ألغام في طريق الفترة الانتقالية بالسودان

معركة بناء الدولة تبدأ باستعادة روح الشراكة وتحقيق السلام ومواجهة الثورة المضادة

TT

ألغام في طريق الفترة الانتقالية بالسودان

رغم مشقة وصعوبة فترة المظاهرات والاحتجاجات في السودان، من ديسمبر (كانون الأول) 2018 حتى أبريل (نيسان) 2019، التي انتهت بانتصار الثورة، بانحياز الجيش لها وتسلمه السلطة، فإن المرحلة التالية لها كانت أكثر كلفة دموية.
اليوم، تُطوى المرحلة الأولى من عملية الانتقال من الثورة إلى الدولة، بعد إعلان الوساطة الأفريقية - الإثيوبية المشتركة اتفاق المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير على تأسيس هياكل السلطة للمرحلة الانتقالية.
الاتفاق نص على انفراد المدنيين بالسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء)، مع شراكة بالتساوي بين العسكريين والمدنيين في سلطتي السيادة والتشريع. المستوى السيادي يتقاسمه الطرفان بخمسة مقاعد لكل منهما، مع اشتراكهما في ملء المقعد رقم 11 بشخصية عسكرية متقاعدة، أو بالأحرى شخص مدني ذو خلفية عسكرية.
أما الجانب التشريعي، فقد تأجل النظر فيه لثلاثة أشهر، يتولى خلالها المجلسان السيادي والوزاري معاً مهام التشريع، وهو وضع شبيه بتجربة الحكم الانتقالي بعد انتفاضة أبريل 1985، التي تولى التشريع فيها المجلس العسكري ومجلس الوزراء معاً.
ورغم أن الاتفاق بث تفاؤلاً كبيراً عبرت عنه الجماهير السودانية بالخروج الاحتفالي إلى الشوارع، فإن حيثيات تنفيذه لا تزال تمثل التحدي الأكبر، وستبدأ المعارك من أجل ذلك منذ اليوم الأول في مشوار اختيار وتسمية شاغلي المناصب الدستورية من الطرفين.
التحدي الأول سيكون داخل قوى إعلان الحرية والتغيير، التحالف العريض الذي يضم قرابة مائة من المكونات السياسية والحركات والمنظمات المجتمعية، والذي تأسس على فكرة «إسقاط» نظام، وليس «إقامة» نظام، رغم توفر بعض الأدبيات التي اتفقت عليها مكونات التحالف في فترة سابقة، مثل «البديل الديمقراطي» لدى مجموعة تحالف قوى الإجماع الوطني، أحد أهم عناصر قوى الحرية والتعيير.
ويزيد من هشاشة «قوى الحرية والتغيير» في مرحلة «بناء الدولة» أن التحالف لا يجمعه خط فكري ولا برامجي إلا في الحد الأدنى الذي لا يبلغ مستوى الوقاية من الهزات، مهما كانت خفيفة.
ومن المتوقع أن تجابه بعض الأسماء المطروحة لرئاسة الوزارة بـ«فيتو» من بعض مكونات قوى الحرية، ورغم أن الاسم الأكثر بروزاً وراء الكواليس هو الدكتور عبد الله حمدوك لرئاسة الوزراء، فإن بعض أحزاب مجموعة «نداء السودان» يرفع البطاقة الحمراء في وجهه.
ومهما كانت معركة اختيار رئيس الوزراء ثم بقية التشكيل الوزاري شائكة، فإن عبورها سيكون مسألة وقت لا أكثر، بلا مخاطر حقيقية، كونها معركة «داخلية» بين المكون المدني في السلطة، ليس للمجلس العسكري صلة بها.
التحدي الثاني هو استمرار الشراكة مع العسكريين، فخلافاً لما كان عليه الحال في تجربة الفترة الانتقالية في عهد المشير سوار الذهب عام 1985، التي اتسمت بقدر كبير من التفاهم بين العسكريين والمدنيين، مع غياب حالة الشحن الزائد ضد العسكريين، فإن الوضع الراهن، مع ظلال مجزرة فض الاعتصام في 3 يونيو (حزيران) 2019، يحمل قدراً كبيراً من الحساسية المتبادلة، يزيد من خطورتها أن الشارع معبأ لدرجة الانفجار ضد المجلس العسكري، وستكون مهمة شاقة أمام قوى الحرية والتغيير أن تستعيد روح الشراكة العادية المطلوبة لإكمال الفترة الانتقالية بسلام.
التحدي الثالث هو الحركات المسلحة العائدة تواً من نحو 17 عاماً من الاحتراب العسكري في إقليم دارفور، ونحو 14 عاماً في إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق؛ حرب أهلية علاوة على ما حصدته من أرواح وشردت وأحرقت، فإنها خلّفت دماراً اجتماعياً واسعاً قد يحتاج إلى سنوات لإعادة البناء.
الحركات المسلحة اختارت أن تفاوض المجلس العسكري منفردة، رغم كونها جزءاً من مكونات تحالف قوى الحرية والتغيير (تشارك في مجموعة نداء السودان)، وجرت لقاءات ثنائية، آخرها في إنجمينا عاصمة دولة تشاد، بين الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، برعاية الرئيس التشادي إدريس دبي.
وتطالب الحركات المسلحة بنصيب الثُلث في مقاعد الفترة الانتقالية، وهو رقم كبير يعده الكثيرون موقفاً تفاوضياً صارخاً قد يطيل عمر الفترة المقترحة لإنجاز السلام المحددة بستة أشهر من بدء الفترة الانتقالية.
ويبقى السؤال الأكبر: إلى أي مدى تستطيع الفترة الانتقالية إنجاز مهامها خلال سنواتها الثلاث المتفق عليها في ظل كل هذه التحديات؟
الإجابة ستستدرج الحديث حول ما يسمى «القوى المضادة»، وهي بالتحديد فلول النظام السابق من حزب المؤتمر الوطني وحليفته الحركة الإسلامية.
ولا يشك أحد أن مفاصل الحكومة لا تزال تدار بعناصر إما موالية أو مختارة بواسطة النظام السابق، لكنها في غالبها لا تشكل خطورة على الوضع الجديد إلا من كونها لم تحظ بالجدارة والأهلية لشغل المناصب، إذ إن العصيان المدني سابق لم يثبت مقاومة واضحة من داخل أجهزة الحكومة. وتظل الخطورة الحقيقية من المكونات ذات الصبغة العسكرية، بالتحديد عناصر ما يسمى «الأمن الشعبي»، التي يقدر عددها بنحو 60 ألفاً، وتنتشر في مختلف القطاعات المدنية، وهي العناصر المتهمة بضلوعها في فض الاعتصام وأعمال العنف الأخرى. ومعروف أن قيادات هذا التنظيم، كلها تقريباً، لا تزال حرة طليقة.
ومع كل هذه التحديات، فإن إعلان حكومة مدنية على الصعيد التنفيذي يمنح قوى الحرية والتغيير وزناً تفاوضياً كبيراً في مرحلة الحوار لتكوين المجلس التشريعي، حينها يصبح الإعلام الرسمي الحكومي من إذاعات وفضائيات، بل وحتى السيطرة على فتح وغلق شبكة الإنترنت، أمر في يد الحكومة المدنية، مما يتيح لها مزيداً من القدرة على قيادة الشارع الجماهيري الذي لا يزال يمثل الورقة الأكثر قوة في المشهد السياسي.
وقد برهن الشارع على قوته عندما خرج في «مليونية» 30 يونيو 2019، بما فاق توقعات منظمي الفاعلية، ويرى كثيرون أنه رجح كفة التفاوض لصالح قوى الحرية والتغيير، مما مهد للاتفاق الحالي.



قاسم يعلن «انتصار» «حزب الله» ويتعهّد صون الوحدة الوطنية وانتخاب رئيس

الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم معلناً «الانتصار الكبير» (رويترز)
الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم معلناً «الانتصار الكبير» (رويترز)
TT

قاسم يعلن «انتصار» «حزب الله» ويتعهّد صون الوحدة الوطنية وانتخاب رئيس

الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم معلناً «الانتصار الكبير» (رويترز)
الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم معلناً «الانتصار الكبير» (رويترز)

قال الأمين العام لـ«حزب الله» إن الحزب حقّق «انتصاراً كبيراً يفوق النصر الذي تحقق عام 2006»، وذلك «لأن العدو لم يتمكن من إنهاء وإضعاف المقاومة».

وجاءت مواقف قاسم في الكلمة الأولى له بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار يوم الأربعاء الماضي. وقال قاسم: «قررت أن أعلن كنتيجة (...) بشكل رسمي وواضح أننا أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في يوليو (تموز) 2006»، في إشارة إلى الحرب الأخيرة بين الجانبين. وأضاف: «انتصرنا لأننا منعنا العدو من تدمير (حزب الله)، انتصرنا لأننا منعناه من إنهاء المقاومة أو إضعافها إلى درجة لا تستطيع معها أن تتحرك، والهزيمة تحيط بالعدو الإسرائيلي من كل جانب» .

وتوجّه قاسم في مستهل كلمته إلى مناصري الحزب، قائلاً: «صبرتم وجاهدتم وانتقلتم من مكان إلى آخر، وأبناؤكم قاتلوا في الوديان، وعملتم كل جهدكم لمواجهة العدو». وأضاف: «كررنا أننا لا نريد الحرب، ولكن نريد مساندة غزة، وجاهزون للحرب إذا فرضها الاحتلال. والمقاومة أثبتت بالحرب أنها جاهزة والخطط التي وضعها السيد حسن نصر الله فعّالة وتأخذ بعين الاعتبار كل التطورات، و(حزب الله) استعاد قوّته ومُبادرته، فشكّل منظومة القيادة والسيطرة مجدداً ووقف صامداً على الجبهة».

 

ولفت إلى أن إسرائيل فشلت في إحداث فتنة داخلية، قائلاً: «الاحتلال راهن على الفتنة الداخلية مع المضيفين، وهذه المراهنة كانت فاشلة بسبب التعاون بين الطوائف والقوى». وعن اتفاق وقف إطلاق النار، قال قاسم: «الاتفاق تمّ تحت سقف السيادة اللبنانية، ووافقنا عليه ورؤوسنا مرفوعة بحقنا في الدفاع، وهو ليس معاهدة، بل هو عبارة عن برنامج إجراءات تنفيذية لها علاقة بالقرار 1701، يؤكد على خروج الجيش الإسرائيلي من كل الأماكن التي احتلها، وينتشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني لكي يتحمل مسؤوليته عن الأمن وعن إخراج العدو من المنطقة».

وأكد أن «التنسيق بين المقاومة والجيش اللبناني سيكون عالي المستوى لتنفيذ التزامات الاتفاق، ونظرتنا للجيش اللبناني أنه جيش وطني قيادة وأفراداً، وسينتشر في وطنه ووطننا».

وتعهّد بصون الوحدة الوطنية واستكمال عقد المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة التي حدّدها رئيس البرلمان نبيه بري، في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، واعداً بإعادة الإعمار بالتعاون مع الدولة، «ولدينا الآليات المناسبة»، قائلاً: «سيكون عملنا الوطني بالتعاون مع كل القوى التي تؤمن أن الوطن لجميع أبنائه، وسنتعاون ونتحاور مع كل القوى التي تريد بناء لبنان الواحد، في إطار اتفاق الطائف، وسنعمل على صون الوحدة الوطنية وتعزيز قدرتنا الدفاعية، وجاهزون لمنع العدو من استضعافنا».