«عدم اليقين» يضغط النمو البريطاني... والتصنيف الائتماني مهدد

مخاوف من ضربة كبرى لتجارة التجزئة

متسوقون في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
متسوقون في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
TT

«عدم اليقين» يضغط النمو البريطاني... والتصنيف الائتماني مهدد

متسوقون في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)
متسوقون في العاصمة البريطانية لندن (رويترز)

كشف مسح أن اقتصاد بريطانيا انكمش على ما يبدو في الربع الثاني من العام، بعدما سجل قطاع الخدمات نمواً لا يذكر في يونيو (حزيران) الماضي، نتيجة عدم اليقين على خلفية المخاوف بشأن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي والاقتصاد العالمي.
وانخفض مؤشر «آي إتش إس ماركت/ سي آي بي إس لمديري المشتريات» في قطاع الخدمات، المنشور الأربعاء، إلى 50.2 نقطة، من 51.0 نقطة في مايو (أيار)، ليقل عن متوسط توقعات الاقتصاديين في استطلاع «رويترز»، والذي كان ثابتاً عند 51.0 نقطة.
وقالت «آي إتش إس ماركت/ سي آي بي إس» إن مسوحاً مماثلة أجريت في قطاعي الصناعات التحويلية والبناء، ونُشرت الأسبوع الحالي، كشفت أن هذه القطاعات سجلت انكماشاً في يونيو الماضي، مما يعني أن اقتصاد بريطانيا كله انكمش على الأرجح بنسبة 0.1 في المائة في الربع الثاني.
وقال بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) إن الاقتصاد البريطاني قد يكون انكمش في الربع الثاني بعد نمو قوي في الربع الأول، عندما كانت الشركات تتأهب للاستعداد للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في موعده الأصلي 29 مارس (آذار).
والموعد النهائي الجديد للانفصال عن الاتحاد هو 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويساور القلق كثيراً من الشركات بسبب احتمال الخروج من الاتحاد دون اتفاق، وهو ما قال اثنان من المرشحين لخلافة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، إنهما مستعدان له إذا اقتضى الأمر.
وأول من أمس، حذرت وكالة «موديز» من الأثر الاقتصادي لسيناريو «بريكست» من دون صفقة، معتبرة أن المملكة المتحدة قد تدخل مرحلة ركود اقتصادي. وقالت وكالة التصنيف الائتماني في التحليل السنوي للمملكة المتحدة، يوم الثلاثاء، إن تصنيف المملكة المتحدة «إيه إيه 2» قد يكون تحت الضغوط الهبوطية في حال كان الأثر الاقتصادي لـ«بريكست» أكثر حدة من المتوقع حالياً، مثل سيناريو عملية الخروج من دون صفقة. وكانت «موديز» قد قالت في وقت سابق، إن المملكة المتحدة قد تخاطر بالدخول في ركود اقتصادي مع «بريكست» من دون اتفاق. وأوضحت أن مثل هذه النتيجة ستكون مضرة للغاية لترتيبات التجارة الحالية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما سيكون لها تأثير سلبي مادي على اقتصاد المملكة المتحدة، وعلى اقتصادات بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وبحسب «موديز»، فإن «بريكست» من دون صفقة، بات السيناريو الأكثر ترجيحاً بسبب ضعف أداء حزب المحافظين في الانتخابات الأوروبية، إضافة لاستقالة تيريزا ماي. وذكرت الوكالة أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف الجنيه الإسترليني، وإثارة التضخم، والضغط على الأجور الحقيقية خلال العامين إلى الثلاثة أعوام التالية لـ«بريكست» ما يضغط على إنفاق المستهلكين.
وأشارت «موديز» إلى أن نتيجة «بريكست» من دون صفقة قد تضع قيوداً إضافية على قوة المؤسسات البريطانية. وفي الوقت نفسه، حذرت الوكالة من الموقف المالي للمملكة المتحدة، في حالة الخروج باتفاق أو من دون صفقة، مشيرة إلى أن الحكومة تواجه ضغوطاً كبيرة للغاية. وأضافت أن السياسة المالية التوسعية الأخيرة قد تركت المملكة المتحدة مع مساحة صغيرة، في حال سيناريو مغادرة بريطانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وفي سياق ذي صلة، أظهر تقرير صادر عن مؤسسة «اتحاد المتاجر البريطاني»، الأربعاء، تراجع أسعار البيع في المتاجر خلال يونيو الماضي، لأول مرة منذ أكتوبر 2018.
وبحسب التقرير الشهري الصادر عن الاتحاد، فقد تراجعت الأسعار خلال الشهر الماضي بنسبة 0.1 في المائة سنوياً، بعد ارتفاعها بنسبة 0.8 في المائة خلال مايو الماضي. وجاء هذا التراجع على خلفية انخفاض أسعار السلع غير الغذائية بنسبة 1.2 في المائة، في حين زادت أسعار السلع الغذائية بنسبة 1.8 في المائة.
وقالت هيلين ديكسون، الرئيسة التنفيذية للاتحاد، إن «خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق سيقلص قدرات المتاجر على احتواء الزيادة في الأسعار، مع احتمال ارتفاع تكاليف ممارسة الأعمال في بريطانيا، نتيجة التأخير وعمليات التفتيش للشحنات العابرة للحدود بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي».
وأضافت أن «الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو يوم 31 أكتوبر المقبل، يأتي أيضاً في أسوأ وقت ممكن بالنسبة لتجارة التجزئة؛ حيث تكون الاستعدادات لموسم تسوق رأس السنة والجمعة البيضاء في ذروتها... وهو ما يهدد بحدوث اضطراب للمستهلكين والشركات، ويجعل تكوين مخزون أكبر من السلع مسألة شبه مستحيلة».



أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

كانت التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو مصدر قلق لبعض الوقت، ولكن منذ فوز ترمب بالرئاسة ساء الوضع بشكل كبير، مع ازدياد المخاوف بشأن الآثار السلبية المحتملة لسياساته الاقتصادية في الأمد القريب.

ومع ازدياد الغموض حول سياساته المقبلة في مجالات التجارة وتغير المناخ، يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ النمو في أوروبا. فاندلاع حرب تجارية محتملة بين الولايات المتحدة وأوروبا قد يوجِّه ضربة قوية إلى قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والأدوية والآلات، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

إضافةً إلى ذلك، فإن الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري في ظل الشكوك حول الضمانات الأميركية لأمن أوروبا ستزيد الضغط على الموازنات الوطنية وتفاقم العجز المالي.

كما أن موقف الرئيس المنتخب الأكثر تصادمية تجاه الصين قد يضع أوروبا أمام خيار صعب بين الانحياز لأحد الجانبين ومواجهة عواقب اقتصادية.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك «آي إن جي» الهولندي، كارستن بريزسكي: «أسوأ كابوس اقتصادي لأوروبا أصبح حقيقة»، محذراً من أن هذه التطورات قد تدفع منطقة اليورو نحو «ركود كامل» العام المقبل.

وتتعاظم الضغوط على ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، في ظل التوترات السياسية الداخلية، مما يجعل من هذه الضربة الاقتصادية تحدياً كبيراً في توقيت غير مناسب.

أعلام ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي أمام مقر المستشارية في برلين (رويترز)

ألمانيا تحت ضغط مزدوج

وفي اليوم الذي أُعلن فيه فوز ترمب، أقدم المستشار الألماني أولاف شولتس، على حل حكومته الائتلافية، بسبب خلافات حادة حول أولويات الإنفاق والعجز. في وقت تواجه ألمانيا، التي تعاني بالفعل من ركود للسنة الثانية على التوالي، تحديات اقتصادية متفاقمة مع إدارة ترمب المقبلة. فقد تأثر اقتصادها بشدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى توقف تدفق الغاز الروسي الرخيص، وهو عنصر أساسي في نجاح الصناعة الألمانية.

واجهت ألمانيا ضغوطاً على جبهتين. فقد أعلنت شركة «فولكسفاغن»، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا وأكبر جهة توظيف في ألمانيا، أنها قد تضطر إلى إغلاق بعض مصانعها وتسريح العمال. كما أن المنافسة المتزايدة من السيارات الكهربائية الصينية بدأت تؤثر في مبيعات القطاع في أوروبا والخارج.

ويشعر الزعماء الأوروبيون بضغط الاختيار بين التعامل مع الصين ومواجهتها. ففي الشهر الماضي، صوّتت الحكومة الألمانية ضد خطة الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات جمركية تصل إلى 45 في المائة على السيارات الكهربائية الصينية، بينما امتنعت دول أخرى، مثل إسبانيا، عن التصويت. ورغم ذلك، تم تمرير الخطة.

وستعقّد التعريفات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة وأوروبا، الوضع، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر سوق لصادرات السيارات الألمانية، التي شكلت نحو 13 في المائة من إجمالي 3.1 مليون سيارة صدَّرتها ألمانيا في عام 2023.

وقد يُعد تصريح ترمب خلال حملته الانتخابية عن فرض «ثمن باهظ» على الاتحاد الأوروبي لعدم شراء ما يكفي من الواردات الأميركية، إلى جانب تهديده بفرض تعريفات جمركية شاملة تتراوح بين 10 و20 في المائة، نقطة انطلاق محورية للمفاوضات المستقبلية. ومع ذلك، حتى المحللون الذين يتوقعون أن يتبنى ترمب خطوات أكثر تحفظاً، يشيرون إلى أن فرض الرسوم الجمركية المستهدفة على صناعة السيارات يعد أمراً محتملاً بشكل كبير.

وقالت رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، هيلدغارد مولر، إن «الكثير من الأوروبيين لم يدركوا تماماً ما يعنيه الجمع بين الجيوسياسة والسياسة الاقتصادية».

سيارات مخصصة للتصدير تقف بمحطة بميناء «يانتاي» في مقاطعة شاندونغ بالصين (رويترز)

التعريفات الجمركية تطول قطاعات أخرى

ستمتد التعريفات الأميركية لتشمل قطاعات أخرى مثل شركة «نوفو نورديسك» الدنماركية التي تصنع دواء «أوزيمبيك»، إلى جانب مجالات الأغذية، والجبن، واللؤلؤ، والمواد الكيميائية، والمفاعلات النووية، والزجاج، والأحذية، وغيرها في 24 دولة.

وحذرت نائبة مدير «بزنس يوروب»، لويسا سانتوس، من أن التعريفات ستؤدي إلى زيادة التكاليف وإعاقة الاستثمار.

وقالت: «ما زلنا نأمل في مراجعة هذه التعريفات بسبب أهمية العلاقات الاقتصادية بيننا وبين الولايات المتحدة».

وفي عام 2022، بلغت قيمة الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الولايات المتحدة نحو 2.4 تريليون دولار، مما أسهم في خلق أكثر من 3.4 مليون وظيفة أميركية.

حالياً، يبلغ متوسط التعريفات الجمركية الأميركية على واردات الاتحاد الأوروبي نحو 3 إلى 4 في المائة.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تدفع الرسوم الجمركية الأميركية الأعلى على الصين، وهي أحد وعود ترمب التجارية، الشركات الصينية إلى توسيع أسواقها خارج الولايات المتحدة، مما يزيد المنافسة مع المنتجين الأوروبيين في أسواقهم المحلية والدولية.

وقد يلجأ بعض الشركات الأوروبية إلى إنشاء أو توسيع منشآت الإنتاج في الولايات المتحدة، ولكن أي منشأة تعتمد على المواد المستوردة من الصين ستواجه ارتفاعاً في التكاليف.

قطاع الطاقة المتجددة في خطر

قالت «فيستاس»، وهي شركة دنماركية وتعد أكبر شركة لصناعة توربينات الرياح في العالم، إنها بدأت بالفعل في زيادة إنتاجها في مصنعين لها في الولايات المتحدة في ولاية كولورادو. وجاء أكثر من 40 في المائة من طلباتها من الأميركيتين في الأشهر الثلاثة التي انتهت في سبتمبر (أيلول).

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، هنريك أندرسن، في مكالمة مع محللي الصناعة الأسبوع الماضي: «لقد أصبح العالم مختلفاً من حيث التعريفات الجمركية». وأضاف أن «فيستاس» اضطرت بالفعل إلى التعامل مع التعريفات التي فُرضت خلال إدارة ترمب الأولى وإدارة بايدن، وقال: «لهذا السبب تحاول استبعاد مزيد ومزيد من الأحجام ومزيد من المكونات ذات الأصل الصيني عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة».

التعريفات الجمركية ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها صناعة الرياح. فخلال حملته الانتخابية، تعهد ترمب بوقف مشاريع الرياح البحرية في «اليوم الأول».

وتعمل شركة «أورستد» الدنماركية -واحدة من كبرى الشركات العالمية في مجال الطاقة الريحية- على بناء مشروعي «ثورة الرياح» في نيو إنغلاند و«صن رايز ويند» في نيويورك.

وعبر الرئيس التنفيذي لشركة «أورستد»، مادس نيبر، عن أمله في أن تسهم الحاجة إلى كميات هائلة من الكهرباء النظيفة لدعم مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على هذه المشاريع.

وأضاف: «إنها صناعة تُبنى من الصفر، وهي مدعومة بقوة من ولايات الشمال الشرقي، حيث البدائل لتوريد الطاقة، خصوصاً الطاقة الخضراء، صعبة».

كما قال ترمب إنه يريد وقف بعض مشاريع الطاقة الخضراء التي استفادت من حزمة السياسات الصناعية متعددة المليارات التي أقرها الكونغرس في عام 2022.

عرض عام لمزرعة الرياح البحرية «والني إكستينشن» التي تديرها شركة «أورستد» قبالة سواحل بلاكبول في بريطانيا (رويترز)

المستقبل الاقتصادي لأوروبا

كانت الحاجة إلى استجابة منسقة محور اجتماع الاتحاد الأوروبي في بودابست الأسبوع الماضي.

وقال رئيس وزراء إيطاليا السابق، ماريو دراغي، الذي قدم تقريراً حول تنافسية أوروبا، إن «الشعور بالإلحاح أصبح أكبر من ذي قبل».

ودعا دراغي إلى زيادة الاستثمارات العامة السنوية بمقدار 900 مليار دولار لتمكين أوروبا من عكس ركودها الاقتصادي والتنافس بشكل أفضل مع الولايات المتحدة والصين.

والأهم الآن، كما قال، هو تكثيف الجهود لربط اقتصادات الاتحاد الأوروبي بسوق رأس مال موحد، وإصدار ديون مشتركة، وهي مقترحات أثارت خلافات.

وقالت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، في الاجتماع: «لا تسألوا ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة من أجلكم؟ بل اسألوا ما الذي يجب أن تفعله أوروبا من أجل نفسها؟». وأضافت: «يجب على أوروبا إيجاد توازن. نحن نعرف ما يجب علينا فعله».

وفي نهاية الاجتماع، تبنى القادة إعلاناً يَعِدون فيه بتكثيف تنافسية أوروبا.

لكن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على تحويل هذه التصريحات إلى واقع، يبقى سؤالاً بلا إجابة نظراً إلى التفكك السياسي المتزايد داخل أوروبا وصعود الأحزاب اليمينية التي تشكك في منح بروكسل مزيداً من السلطة.