تعتبر السمنة واحدة من أكثر مشكلات الصحة العالمية انتشاراً في الوقت الحاضر، ولكن لا يلتفت كثيرون إليها، لأن الحديث عن «سوء التغذية» غالباً ما ينحصر في قضايا الجوع، وضعف القدرة على توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية.
وفيما تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى معاناة 462 مليون إنسان بالغ حول العالم من نقص الوزن، فإن عدد من يواجهون مشكلات زيادة الوزن والسمنة بين البالغين كان 1.9 مليار شخص.
ويضع تقرير «التغذية العالمي 2018»، الصادر عن منظمة «مبادرات التنمية»، زيادة الوزن والسمنة لدى البالغين والأطفال بين مؤشرات التغذية الأساسية التي لا تتفق مع التوجهات العالمية السليمة، وذلك إلى جانب نقص نمو الأطفال وهزالهم، وارتفاع الضغط الشرياني لدى البالغين، وفقر الدم الحاد، وزيادة استهلاك ملح الطعام.
- السمنة إلى ازدياد عالمياً
تُعرّف زيادة الوزن بأنها تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون قد يُلحق ضرراً بصحة الإنسان. وهي حالة معقدة، لها أبعاد اجتماعية ونفسية خطيرة، تؤثر على جميع الفئات العمرية والاجتماعية والاقتصادية تقريباً، وتهدد بإرهاق البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.
ومن الشائع استخدام مؤشر كتلة الجسم لتصنيف الوزن الزائد والسمنة لدى البالغين، ويجري تحديده بقسمة وزن الشخص بالكيلوغرام على مربع طوله بالمتر، فإذا تجاوز ناتج القسمة 30 كان الشخص يعاني من السمنة، وإذا تراوح الناتج ما بين 25 و30، فإن الشخص ذو وزن زائد. أما ما يتعلق بالأطفال، فإن زيادة الوزن ترتبط أيضاً بالعمر، حيث توجد قيم وسطية مرجعية تحددها منظمة الصحة العالمية.
وتنتج زيادة الوزن والسمنة عن اختلال التوازن بين زيادة استهلاك الأطعمة الغنية بالطاقة، من دون زيادة مقابلة في النشاط البدني. كما أن انخفاض مستوى النشاط البدني مع الحفاظ على معدل تغذية مستقر يؤدي إلى خلل في حرق الطاقة، ويتسبب بزيادة الوزن.
ويشهد العالم سنة بعد سنة ارتفاعاً لافتاً في معدلات الوزن الزائد، إذ تضاعف انتشار السمنة 3 مرات تقريباً بين عامي 1975 و2016، وأصبح 39 في المائة ممن تزيد أعمارهم عن 18 سنة يعانون زيادة في الوزن، ونحو ثلثهم
يعانون من السمنة، بينما يعاني 340 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 و19 سنة من زيادة الوزن أو السمنة.
وفي جميع أنحاء العالم، تؤدي زيادة الوزن والسمنة إلى ارتفاع عدد الوفيات أكثر مما يتسبب به نقص الوزن، فمؤشر كتلة الجسم المرتفع عامل خطر رئيسي للأمراض غير السارية، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري والاضطرابات العضلية الهيكلية وبعض أنواع السرطان. وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن ارتفاع الوزن فوق المعدل مسؤول عن 2.8 مليون وفاة حول العالم سنوياً.
وتؤدي السمنة لدى الأطفال إلى زيادة احتمالات الوفاة المبكرة والإعاقة في مرحلة البلوغ. وإلى جانب زيادة المخاطر المستقبلية، يعاني الأطفال المصابون بالسمنة من صعوبات في التنفس، وزيادة خطر الإصابة بالكسور، وارتفاع ضغط الدم والعلامات المبكرة لأمراض القلب والأوعية الدموية ومقاومة الأنسولين والآثار النفسية.
وبينما تكافح البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل للتعامل مع مشكلات الأمراض المعدية ونقص التغذية، فإنها تعاني أيضاً من ارتفاع سريع في عوامل خطر الإصابة بالأمراض غير السارية، مثل السمنة وزيادة الوزن، خصوصاً في المناطق الحضرية. ومن الشائع أن نجد مشكلات نقص التغذية والسمنة مترافقة معاً في البلد الواحد، وضمن المجتمع عينه، بل وداخل الأسرة ذاتها.
ومن المعروف أن الأطفال في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أكثر عرضة لنقص التغذية في مراحل ما قبل الولادة والرضاعة والفطام. وفي الوقت نفسه، يتعرض هؤلاء الأطفال لأطعمة غنية بالدهون وعالية السكر وعالية الملح وكثيفة بالطاقة والمغذيات الدقيقة المنخفضة التكلفة وذات الجودة الغذائية المنخفضة. وتؤدي هذه الأنماط الغذائية، جنباً إلى جنب مع انخفاض مستويات النشاط البدني، إلى زيادة حادة في سمنة الأطفال، في حين تبقى مشكلات نقص التغذية من دون حل.
- معدلات قياسية في العالم العربي
وتسجّل زيادة الوزن في العالم العربي معدلات مرتفعة للغاية، مقارنة بالنسب العالمية، لا سيما في الدول الخليجية، كما تشهد المنطقة زيادة مرتفعة في هذه المعدلات على مر الزمن تفوق الاتجاه العالمي. ووفقاً لتقديرات سوء التغذية بين الأطفال ما دون الخامسة، الصادرة في مارس (آذار) 2019 عن منظمة الصحة العالمية و«اليونيسيف» والبنك الدولي، نجد أن نسبة زيادة الوزن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت من 7.9 في المائة في سنة 1990 إلى 11.2 في المائة (5.4 مليون طفل) في سنة 2018، أي بمعدل نمو تجاوز 40 في المائة، في حين كانت النسب العالمية المقابلة هي 4.8 و5.9 على التوالي، بمعدل نمو يقترب من 23 في المائة. ولا يتفوق على المنطقة العربية في معدلات انتشار زيادة الوزن بين الأطفال ما دون الخامسة سوى دول أفريقيا الجنوبية، حيث بلغت نسبة زيادة الوزن في سنة 2018 نحو 13 في المائة.
واللافت أن زيادة الوزن بين الأطفال ما دون الخامسة في العالم العربي هي الظاهرة الأكثر بروزاً بين حالات سوء التغذية الأخرى، إذا ما جرت المقارنة مع النسب العالمية. وفي سنة 2018، كانت نسبة الأطفال العرب الذين يواجهون ضعفاً في النمو 14.7 في المائة (7.1 مليون طفل)، وهي تقل عن المعدل العالمي الذي يبلغ 21.9 في المائة. كما كانت نسبة الأطفال العرب الذين يعانون من الهزال المتوسط والشديد 7.7 في المائة (3.7 مليون طفل)، وهي تزيد قليلاً عن المعدل العالمي الذي يصل إلى 7.3 في المائة.
ولا يقتصر الأمر على الأطفال، إذ إن زيادة الوزن بين من تجاوز الثامنة عشر في العالم العربي تعد أيضاً لافتة. ومقارنة بالمعدل العالمي الذي يبلغ 39 في المائة في سنة 2016، نجد أن انتشار زيادة الوزن في الدول العربية، باستثناء جيبوتي وموريتانيا والسودان وجزر القمر والصومال، يتجاوز هذا المعدل ليقفز فوق 70 في المائة في الكويت وقطر، وفوق 60 في المائة في السعودية ولبنان والأردن والإمارات وليبيا والبحرين وتونس ومصر والجزائر.
أما تاريخياً، فإن البلاد العربية التي شهدت أكبر زيادة في معدلات السمنة وزيادة الوزن خلال السنوات بين 1975 و2016 هي التي تسجل حالياً أقل المعدلات، مثل موريتانيا والسودان وجزر القمر والصومال، حيث تضاعفت نسب السمنة وزيادة الوزن ما بين 2.6 و3.8 أضعاف.
وفيما يتساوى الرجال والنساء عالمياً في المعدل الوسطي لانتشار السمنة وزيادة الوزن، نجد أن النساء في العالم العربي يعانين أكثر من هذه المشكلة، خصوصاً بين مواطني الدول الأقل دخلاً، مثل جيبوتي ومصر والصومال والسودان وجزر القمر، في حين نجد أن الفوارق أقل بين مواطني الدول الأعلى دخلاً، مثل لبنان والدول الخليجية. وهذا الاتجاه في الدول العربية ينسجم مع الاتجاه العالمي، حيث يبدو أن النساء يحظين بفرصة أكبر للاهتمام بوزنهن، مقارنة بالرجال في الدول ذات الدخل المرتفع، وينعكس الوضع كلما انخفض معدل الدخل.
- كيف يمكن تخفيض الوزن؟
تعد البيئات والمجتمعات الداعمة أمراً أساسياً في تشكيل اختيارات الأشخاص، ويمكن تقليل زيادة الوزن والسمنة من خلال الاعتماد على الأغذية الصحية، وتحسين النشاط البدني المنتظم. على المستوى الفردي، يجب الحد من استهلاك الأغذية ذات السعرات الحرارية المرتفعة، كالدهون والسكريات، وزيادة استهلاك الفواكه والخضراوات والبقوليات والحبوب الكاملة والمكسرات، وممارسة النشاط البدني بانتظام (60 دقيقة في اليوم للأطفال، و150 دقيقة موزعة على مدار الأسبوع للبالغين).
أما على المستوى المجتمعي، فمن المهم دعم الأفراد في اتباع هذه التوصيات، عبر سياسات تجعل النشاط البدني المنتظم والخيارات الغذائية الصحية متاحة بسهولة وبأسعار معقولة، ولا سيما للأفراد الأكثر فقراً. ويمكن أيضاً فرض ضريبة على المشروبات المحلاة بالسكر، كما يمكن أن تلعب صناعة الأغذية دوراً في تعزيز النظم الغذائية الصحية، عن طريق تقليل نسب الدهون والسكر والملح في الأطعمة المصنّعة، مع توفير خيارات صحية ومغذية، وبأسعار مقبولة لجميع المستهلكين.
لا تزال الدول العربية تواجه مشكلة زيادة الوزن والسمنة بخطى خجولة لا تتجاوز في كثير من الأحيان التشجيع على التنقل مشياً أو باستخدام الدراجات، وتنظيم مسابقات الجري في أيام محددة سنوياً للتوعية بأهمية النشاط البدني. ولا تضع الدول العربية قيوداً مؤثرة على تسويق الأغذية والمشروبات للأطفال واليافعين، وإن كانت بعض الشركات العالمية العاملة في دول الخليج قد تعهدت طوعياً بعدم تسويق منتجاتها للأطفال دون الثانية عشرة، في حال عدم استيفاء هذه المنتجات لشروط غذائية محددة.
كما أن قلة من الدول العربية تضع ضوابط لتسويق المواد الغذائية التكميلية للأطفال الذين يقل عمرهم عن 3 سنوات. وفي حال كانت هذه الضوابط موجودة، فإن متابعة تطبيقها لا تلقى الاهتمام المطلوب. ومن الخطوات الإيجابية في هذا المجال التشريعات الصادرة في لبنان والكويت لحظر ترويج المنتجات التكميلية الموجهة للرضع، بما فيها أساليب الدعاية والإعلان عند نقاط البيع وعلى العبوات وخلال الفعاليات العامة.