بينما تشهد مبيعات المنتجات الفاخرة تباطؤاً، فإن مبيعات حقائب السفر تشهد انتعاشاً ونمواً ملحوظاً، حسب الدراسات الأخيرة في هذا الشأن. أمر يؤكد حقيقة يرددها العارفون وهي أن السفر أصبح جزءاً لا يتجزأ من الترف، وربما أصبحت له الأولوية على حساب أشياء أخرى.
وقد أوضح تقرير صادر عن مؤسسة «باين أند كومباني» أن معدلات السفر والسياحة في ارتفاع، بفضل الطبقات الوسطى المتنامية في الصين وغيرها.
ووفقاً للتقرير نفسه، فإن السلع الفاخرة، بما فيها قطاع الأمتعة الفاخرة، شهدت هي الأخرى نمواً إيجابياً في عام 2018 لتصل إلى 260 مليار يورو، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر حتى عام 2025.
فالسفر يحتاج إلى إكسسوارات تسهل الحياة وفي الوقت ذاته تعكس أسلوب وشخصية صاحبها، لهذا كان من البديهي أن يستفيد قطاع الأمتعة الفاخرة ويزيد الإنفاق عليه. وبحسب تقديرات مؤسسة «يورومونيتور» المتخصصة في الأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، من المتوقع أن تنمو المبيعات بسوق سلع السفر العالمية بنسبة 16 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة لتبلغ نحو 5 مليارات دولار.
أمر انعكس على صناعة أمتعة السفر التي تشهد نمواً سنوياً متواصلاً بلغ 3.7 في المائة العام الماضي مقارنة بفئات أخرى مثل الحقائب العادية والساعات التي شهدت معدلات نمو بلغت 1.2 و2 في المائة خلال العامين الماضيين. لهذا ليس غريباً أن تظهر علامات جديدة تحاول تلبية متطلبات المسافرين من أسواق جديدة أو من الأجيال الشابة. كما ليس غريباً أن تتوسع بيوت أزياء عالمية في هذا القطاع بشرائها علامات متخصصة تضمها إليها. مجموعة «إل في آم آش» مثلاً اشترت حصة 80 في المائة من شركة «ريموا» (Rimowa) الألمانية لصناعة الحقائب مقابل 640 مليون دولار أميركي رغم أنها تمتلك «لويس فويتون» التي تأسست على صناعة إكسسوارات السفر ولها باع طويل. شركة «سامسونايت» بدورها توسعت بشراء ماركة «تومي» (Tumi) مقابل 1.8 مليار دولار في إطار استراتيجية لتعزيز مكانتها كأكبر صانع لحقائب السفر. كل هذا يسلط الضوء على الاهتمام المتزايد في قطاع جديد لا يضم سوى عدد محدود من اللاعبين، إلا أنه غني بفرص للنمو، حسبما تؤكده أرقام مبيعات الشركات المتخصصة مثل «رادن» (Raden) الأميركية. فقد تخطت قيمة مبيعاتها مليوني دولار أميركي في الأشهر الأربعة الأولى لانطلاقها، رغم أن الشركة لا تنتج سوى حجمين، تقدر أسعارهما بين 295 دولاراً و395 دولاراً. ما ساعد على نجاحها توفرها على شواحن مدمجة ومقياس وزن وأجهزة استشعار تسمح للمستخدم بالتحقق من موقع الحقيبة عبر تطبيق متاح عبر الإنترنت، إضافة إلى أنها خفيفة الوزن، ما يجعلها رائجة لدى قاعدة متنامية من العملاء كثيري السفر والمهتمين بالتكنولوجيا الرقمية.
من هذا المنظور، كان من المنطقي أن تستثمر مجموعة «إل في آم آش» في حقائب «ريموا»، خصوصاً بعد أن أطلقت هذه الأخيرة حقيبة «ذكية» بعلامة إلكترونية مدمجة يمكنها التواصل مع الهاتف الذكي للمستخدم عبر خاصية «بلوتوث»، وهي الخاصية التي ستشترك فيها مع مجموعة حقائب «لويس فويتون» في المستقبل.
لكن في مقابل هذه الشركات المتخصصة في إكسسوارات السفر، دخلت بيوت أزياء كبيرة الميدان من باب الموضة والأناقة، بعد أن عرفت أن السفر، سواء كان للعمل أو للمتعة، يعد جزءاً من نمط الحياة. ولا شك أن منظر المشاهير ونجوم التواصل الاجتماعي وهم يحملون أو يسحبون حقائب من علامات معروفة، فتح شهية المهووسين بهم للاقتداء بهم.
فجأة لم تعد علامات تجارية فاخرة مثل «سامسونايت» و«تومي» و«دلسي» و«روك لاند» و«بيير كاردان» و«أميركان توريستر» وغيرها من الشركات التي ذاع صيتها وحدها على قائمة حقائب السفر الأكثر مبيعاً. فالمشاهير ساعدوا على الترويج لأسماء أخرى من خلال نشر كل التفاصيل عبر «إنستغرام»، ليبدأ السباق بين علامات عريقة ودور الأزياء الكبرى التي تعتمد أساساً على سمعتها في مجال الموضة وعلى علاقاتها بنجوم الفن والشخصيات المؤثرة.
الشركات المتخصصة لم تقف مكتوفة الأيادي، بل رحبت بالمنافسة، مستعملة استراتيجيات ذكية تعتمد على الجانب الوظيفي وعلى التكنولوجيا، وهي نقطة الارتكاز وفقاً لتاريخ هذه العلامات، التي تشمل بعض الاعتبارات الموضوعية، مثل التصميم والضمان والسحابات والعجلات والمقابض وتحسين المساحة الداخلية وتقديم أحجام تلبي احتياجات المسافرين ومتطلبات شركات الطيران. علاوة على ذلك، السعر، يمكن للمرء أن ينفق آلاف الدولارات على قطعة من الأمتعة قد تكون الأفضل في السوق، لكن ميزانية الجميع لن تسمح بذلك الإنفاق على حقيبة سفر.
من جانب آخر، فرضت المنافسة مع دور أزياء كبرى، على هذه الشركات أن تطور من الشكل الخارجي. شركة «أميركان توريستر» مثلاً عززت حقائبها بإضافة بعض التفاصيل الخارجية مثل الألوان والنقوش الجريئة، كذلك تنوعت الأحجام وخصصت جزءاً من الإنتاج لحقائب للأطفال التي تضم شخصيات «ديزني» وغيرها...
أما علامة حديثة مثل «أواي» (Away) التي ارتفعت شعبيتها بين المسافرين منذ إطلاقها في عام 2015، فاختارت أن تبقى على تطوير الجانب الوظيفي لتقدم أمتعة فاخرة تتحمل السفر المتكرر، لذلك قدمت أمتعة البولي كاربونات المميزة للعلامة التجارية في مجموعة من الألوان والأحجام. كذلك قدمت الأمتعة المصممة من الألمونيوم بأسعار قادرة على المنافسة، أما الشكل الخارجي، فيمكن القول إنه حافظ على الانطباع العملي الذي تعتبره نقطة ارتكاز تميز منتجها.
واحدة من العلامات التجارية الأكثر شهرة للأمتعة هي «سامسونايت» التي لا تبتعد عن قائمة الأعلى مبيعاً رغم انطلاقها منذ أكثر من 100 عام، قدمت «سامسونايت» على مدار رحلتها حقائب صلبة ولينة، وحقائب الظهر، وإكسسوارات السفر. ما زالت تقدم حقيبة سفر وظيفية توفر المتانة والأناقة والقيمة، مع تطوير محدود في الشكل الخارجي.
أما العلامة التجارية «تومي» (Tumi) فتركز على 5 اعتبارات موضوعية: الجودة والمتانة والأناقة والابتكار وخدمة العملاء، من خلال مجموعة من الحقائب العصرية مزودة بملحقات ومصممة من الجلد الفاخر، كما تقدم موديلات أخرى مصممة من خامة النايلون الباليستية المقاومة للتآكل.
المسافر المحنك دائماً ما يبحث عن أمتعة وظيفية ومميزة في الوقت نفسه، ربما بقفل فريد من نوعه أو خامة غريبة لكن فاخرة وما شابه من تفاصيل مؤثرة. فوفقاً لأرقام الأكثر مبيعاً، ما زالت الشركات التجارية المتخصصة تتصدر المراكز المتقدمة. لكن هذا لم يمنع بيوت الأزياء من دخول المنافسة رغبة منها في الاستفادة من معدلات النمو التي تؤكدها المبيعات، أي كنوع من زيادة استثماراتها داخل سوق مضمونة.
في صيف 2016، قدمت دار الأزياء «شانيل» عرض أزيائها في «لوغران باليه» بباريس الذي حولته إلى مطار. حرصت فيه أن تقدم لزبائنها قطعاً تجمع بين تاريخ «شانيل» في عالم الموضة والشكل العصري والوظيفي لأمتعة السفر، لذلك قدمت تشكيلة فاخرة من الأمتعة المزودة بعجلات مع يد وظيفية يتغير طولها، وفي الوقت نفسه ازدانت من الخارج بشعار شانيل الأيقوني وجلودها المترفة. كذلك قدمت الدار الفرنسية حقائب السفر في شكل مجموعة كاملة، تبدأ بحقيبة يد صغيرة الحجم وتنتهي بحقيبة سفر تضم جميع المستلزمات بفضل الجيوب الداخلية التي تلعب دوراً وظيفياً.
أما علاقة دار الأزياء الفرنسية لويس فويتون بأمتعة السفر فتعود إلى عام 1854، وتطورت مع الوقت لتصبح أخف وزناً وأصغر حجماً حتى تناسب السفر بواسطة الطائرات عوض الباخرات وما كانت تتطلبه من صناديق كبيرة.
في يوليو (تموز) 2016، أطلقت الدار مجموعة معاصرة مزودة بعجلات ويد أكثر وظيفية. وهكذا ظلت أمتعة السفر سلعة لصيقة وأساسية تقدمها الدار إلى حد أن منتجاتها أصبحت لصيقة بسفر المشاهير والنجوم، ولم تستطع أي من الشركات الأخرى زحزحتها عن مكانتها هاته.
أما دار الأزياء الإيطالية غوتشي التي تعد أحد الشركاء الأصليين في سوق صناعة الأمتعة، فيعود تاريخها مع السفر إلى ما قبل إطلاق الدار وتحديداً في نهاية القرن 19. كان غوتشيو غوتشي، مؤسس الدار، مهاجراً إيطالياً يعيش بين باريس ولندن، أعجب بالأمتعة الفاخرة التي رآها مع نزلاء الفنادق، لذلك عندما عاد إلى مسقط رأسه في فلورانسا استغل الخامات عالية الجودة سواء من الجلود أو الأنسجة لينتج أمتعة تحمل شعار الدار، مستغلاً مهارة الحرفيين في المدينة. ورغم تطور حقائب «غوتشي» للسفر من الناحية الوظيفية، فإن التفاصيل الكلاسيكية، بداية من اللون البيج وشعار الدار والشرائط المميزة لألوان غوتشي بالأحمر والأخضر، ظلت كما هي لم تتغير.
أما «فندي» فلها مشاركة محدودة في صناعة أمتعة السفر، في حين تجد الدار الاستثمار الذكي في حقائب اليد متوسطة الحجم التي يمكن حملها في السفر. تقدم أيضاً حقائب كبيرة مزودة بتفاصيل وظيفية توفر قدراً من الرفاهية. من أشهر الموديلات التي قدمتها «فندي» حقيبة «Monster Eyes» المُصممة من القماش مع الجلد، مع علامة مزخرفة بالشعار. كما تقدم شكلاً آخر أكثر وظيفية، مصمماً من الألمونيوم مُزداناً بشعار الدار حتى لا تفقد الحقيبة هويتها، لا سيما أن التصميم يعد مسايرة لما تقدمه العلامات التجارية الأقوى في هذه السوق.
لأن الصناعة الإيطالية معروفة بحرفيتها، خصوصاً فيما يخص الملحقات مثل أمتعة السفر، كان من المتوقع أن نرى أكثر من دار أزياء تتنافس على تقديم أمتعة السفر، ومن بينها دار «برادا» التي تعد الأكثر تنوعاً مقارنة بزميلاتها في الصناعة الإيطالية. قدمت «برادا» تصاميم متنوعة من أمتعة السفر كبيرة الحجم، منها المصمم من القماش الفاخر بألوان داكنة تتحمل السفر، ومنها ما هو مطبع برسوم فنية.
أمتعة السفر... سباق بين العلامات الكلاسيكية ودور الأزياء
توقعات بزيادة المبيعات 16 في المائة خلال أربع سنوات لتبلغ نحو 5 مليارات دولار
أمتعة السفر... سباق بين العلامات الكلاسيكية ودور الأزياء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة