استياء روسي «غير مسبوق» من الغارات الإسرائيلية على سوريا

استياء روسي «غير مسبوق» من الغارات الإسرائيلية على سوريا
TT

استياء روسي «غير مسبوق» من الغارات الإسرائيلية على سوريا

استياء روسي «غير مسبوق» من الغارات الإسرائيلية على سوريا

برزت، أمس، لهجة استياء غير مسبوقة من جانب موسكو حيال الضربات الإسرائيلية على مواقع في سوريا، وتعمد الكرملين إرسال إشارات بعدم ارتياحه للتطور، ودعا إلى عدم ربطه باللقاءات الروسية - الأميركية، أخيراً، في حين شددت وزارة الخارجية على ضرورة «احترام القانون الدولي»، في انتقاد مباشر للضربات الإسرائيلية.
وبدا من توالي ردود الفعل الروسية على الهجوم الإسرائيلي الجديد، في مقابل تعمد موسكو في مواقف مماثلة سابقاً التزام الصمت، أن الجانب الروسي يشعر بـ«حرج»، وفقاً لتعليق خبير روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، وأوضح أن قيام إسرائيل بشن ضربات قوية وواسعة بعد مرور أيام فقط على اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي الروسي والأميركي والإسرائيلي في القدس الغربية «يمكن أن يفسر بأن موسكو منحت غطاءً لمواصلة إسرائيل توجيه ضرباتها في سوريا، في حين أن ملف الوجود الإيراني في سوريا شكّل نقطة خلافية كانت موسكو تأمل في مواصلة الحوار بشأنها، بدلاً من القيام بعمل استفزازي جديد».
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف سارع أمس خلافاً لمواقف سابقة حيال ضربات إسرائيلية، إلى التعليق على التطور، وقال إن بلاده «تدرس الضربة الإسرائيلية، التي استهدفت مواقع في سوريا، وتدعو إلى احترام القوانين الدولية». وأوضح لافروف، أن الجانب الروسي «بصدد دراسة الحقائق فيما يتعلق بالتقارير عن غارة جوية إسرائيلية على دمشق». وأكد وزير الخارجية الروسي على أهمية احترام وتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مشيراً إلى أن موسكو تعتبرها منطلقاً لتقييم أي أفعال تقوم بها أي جهة في المنطقة.
وفي وقت لاحق علق الكرملين على الحدث، وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إنه «لا وجود لأي صلة بين محادثات الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب (على هامش قمة أوساكا) وموضوع الغارات التي استهدفت ضواحي دمشق». وعكست هذه العبارة أيضاً حرصاً روسياً على إبراز عدم رضا موسكو عن التطور، وأنها لم تمنح الإسرائيليين ضوءاً أخضر لتنفيذ الهجوم.
وأشار بيسكوف إلى أن الكرملين «لا يمتلك معلومات كافية حول الحادث»، داعياً الصحافيين إلى استطلاع الموقف لدى المستوى العسكري «كونه يمتلك معلومات أكثر دقة».
ونقلت شبكة «سبوتنيك» الحكومية الروسية، أن صواريخ إسرائيلية استهدفت مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا غرب دمشق، وأن انفجاراً عنيفاً هز الموقع، كما لحقت أضرار مادية ببعض المنازل والمحال التجارية في منطقة أشرفية صحنايا جنوب دمشق، جراء سقوط بقايا الصواريخ الإسرائيلية التي أسقطتها الدفاعات السورية، مع تسجيل بعض الإصابات بصفوف المدنيين. ووفقاً للشبكة، فقد شاركت في الهجوم بوارج إسرائيلية من البحر.
وقالت المصادر، إن الدفاعات الجوية السورية «تمكنت من إسقاط الصواريخ التي أطلقتها بوارج إسرائيلية من البحر قبل وصولها إلى أجواء المياه الإقليمية السورية، مشيرة إلى أن صواريخ «إس - 200» في منظومة الدفاع الجوي السورية أسقطت ستة صواريخ إسرائيلية كانت تستهدف مواقع عسكرية في حمص».
ولفتت «سبوتنيك» إلى نقل المصابين إلى مشافي دمشق المركزية لتلقي العلاج، في حين أكد مصدر طبي أن بعض المصابين في حال الخطر، وتم إدخالهم إلى غرف العمليات وأقسام العناية الفائقة.
اللافت أن النقاشات حول الغارات الإسرائيلية تزامنت مع إعلان شركة إسرائيلية متخصصة في تحليل صور الأقمار الاصطناعية، أن روسيا استكملت نصب جميع بطاريات منظومة صواريخ «إس – 300» المضادة للجو في منطقة مرتفعة ببلدة مصياف السورية.
وأفاد تقرير بأن الشركة الإسرائيلية المختصة قالت عن نظام الدفاع الجوي «إس – 300» في سوريا «يبدو أنه يعمل بأكمله»، محذرة من أن ذلك يشير إلى وجود تهديد أكبر لقدرة إسرائيل على شن غارات جوية ضد القوات الإيرانية والتشكيلات الموالية لها في هذا البلد.
ولفت التقرير إلى أن صور الأقمار الاصطناعية في أوقات مختلفة أظهرت في 19 فبراير (شباط) الماضي، أن 3 بطاريات من أصل أربع نصبت بالكامل في قاعدة ببلدة مصياف، الواقعة شمال غربي سوريا، وهي تعمل على الأرجح، إلا أن الصور الجديدة أظهرت أن البطارية الرابعة أخذت مكانها هي الأخرى، بعد تسعة أشهر من قيام روسيا بتزويد سوريا بهذا النظام المتطور للدفاع الجوي.
على صعيد آخر، أعلن الناطق باسم الرئاسة الروسية، أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان، بحثا خلال لقائهما في أوساكا قمة ثلاثية مقبلة حول سوريا، تشارك فيها إيران. وقال بيسكوف للصحافيين أمس: «تناول الرئيسان عقد اجتماع ثلاثي. ولدينا تفاهم بأن هذه القمة سوف تعقد قريباً»، مشيراً إلى أن الكرملين «سوف يعلن موعد إجراء القمة بعد تأكيده بشكل نهائي».
وكان إردوغان، قال بعد قمة مجموعة العشرين إن تركيا وإيران وروسيا قد تنظم قمة ثلاثية حول سوريا في بداية الشهر. وزاد أنه ناقش التطورات الأخيرة في سوريا، وبخاصة في إدلب مع كل من الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترمب.
وأشار إردوغان إلى أن هذه القمة الثلاثية ستليها قمة رباعية بمشاركة تركيا، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا. كما أكد أن بلاده لا تزال تتعاون مع روسيا فيما يخص قضية إدلب بهدف وقف هجوم القوات الحكومية السورية فيها.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.