مع شخصيات عديدة في مراحل مختلفة. لو سألتني هذا السؤال قبل عشرين سنة كنت سأجيب بشكل مختلف. اليوم هو مختلف وغداً قد يختلف. هذا لأنني أضع في الشخصية جهداً كبيراً ثم أنتظر النتيجة حين أشاهد نفسي على الشاشة. حتى عندما تعجبني أريد لشخصيتي التالية أن تضاهيها.
> في فيلم «جون وِك - 3» تجد نفسك مطارداً من قبل جيش من الذين يريدون قتلك للفوز بالجائزة المالية الكبيرة. والمعارك تدور والقتلى يتزايدون… هل أحصيت كم شخصاً قتلت؟
- (يضحك)، لا لكني أستطيع أن أحصي كم شخصاً بقي على قيد الحياة.
> جزء من الفيلم تم تصويره في المغرب. لماذا؟
- عندما بدأنا البحث عن قصة للجزء الثالث تداولنا الكثير من الأفكار، قبل أن نختار هذه الفكرة التي تشاهدها اليوم. أحداث هذا المسلسل قد تأخذك في أي اتجاه، وكانت عندي دائماً صورة خيالية لي، وأنا أمشي في الصحراء ببدلة كاملة. اقترحتها وتم ضمها للفيلم، خصوصاً أننا كنا نبحث عن تدويل مناسب للحبكة.
> أعتقد أنها كانت المرّة الأولى التي نشاهدك فيها في الصحراء.
- فعلاً. لم أزر الصحراء في حياتي.
-- خلطة فنون
> أي نوع من فنون القتال النوع الذي نراك تمارسه في هذا الفيلم؟
- لا أمارس نوعاً محدداً. ليست لدي خلفية في هذا النوع من الفنون. ما أقوم به هو ما يسمى بـ«قتال أفلام» وهو مزيج من القتال اليدوي الذي لا ينتمي لمدرسة واحدة، بل تحتمه تصاميم المشاهد. المدربون جعلوا جون وِك يمارس أنواعاً مختلفة بسبب تمارينه مع المدربين، وليس بسبب دراسته لنوع محدد.
> في «سرعة» قمت بنحو 90 في المائة من مشاهد الخطر. هل ما زلت تقوم بذلك؟
- نعم. ليس بالنسبة ذاتها لكن بنسبة كبيرة.
> بعض المشاهد، خصوصاً تلك التي مثلتها أمام مارك دكاسكوس، المجرم الرئيسي في الفيلم، كانت رائعة التنفيذ. وهذه أول مرّة أشاهد فيها هذا الممثل في دور رئيسي من هذا النوع. كيف تم تصميم المعركة بينكما؟
- أي تصميم أو خطة لتصوير مشهد من هذا النوع لا ينجح إلا إذا كان الممثل يتمتع باللياقة البدنية وبالتوقيت الصحيح والاستعداد النفسي. حتى ينجح المشهد لا يجب أن يكون الممثل الرئيسي هو الذي يتمتع فقط بهذه المزايا، بل كذلك الممثل المناوئ. مارك رائع كفنان وأعجبني حماسه إذ تقدم وطرح الكثير من الأفكار حول شخصيته. كان ممثلاً رائعاً. يد يمنى رائعة. ودائماً ما هو رائع من يساعدك على الظهور جيداً.
> تقصد بقدر ما عدوّك ماهر بقدر ما تبدو أنت قوياً ومتمكناً؟
- بالطبع.


مقالات ذات صلة

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».